الاقتصاد الإسرائيلي مأزوم: تفاقم العجز المالي ليس آخر أحزان الاحتلال

12 اغسطس 2024
محتجون اقتحموا مبنى بورصة تل أبيب، يوم 18 يوليو 2023 (مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -

تواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمات متواصلة، فيما تتحدث مؤشرات عدة عن ضربات قاسية ستترك ندوباً قد تستمر لسنوات، بخاصة على مستوى ارتفاع حجم الإنفاق والاقتراض. يتجاوز العجز في إسرائيل الآن بنسبة 1.5 في المائة هدف العجز المالي البالغ 6.6 في المائة الذي حددته حكومة الاحتلال لنهاية العام الحالي في ميزانية 2024، بحسب ما أورده موقع غلوبس الإسرائيلي.

واستمر العجز المالي في إسرائيل في الاتساع في يوليو/ تموز الماضي، ليبلغ 8.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، أو 155.2 مليار شيكل (الدولار=3.7 شيكل)، وفقاً لتقارير المحاسبة العامة لوزارة المالية يالي روتنبرغ، ارتفاعاً من 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية مايو/ أيار. وقد نما العجز المالي في كلّ من الأشهر الستة عشر المتتالية الماضية. وبحسب تقرير المحاسب العام، تزداد المشكلة الأساسية سوءاً، حيث إن معدل نمو الإنفاق الحكومي يبلغ نحو 33 في المائة مقارنة بالمستهدف بنحو 13 في المائة.

وبلغت تقديرات نفقات الحرب منذ بداية العام نحو 63.5 مليار شيكل، وبداية الحرب بنحو 88.4 مليار شيكل، فيما دُفع حتى الآن نحو 15.5 مليار شيكل من صندوق التعويضات. لكن المشكلة ليست فقط في الحرب، وفق موقع "كالكاليست" الإسرائيلي، التي كما هو متوقع لها تكاليف اقتصادية باهظة، ولكن أيضاً في النفقات دون الحرب.

وبلغ معدل الزيادة في المصاريف المكتبية دون الحرب 9.2 في المائة عندما كان الحد الأصلي 4.9 في المائة. أي إن هناك قفزة في الإنفاق الحربي، ولكن هناك أيضاً قفزة مستمرة في الإنفاق غير المرتبط بالحرب.

ويلفت الموقع إلى أن حكومة إسرائيل تواصل العمل في منطقة خطرة. إذ إن العجز بمستويات 8 في المائة أو أكثر، التي سُجِّلَت خلال وباء كورونا، وقد يجرّ ذلك الاقتصاد الإسرائيلي إلى أزمة مالية واسعة. ومصدر التخوف الحقيقي يقوم على أن الدوامة السلبية ذات التأثير النفسي في المستثمرين، جنباً إلى جنب مع التخفيضات المحتملة من قِبَل وكالات التصنيف، قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الدين (الفائدة)، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، وتباطؤ النمو الاقتصادي. عندما يؤدي تفاقم ظروف الاقتصاد الكلي إلى زيادة العجز الحكومي، ويعمق عدم الاستقرار المالي، وفق "كالكاليست".

ورطة الاقتصاد الإسرائيلي

واقتصاديو الخزانة (قسم الميزانية، كبير الاقتصاديين) وأيضًا الاقتصاديون في بنك إسرائيل يعتبرون أن "في الربع الأخير من العام، من المتوقع انخفاض معدلات النمو بسبب تغير توزيع النفقات الجارية ونفقات الحرب". أي إن هؤلاء الاقتصاديين يعتقدون أن العجز مرتفع للغاية وأعلى من السقف بمقدار 1.5 نقطة مئوية، ولكن يعتبرون أن هذا أمر فني، ومن المتوقع أن ينخفض في نهاية العام نحو الهدف.

والهدف هو 6.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو في حد ذاته معدل ضخم. ويعتبر الموقع الإسرائيلي أن المشكلة الكبرى هي أن شركات التصنيف بدأت بالفعل في الإشارة إلى أن هناك خفضاً آخر في الطريق، ويرجع ذلك أساساً إلى استمرار الحرب وعدم وجود أفق لإنهائها.

وهذا الأمر جاء في تقرير لموقع "ذا ماركر" الإسرائيلي أيضاً، حيث أشار إلى أن شركة التصنيف ستاندرد آند بورز أصدرت تقريراً خاصاً للمستثمرين، أعلنت فيه أن المخاطر في ما يتعلق بإسرائيل تتزايد بسبب توسع الصراع في الشرق الأوسط، بعد الاغتيالات في بيروت وطهران، ورد الفعل المتوقع من حزب الله وإيران.

يأتي ذلك بعد خفض التصنيف في إبريل/ نيسان إلى A1، وأرفقت وكالة ستاندرد آند بورز أيضًا لإسرائيل توقعات سلبية لخفض آخر، وقالت الشركة إن تصعيد الصراع إلى ساحات إضافية قد يؤدي إلى خفض آخر يطاول الاقتصاد الإسرائيلي. وأرفقت وكالة موديز، التي خفضت تصنيف إسرائيل بالفعل في فبراير/ شباط، توقعات سلبية لخفض آخر.

وأوضحت الشركة أنه "لا يزال هناك خطر لا يستهان به من التصعيد إلى صراع عسكري حقيقي بين إسرائيل وحزب الله أو إيران بشكل مباشر".

وعلى الرغم من أن شركة التصنيف فيتش لم تخفض تصنيف إسرائيل، إلا أنها أرفقت أيضًا توقعات سلبية بسبب الخوف من التصعيد الإقليمي والمخاطر الجيوسياسية المتنامية في المنطقة وتأثيره في الاقتصاد الإسرائيلي. وفي ما يتعلق بالإيرادات الضريبية، فإن بعض التحليلات التي أجراها خبراء اقتصاد السوق تعكس زيادة في الإيرادات ذات طبيعة مؤقتة وغير دائمة.

سيناريو الركود

وبحسب بيانات مصلحة الضرائب، خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو 2024، التي نشرها "كالكاليست"، انخفض تحصيل الضرائب المباشرة إلى حد ما بالقيمة الحقيقية، في حين أن ما وازن التحصيل بأكمله (زيادة بنسبة 0.7 في المائة) هو الضرائب غير المباشرة التي ارتفعت بالقيمة الحقيقية بنسبة 2 في المائة.

ويضاف إلى ذلك سيناريو الركود في الولايات المتحدة، فيما الأخيرة هي العميل الرئيس للتكنولوجيات المتقدمة الإسرائيلية وأيضاً الممول الرئيسي لها. حوالى 80 في المائة من رأس المال يأتي من الاقتصاد الأميركي، وفق "كالكاليست".

وبحسب موقع "غلوبس"، فإن هذا المسار بدأ بالفعل نتيجة الحرب حالياً، حيث كُشف عن أن شركة KLA، وهي شركة أميركية ضخمة توظف 1000 شخص في إسرائيل، ولها، من بين أمور أخرى، نشاط إنتاجي كبير لدى الاحتلال، تعتزم نقل نحو ربع أنشطتها الإنتاجية تدريجياً إلى ألمانيا. وجاءت هذه الخطوة جزءاً من خطة استمرارية الأعمال لتقليل اعتماد الشركة على إسرائيل وتلبية الطلب العالمي.

وهذا الأمر لا يتوقف هنا، إذ إن التهديد الأمني دفع حتى شركات التكنولوجيا الإسرائيلية إلى سحب خطط الطوارئ الخاصة بها من أدراجها، فقد أقامت ملاجئ محمية، ونقلت المديرين إلى الخارج، وسط تغيير خطط التوظيف المستقبلية، حيث "لن تكون هناك وظيفة تتركز فقط في إسرائيل"، بحسب "غلوبس".

ووفق "كالكاليست" يتفق المتفائلون والمتشائمون من الاقتصاديين على شيء واحد: على مستوى خطورة سلوك وتصرفات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في ضوء خطورة أرقام الميزانية.

"نقطة الضعف الرئيسية في الحكومة، أنها لا تعلن جدول خفض العجز، ونتيجة لذلك، فهي لا تنقل يقيناً بشأن نشاط الميزانية المستقبلي"، يوضح البروفيسور ميشيل سترافشينسكي من الجامعة العبرية، وهو عضو سابق في لجنة الميزانية " في حين اعتادت الحكومة في السنوات السابقة الإعلان مقدمًا عن هدف العجز للسنتين المقبلتين، إلا أن الحكومة هذه المرة لا تنظم بشكل صحيح للموافقة على ميزانية عام 2025، ولا تُطلِع الجمهور على مسار العجز لعامي 2025 و2026 الذي من المتوقع أن يكون مرتفعاً نسبياً مقارنة بالماضي".

وبحسب قوله، وعلى خلفية المراقبة السلبية لشركات التصنيف الائتماني الثلاث، "فإن هذا الضعف يعرّض الحكومة لخطر مزيد من خفض التصنيف الائتماني على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل". علاوة على ذلك، ونظراً لسياسة الميزانية التوسعية وغير المسؤولة هذه، لن يتمكن بنك إسرائيل من تشجيع النشاط الاقتصادي من خلال تخفيض الفائدة، وهو أمر بالغ الأهمية.

ولا يتعلق الأمر بالحرب، يذكر أليكس زيبزينسكي، كبير الاقتصاديين في شركة ميتاف للاستثمارات المحدودة في تل أبيب، في مراجعته الأخيرة، بحسب "كالكاليست"، أنه خلال فترة الركود في الولايات المتحدة وإسرائيل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انخفضت أسعار الفائدة في إسرائيل في الوقت نفسه الذي انخفض فيه سعر الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة)، وذلك على الرغم من تدهور الوضع الأمني في إسرائيل بعد الانتفاضة الثانية.

لقد كان "حادثاً مالياً مؤسفاً" على حد تعبيره، سياسة الميزانية غير المسؤولة تسببت في زيادة غير منضبطة في العجز وخفض التصنيف الائتماني تقريباً، الأمر الذي دفع المحافظ في ذلك الوقت، ديفيد كلاين، إلى رفع أسعار الفائدة بقوة.

المساهمون