بدأت تونس محاولات رقمنة الاقتصاد في مطلع الألفية الجديدة بغاية تطوير اقتصادها وتحسين آليات الإنتاج والخدمات. غير أن خطوات الرقمنة ظلت متعثرة ولم تتمكن البلاد من الذهاب سريعاً إلى الحلول التكنولوجية وفق صندوق النقد العربي الذي صنّف تونس في دراسة له صدرت نهاية 2020 ضمن البلدان التي تتسم بالأداء المتوسط فيما يتعلّق بالاقتصاد الرقمي.
وتمثل الشركات الناشئة التي صادق البرلمان على إطارها التشريعي عام 2018 القاطرة التي تستند إليها البلاد لقيادة التحوّل الرقمي، الذي أظهرت الجائحة الصحية نجاعته في تقديم الحلول السريعة وذات القيمة المضافة لمجمل القطاعات الاقتصادية التي لا تزال تعاني من الثقل الإداري.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف أن تونس لا تزال متعثرة في التحول الرقمي رغم أهمية هذه السوق. ويشير إلى أن ثقل الإدارة التقليدية وضعف التشريعات يعرقلان نمو هذا النشاط القادر على تحقيق نقطتي نمو إضافيتين في الاقتصاد سنوياً.
ويقول الشريف في حديث مع "العربي الجديد" إن المناخ العام لم يسمح للشركات الناشئة بالذهاب بالبلاد سريعاً نحو الانتقال الرقمي والدخول في شراكات مع مستثمرين أجانب من أجل نقل الخبرة إلى هذا الصنف من المؤسسات.
ويضيف أن دولاً كانت في نفس مستوى النمو التونسي خلال العقدين الماضيين تمكنت من تحقيق قفزات عملاقة في القطاع الرقمي ومنها ماليزيا، منتقداً تباطؤ البرلمان في سن التشريعات اللازمة لمساعدة المؤسسات على تجاوز عقباتها.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الاقتصاد الرقمي قادر على استيعاب جزء مهم من العاطلين عن العمل، ولا سيما خريجي الجامعات في الاختصاصات التقنية والمالية، مشدداً على ضرورة توجيه مناهج الجامعات نحو هذا الاختصاص لأقلمة التكوين الجامعي مع متطلبات سوق العمل مستقبلاً. وتمكنت 43 في المائة من الشركات الناشئة في تونس من تطوير معاملاتها خلال جائحة كورونا وفترة الحجر الصحي، مدفوعة بمجموعة الحلول الرقمية التي تقدمها الشركات التقنية لتسهيل الخدمات والمعاملات التجارية في زمن الغلق.
ونجحت الشركات الناشئة في تونس، بحسب دراسة حديثة، في التأقلم السريع مع ظروف كورونا؛ حيث تمكن 28 في المائة منها من تغيير نشاطاته بحسب متطلبات المرحلة الجديدة، ما جعل الشركات الناشئة ضمن قائمة المؤسسات الأكثر قدرة على المحافظة على مواطن الشغل.
ويلفت المستثمر في الشركة الناشئة "برانبر" التي قامت بالدراسة، سعيد بن جليلي، إلى أن هذا الصنف من المؤسسات أبدى صلابة لافتة في التأقلم مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها تونس منذ بدء الجائحة الصحية، مشيراً إلى أن 23 في المائة من الشركات الناشئة زادت عدد موظفيها خلال هذه الفترة.
ويؤكد بن جليلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن جيل الشركات الناشئة لا يجد الدعم الكافي من الجهات الرسمية في البلاد رغم أهمية الحلول التي يقدمها، مشيراً إلى أن المؤسسات العمومية الكبرى لا تزال ترفض التعامل مع الشركات الناشئة ولا تقبل الحلول الرقمية التي تقدمها.
ويضيف بن جليلي أن الشركات الناشئة التونسية في المقابل تقدم حلولاً للبلدان الأجنبية التي آمنت بهذا القطاع وتسهّل المعاملات الرقمية في جميع معاملاتها. وأطلق البنك المركزي التونسي مرحلة الاختبارات مع أربع مؤسسات للتكنولوجيا المالية لضمان التعرف إلى الزبائن عن بعد وتحقيق الشمول المالي وتركيز العملات الرقمية وفق تقنيات الذكاء الاصطناعي، في خطوة تعكس استهداف التهرب الضريبي وتقويض الاقتصاد الموازي.
ونهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020 دشّن محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي مرحلة الاختبارات مع أربع مؤسسات للتكنولوجيا المالية في إطار تجارب البيئة الرقابية بشراكة مع وزارة تكنولوجيات الاتصال.
وتقدم هذه المؤسسات تطبيقات تتعلق بمنظومة التعرف إلى الحريف عن بعد والمقاصة العابرة للحدود والعملات المشفرة والعملات المركزية الرقمية والتي تعمل كلها بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وكشفت دراسة لوزارة تكنولوجيا الاتصالات أنّ التحول الرقمي الكلي قادر على زيادة 1.5 إلى 2.3 نقطة في نمو الاقتصاد التونسي.
كذلك، تبيّن أرقام المعهد الإحصاء الحكومي أن قطاع التكنولوجيا يشغل أكثر 90 ألف تونسي في 1800 مؤسسة عاملة في القطاع. ويرى الخبير الدولي في سياسات حوكمة الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات حافظ اليحمدي أن احتكار الدولة لقطاع التكنولوجيا والمعلومات وضعف الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص من أسباب تأخر نمو القطاع.
ويعتبر اليحمدي في دراسة أصدرها أخيراً حول واقع الاقتصاد الرقمي في تونس أن الشركات الناشئة المتوسطة والكبرى هي المحرك لبناء اقتصاد رقمي مستدام ومتفاعل مع واقعه الاجتماعي والثقافي، منتقداً الدور الضعيف للقطاع الخاص في إنجاز وتنفيذ المشاريع الكبرى الخاصة البنى التحتية الرقمية وتطوير مشاريع رقمنة الإدارة التونسية.