بعد نصف عامٍ أول أظهر العديد من المؤشرات أنه كان الأفضل في عقود، استهل الاقتصاد الأميركي النصف الثاني من العام بمجموعة من البيانات المتضاربة، الأمر الذي يتوقع أن يزيد من صعوبة وضع السياسات النقدية في الاقتصاد الأكبر في العالم، بينما ينذر المواطن العادي ببعض "الأوجاع الرأسمالية"، لو استمرت السياسات التقييدية أكثر من التوقعات الحالية.
سوق العمل الأميركية
وبالتزامن مع إظهار بيانات "إيه دي بي"، المتخصصة في متابعة وتسهيل دفع الرواتب والأجور، اليوم الخميس، إضافة الاقتصاد الأميركي 497 ألف وظيفة في يونيو/حزيران، في أكبر زيادة شهرية منذ يوليو/تموز 2022، وبالمقارنة بتوقعات توقفت عند 220 ألف وظيفة فقط، كشفت بيانات مكتب إحصاءات العمل، أن عدد فرص العمل المتاحة خلال مايو/أيار بلغ 9.824 ملايين فرصة، بانخفاض 496 ألف فرصة عن الشهر السابق، ومقارنة بتوقعات تسجيل 9.930 ملايين فرصة عمل.
وقال المكتب التابع لوزارة العمل الأميركية إن عمليات التعيين زادت بشكل طفيف عند 6.208 ملايين عملية خلال مايو، بينما ارتفعت حالات مغادرة العمل إلى 5.871 ملايين حالة من 5.660 ملايين حالة. وزادت حالات الاستقالة من العمل في الولايات المتحدة بنحو 250 ألفًا، لتصل إلى 4.015 ملايين حالة خلال مايو.
وفي أكثر من مناسبة، أكد جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، صعوبة القضاء على التضخم في ظل القوة الحالية التي تتميز بها سوق العمل الأميركية، مشيراً إلى ضرورة ارتفاع معدل البطالة للاقتراب مرة أخرى من مستهدف البنك لمعدل التضخم، والمقدر بـ2%.
وعلى نحو متصل، انخفضت عمليات تسريح العمالة في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي، لتسجل أدنى مستوى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، مع تصدر قطاع التكنولوجيا لعمليات خفض التكاليف بالتزامن مع تزايد المخاوف من دخول الاقتصاد الأميركي في ركود.
وبحسب تقرير تسريح العمالة، الصادر عن شركة "تشالنجر وغراي وكريسماس"، قال أصحاب العمل في الولايات المتحدة إنهم قاموا بإلغاء 40709 وظائف خلال شهر يونيو/حزيران، بانخفاض 49% عن عدد التخفيضات المعلن عنها خلال مايو، والبالغة 80089 وظيفة.
ورغم الانخفاض الشهري، فإن بيانات شهر يونيو تمثل المرة السادسة هذا العام التي يظهر فيها ارتفاع عدد تخفيضات الوظائف مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، حيث ارتفع تسريح العمال خلال الشهر بنسبة 25% من 32517 وظيفة خلال يونيو 2022.
الرهن العقاري
وبعيدا عن سوق العمالة التي مازالت تحتفظ بقوتها، رغم تشديدات السياسة النقدية، أظهرت بيانات حديثة ارتفاع معدلات الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري هذا الأسبوع لتقترب من 7%، مع تزايد التوقعات باستمرار التشديد النقدي، مما يزيد من تحديات سوق الإسكان بالولايات المتحدة.
وقالت المؤسسة المتخصصة في تسهيل صفقات الرهن العقاري "فريدي ماك" إن متوسط سعر الفائدة على قرض المنزل ذي السعر الثابت لمدة 30 عامًا ارتفع هذا الأسبوع إلى 6.81% من 6.71%، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وبحسب جمعية مقدمي قروض الرهن العقاري، تراجع حجم طلبات الرهن العقاري بنسبة 4.4%، على أساس معدل موسميا، للأسبوع المنتهي في الثلاثين من يونيو، مقارنة بالأسبوع السابق.
وقال "جويل كان" نائب كبير الاقتصاديين لدى الجمعية في بيان: " كان هذا على الأرجح مدفوعًا بانخفاض نشاط الشراء في الأسواق عالية الأسعار، حيث يبحث المشترون عن خيارات أكثر بأسعار معقولة".
وبحسب بيانات شركة "ألتوس ريسيرش"، انخفض المعروض من المنازل في الولايات المتحدة بنسبة 2%، على أساس سنوي، خلال الأسبوع المنتهي في الخامس من يوليو، حيث يفضل الملاك الحاليون الاحتفاظ بمعدلات الرهن العقاري القديمة ذات التكلفة المنخفضة، مما يزيد تفاقم مشكلة العرض في السوق.
واليوم الخميس، وبعد الإعلان عن إضافات الوظائف القوية التي تمهد الطريق لبقاء معدلات الفائدة المرتفعة لفترات مطولة، قالت :سي إن بي سي" إن متوسط سعر الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عامًا قفز إلى 7.22%، وفقًا لنشرة أخبار الرهن العقاري اليومية، وهو أعلى متوسط معدل فائدة على هذا النوع من القروض منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
نشاط الخدمات
نما النشاط الخدمي في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي، وذلك للشهر السادس على التوالي، حيث سجل القطاع نموًا خلال 36 شهرًا من 37 شهرًا الماضية، مع الانكماش الوحيد في ديسمبر/كانون الأول من عام 2022.
وبحسب بيانات معهد إدارة التوريد، ارتفع مؤشر مديري المشتريات الخدمي عند 53.9 نقطة خلال يونيو مقارنة بـ50.3 نقطة خلال مايو، ومقابل توقعات بتسجيل 51 نقطة.
وفي حين ارتفع مؤشر الطلبات الجديدة بمقدار 2.6 نقطة عند 55.5 نقطة خلال الشهر، انخفض مؤشر الأسعار بنسبة 2.1 نقطة خلال الشهر إلى 54.1 نقطة. كما انخفض مؤشر تسليمات الموردين 0.1 نقطة عند 47.6 نقطة خلال شهر يونيو مقارنة بشهر مايو، وهي القراءة الوحيدة العكسية، حيث تشير القراءة التي تزيد على 50 نقطة إلى عمليات تسليم أبطأ.
وفي نفس السياق، أظهرت القراءة النهائية لمؤشر مديري المشتريات الخدمي الصادرة عن "إس آند بي غلوبال"، تباطؤ نمو القطاع بشكل طفيف، حيث تراجع المؤشر المعدل موسميًا إلى 54.4 نقطة خلال يونيو من 54.9 في مايو، لكنه جاء أكثر من القراءة الأولى.
عجز الميزان التجاري
وتراجع عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة خلال شهر مايو بعد انخفاض عجز تجارة السلع، بالتزامن مع نمو فائض تجارة الخدمات.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الأميركي، انخفاض عجز ميزان تجارة السلع والخدمات بنسبة 7.3% على أساس شهري أو بمقدار 5.5 مليارات دولار إلى 69 مليار دولار خلال مايو.
وجاء التراجع في عجز الميزان التجاري بعد انخفاض عجز تجارة السلع بمقدار 4.8 مليارات دولار إلى 91.3 مليار دولار، بالتزامن مع نمو فائض تجارة الخدمات بنحو 700 مليون دولار إلى 22.3 مليار دولار.
وانخفض إجمالي الصادرات بنسبة 0.8% على أساس شهري إلى 247.1 مليار دولار خلال إبريل/نيسان، حيث انخفضت صادرات السلع 2.5 مليار دولار إلى 164.8 مليار دولار، في حين زادت صادرات الخدمات 400 مليون دولار لتصل إلى 82.3 مليار دولار.
وتراجع إجمالي الواردات بنسبة 2.3% على أساس شهري إلى 316.1 مليار دولار، حيث انخفضت واردات السلع 7.2 مليارات دولار إلى 256.1 مليار دولار، في حين انخفضت واردات الخدمات بمقدار 300 مليون دولار لتصل إلى 60 مليار دولار.
وعكست البيانات تحقيق فوائض من التجارة مع أميركا الجنوبية والوسطى بمقدار 4.2 مليارات دولار، وهولندا 3.9 مليارات دولار، وبلجيكا 1.7 مليار دولار، وهونغ كونغ 1.6 مليار دولار، وأستراليا 1.2 مليار دولار، في حين حقق الميزان التجاري عجزًا مع الصين بمقدار 24.9 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي 16.5 مليار دولار، والمكسيك 13.5 مليار دولار، وفيتنام 8.1 مليارات دولار، وألمانيا 6.9 مليارات دولار.
قواعد جديدة لصناديق الاستثمار
وفي ملف اخر يتعلق بأسواق المال، تستعد لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، لفرض مجموعة من القواعد الجديدة على صناديق الاستثمار المشتركة في أسواق المال، وهي خطوة تنذر بصدام مع كبريات الشركات الاستثمارية في القطاع البالغة قيمته 5.5 تريليون دولار.
وتخطط الجهة التنظيمية الرئيسية في وول ستريت، لعقد اجتماع في الثاني عشر من يوليو/تموز، لوضع اللمسات الأخيرة على التغييرات، والتي تهدف إلى منع تكرار خروج التدفقات النقدية بالطريقة التي حدثت بها في مارس/آذار 2020 عند بداية الجائحة، بحسب "بلومبيرغ".
ودفع هذا الاضطراب مجلس الاحتياط الفيدرالي وقتها للتدخل وإنقاذ صناديق أسواق المال للمرة الثانية خلال 12 عامًا، مما دفع بدوره لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى فرض لوائح أكثر صرامة.
وتعرضت اللجنة للانتقاد الحاد، من اللاعبين في السوق، عند تقديم خطتها في ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث كان الاقتراح المعروض آنذاك، والذي يمكن أن يكون مختلفًا عن القواعد النهائية التي سيتم الإعلان عنها الأسبوع المقبل، يفرض متطلبات تسعير متغيرة، يُعتقد أنها قد تجعل الصناديق أكثر تكلفة وأقل جاذبية.
(رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)