رغم سعي الأردن نحو الاعتماد على الذات اقتصاديا منذ عدة سنوات وتقليل الاعتماد تدريجيا على المنح والمساعدات الخارجية، إلا أن الحكومة وجدت نفسها مضطرة إلى الحصول على مزيد من المعونات المالية من الدول والجهات المانحة، بسبب سوء أوضاع البلاد الاقتصادية التي تفاقمت بسبب الظروف الإقليمية وجائحة كورونا وتداعياتها، حسب مراقبين.
وتشكل المساعدات الخارجية أحد المقومات الأساسية للمالية العامة الحكومية في الأردن، وتساهم في تخفيض عجز الموازنة بنسبة تزيد عن 50% والذي يتجاوز يتجاوز سنويا 3 مليارات دولار، إضافة إلى تنفيذ مشاريع اقتصادية وتنموية ذات أولوية في قطاعات الصحة والتعليم ودعم مبادرات تستهدف الشرائح الفقيرة ومتدنية الدخل.
ويرى خبراء اقتصاد أن خطط الحكومة بالوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات لم تتحقق بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الأردن، من حيث ارتفاع عجز الموازنة والمديونية العامة التي تجاوزت الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 10%، إلى جانب تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة والضغوط المالية بسبب موجات اللجوء، وآخرها اللاجئون السوريون، إضافة إلى الأعباء الناتجة عن فاتورة الطاقة.
4 مليارات دولار
وتتوقع الحكومة الحصول على 4 مليارات دولار مساعدات ومنحاً خارجية هذا العام، وهي تقديرات العام الماضي ذاتها، التي تقدمها للأردن عدة بلدان، من أهمها الولايات المتحدة الأميركية، وبلدان عربية وصناديق دولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، على شكل تسهيلات ممتدة لعدة سنوات.
وما زالت نسب النمو الاقتصادي في الأردن دون المستوى المطلوب، وتبتعد كثيرا عن معدلاتها التي بلغتها قبل حوالي 8 سنوات بأكثر من 5%، فيما أظهرت النتائج الأولية للتقديرات الربعية للناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة، للربع الأول من عام 2022، نمواً بلغت نسبته 2.5% خلال الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالربع الأول من عام 2021.
زيادة المساعدات الأميركية
نجح الأردن في تجديد مذكرة المساعدات الأميركية للسنوات السبع المقبلة، وبحجم إجمالي يبلغ 10.15 مليارات دولار، حيث يصل حجم الدعم السنوي إلى 1.45 مليار دولار ابتداء من العام المقبل 2023.
والمذكرة الجديدة تشتمل على زيادة في حجم المساعدات السنوية بمبلغ 175 مليون دولار حال المقارنة بحجم المساعدات المقدمة من قبل الولايات المتحدة بموجب مذكرة التفاهم الموقعة في العام 2018، والتي غطت فترة خمس سنوات فقط (2018-2022)، وجرى تقديم مساعدات سنوية، بموجب هذه المذكرة التي تنتهي مدتها هذا العام، بمبلغ 1.275 مليار دولار أميركي.
وصلت مدة مذكرة التفاهم الجديدة التي وقعت مؤخراً إلى 7 سنوات وهي الأطول مع الجانب الأميركي في تاريخ العلاقات الثنائية بين الجانبين، وفقا لتصريحات وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني ناصر الشريدة.
وقال الشريدة: "تشمل المساعدات السنوية الجديدة ما لا يقل عن 1.035 مليار دولار مساعداتٍ اقتصادية، منها ما لا يقل عن 610 ملايين دولار دعما مباشرا للخزينة، و75 مليون دولار لحزمة صندوق الدعم التحفيزي ستوجه لدعم جهود التحديث الاقتصادي وإصلاح القطاع العام، و350 مليون دولار لتنفيذ مشاريع تنموية ذات أولوية للمواطنين ستنفذها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالتنسيق مع الحكومة الأردنية، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية المقدمة بمذكرة التفاهم والبالغة قيمتها 400 مليون دولار للقوات المسلحة الأردنية".
كما ستساهم هذه المساعدات، وفقاً لوزير التخطيط الأردني، في دعم خطط الحكومة في التعافي الاقتصادي وتبعات أزمة جائحة كورونا والتخفيف في الوقت ذاته من آثار الأزمات الإقليمية، بما في ذلك التخفيف من وطأة أزمات اللجوء المختلفة التي تعرضت لها المملكة، كون الأردن إحدى أكبر الدول المضيفة للاجئين على مستوى العالم نسبة إلى عدد السكان، بالرغم من شح الموارد وتدني الاستجابة العالمية لتمويل كلف استضافة اللاجئين، والتي شكلت عبئاً كبيراً على مرافق البنية التحتية.
الابتعاد عن الاعتماد على الذات
قال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني النائب محمد السعودي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأردن ما زال بعيداً عن الوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات المخطط له منذ عدة سنوات، وذلك يعود إلى حجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد، وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب اضطرابات المنطقة وما نتج عنها من نزوح أكثر من 1.3 مليون سوري إلى الأراضي الأردنية وفقدان أسواق تصديرية للمنتجات الأردنية".
وأضاف أنّ عجز الموازنة كلّ عام مرتفع، وتساهم المساعدات الخارجية في تخفيضه بنسبة كبيرة، وقد زادت الضغوط المالية بسبب جائحة كورونا وتداعياتها وارتفاع أسعار النفط الخام، إلى جانب الأعباء التي نتجت عن تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
وقال السعودي إن رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة مؤخراً تشتمل على برنامج متكامل للنهوض الاقتصادي وزيادة معدلات النمو وتخفيض الفقر والبطالة، وذلك من خلال التركيز على استقطاب الاستثمارات بعد إقرار قانون جديد للاستثمار وتعديل بعض التشريعات الاقتصادية.
وأضاف رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب أنّ تجديد حزمة المساعدات الأميركية للأردن، للسنوات السبع المقبلة، وارتفاعها، يساعدان الحكومة على وضع تصورات أكثر دقة لوضع البلاد المالي خلال الفترة المقبلة، وإمكانية تنفيذ مشاريع تنموية ذات أولوية في إطار المساعدات التي ستقدم من خلال الوكالة الأميركية للإنماء الدولي.
قال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني النائب محمد السعودي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأردن ما زال بعيداً عن الوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات"
وزارة التخطيط والتعاون الدولي قالت إنّ قيمة المساعدات الخارجية المتعاقد عليها للأردن، منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية شهر يوليو/ تموز، بلغت 1.54 مليار دولار من المنح والقروض الميسرة.
وتوزعت قيمة المساعدات الخارجية على منح بقيمة 187.5 مليون دولار وقروض ميسرة بقيمة 1.1 مليار دولار، لدعم الموازنة العامة ولتمويل مشاريع ذات أولوية في قطاعات الحماية الاجتماعية والتشغيل والتوظيف والتنمية الاقتصادية والبنى التحتية، إضافة إلى منح موجهة لدعم الأردن ضمن خطة الاستجابة للأزمة السورية بقيمة 252.5 مليون دولار.
توظيف العلاقات السياسية
قال الخبير الاقتصادي أكرم كرمول، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأردن يوظف علاقاته السياسية مع بعض البلدان للحصول على مساعدات اقتصادية لمواجهة الظروف الصعبة، التي يعاني منها في ضوء محدودية الموارد والإمكانات والتداعيات الناتجة عن جائحة كورونا والأحداث التي شهدتها دول مجاورة.
وأضاف أنّ التركيز على الاستثمار وتغيير طريقة التعاطي مع المستثمرين ورجال الأعمال يساهمان في استقطاب مزيد من المشاريع الاستثمارية، ما يعني زيادة الإيرادات المحلية وتوفير فرص العمل والوصول تدريجياً، بعد سنوات، إلى مرحلة الاعتماد على الذات.