ولا يعرف أحد حتى الآن، ما هو الهدف الأساسي من كل هذه القروض، هل فقط لسد عجز الموازنة العامة للدولة وتغطية فجوة تمويلية تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار خلال عام واحد، أم لتمويل مشروعات بحاجة لكل هذا الكم من النقد الأجنبي، وما هي نوعية هذه المشروعات، وفي حال الحصول على كل هذه القروض، ما هي التكلفة، وما هو أسلوب السداد، وهل سيكون بإمكان الحكومة سداد كل هذه المليارات خاصة تلك التي تنتمي لفئة القروض قصيرة الأجل ومستحقة السداد خلال سنة مثلاً؟
اليوم الأحد مثلاً، أعلن عمرو الجارحي أن مصر تتوقع الحصول على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي والبالغ قيمتها 1.25 مليار دولار في النصف الثاني من شهر يونيو/ حزيران، أي بعد نحو شهر من الآن، وقبل أيام كشف الجارحي عن أن الحكومة ستقترض ما بين 1.5 مليار و2 مليار دولار خلال أسابيع قليلة عبر طرح سندات في الأسواق الدولية يتم دعوة صناديق الاستثمار والبنوك العالمية للاكتتاب بها.
وقبلها بفترة وجيزة، قال نائب وزير المالية، أحمد كوجيك، إن الحكومة ستقترض 9 مليارات دولار خلال العام المالي المقبل 2017-2018 عبر طرح سندات دولية وصكوك وقروض مباشرة.
إذا كانت الحكومة تتفاوض على اقتراض كل هذه المليارات في عام 2017، فما هو الحال في العام المقبل الذي يحل خلاله موعد سداد قروض خارجية ضخمة منها خمسة مليارات لدول الخليج الثلاث السعودية والكويت والإمارات، وملياري دولار للبنك المركزي الليبي، ومليارات أخرى مستحقة لدول نادي باريس وأصحاب السندات ومستثمرين دوليين.
الدول تقترض لتمويل مشروعات تدر النقد الأجنبي، والدول تقترض عندما يكون لديها إيرادات متوقعة من النقد الأجنبي تكفي لتغطية الديون وأسعار الفائدة المستحقة عليها، لكن أن تقترض الدول بهدف سداد عجز متزايد في الموازنة العامة، فهذه مشكلة كبيرة تحتاج لحل.
وعلى الحكومة كبح جماح الاقتراض الخارجي، خاصة مع استمرار المشاكل المتعلقة بموارد البلاد من النقد الأجنبي من القطاعات الحيوية كالسياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس، وعليها اتخاذ إجراءات وخطوات حقيقة لإعادة التعافي لقطاع السياحة، وحل المشاكل التي تواجه الصادرات المصرية خاصة من المنتجات الزراعية.
الاقتصاد المصري ليس بحاجة لفنيين واقتصاديين وسياسيين لحل مشاكله المتزايدة، فالحلول التي يقترحها هؤلاء لن تحل أزمات الاقتصاد، وأكبر دليل على ذلك قرار تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف، والذي راهن عليه هؤلاء جميعا في جذب استثمارات خارجية وزيادة الصادرات وإنعاش قطاع السياحة، لكن رغم مرور 6 أشهر على التعويم الا أن هدفاً من الأهداف الثلاثة لم يتحقق.
والاقتصاد ليس بحاجة للتوسع في الاقتراض الخارجي لتغطية أزمة تراجع السياحة والصادرات، وليس بحاجة لزيادة أسعار السلع لتغطية عجز الموازنة العامة البالغ نحو 370 مليار جنيه في العام المالي الجديد، وليس بحاجة إلى زيادة الإيرادات الضريبية، هو في حاجة لزيادة الإنتاج.
مصر في حاجة لأن يجلس السياسيون مع الاقتصاديين لبحث مستقبل البلد كاملاً وعلى رأسه أزمات الاقتصاد، وأن يجلس كل الفرقاء السياسيين للاتفاق على مصالحة مجتمعية تنتشل البلد من الكارثة الاقتصادية والمالية التي تمر بها.
وفي حال حدوث ذلك سيعيد المستثمر الخارجي أمواله الهاربة، لأنه سيلمس أن هناك حالة استقرار سياسي حقيقي بالبلاد وليست حالة هشة، وسيطمئن آلاف العاملين بالخارج أن أموالهم المحولة للداخل لن يمسها أحد، بل وستجد فرصاً استثمارية مناسبة، وسيطمئن السائح على نفسه، لأن المجتمع كله سيحارب الإرهاب وسيوفر له الأمن والأمان، وسيطمئن الجميع أن الشعب المصري لحمة واحدة، وبالتالي تختفي حالة الغموض السياسي الطاردة للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء.