سجل الاقتصاد الأميركي انكماشاً في الربع الثاني من عام 2022 بـ 0.9% مقابل توقعات بنمو 0.5%، ليكون بذلك قد دخل تقنياً في مرحلة الركود الاقتصادي بعد انكماشه لربعين متتاليين. وكان الاقتصاد الأميركي قد سجل انكماشاً بـ 1.6% في الربع الأول من العام الحالي. وجاء الانكماش في ظل تضخم يفوق المستهدف بشكل كبير، ومحاولات من الفيدرالي الأميركي لكبح جماح هذا التضخم من خلال رفع الفائدة.
في تصعيد جديد لجهوده الهادفة إلى التصدي لأعلى معدل تضخم في البلاد في أكثر من 40 عاماً، رفع بنك الاحتياط الفيدرالي يوم الأربعاء معدل الفائدة على أمواله بنسبة 0.75%، وأكد رئيسه أن بلاده لا تشهد ركوداً اقتصادياً في الوقت الحالي، ملمحاً إلى القيام برفعٍ جديدٍ خلال اجتماع لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة في شهر سبتمبر/ ايلول المقبل، وإن كان لا يعرف مقداره في الوقت الحالي.
وبعد قرارٍ كان تكراراً لما حدث الشهر الماضي، حين قام البنك بأكبر رفع لمعدل الفائدة على أمواله منذ عام 1994، ليصل به إلى نطاق 2.25% - 2.50%، أكد جيرومي باول، رئيس البنك المركزي الأكبر في العالم، تصميمه وأعضاء مجلس إدارة البنك على الوصول بمعدل التضخم إلى مستهدفه طوال العقد الماضي حول 2%، مشيراً إلى أنه يضع عينيه، مع اتخاذ هذه القرارات، على الاقتصاد الذي يخشى أغلب المحللين دخوله في ركود خلال الفترة القادمة.
وقال باول: "ينتج من الركود تراجع كبير في العديد من الصناعات والقطاعات، وهو ما لا أراه حالياً في الاقتصاد الأميركي".
وفي بيان للبنك نُشر عقب إصدار قرار الرفع، أقرّ صانعو السياسة النقدية في الاقتصاد الأكبر في العالم بظهور مؤشرات توضح تباطؤ النشاط الاقتصادي بعد اجتماعهم الشهر الماضي، ومنها المؤشرات الأخيرة للإنفاق والإنتاج، إلا أنهم أكدوا في الوقت نفسه قوة المكاسب الوظيفية في الأشهر الأخيرة.
وقال باول: "الشركات الأميركية تضيف وظائف غير زراعية بمتوسط ثلاثمائة ألف وظيفة كل شهر خلال الفترة الأخيرة".
وكرر البيان ما جاء في محضر الاجتماع السابق بخصوص تَوقُّع المسؤولين، الذين اتخذوا قرار رفع 0.75% الأربعاء بالإجماع، القيام برفع معدل الفائدة من جديد خلال الاجتماعات القادمة، مستهدفين الوصول به إلى مستوى 3% - 3.5% قبل نهاية العام الحالي، في ما يعد أعلى موجة لرفع معدلات الفائدة منذ الثمانينيات.
ورفع البنك معدل الفائدة على أمواله خلال العام الحالي أربع مرات خلال أربعة اجتماعات متتالية، بدءاً من مارس/ آذار الماضي، حين ابتعد عن صفر بالمائة التي طبقها لما يقرب من تسعة أعوام منذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت البلاد قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً.
وسبّب تسابق الشركات الأميركية على مراكمة مخزون البضائع لديها، خلال الربع الأخير من العام الماضي، خوفاً من تعطل سلاسل الإمداد من جديد على النحو الذي حدث مع انتشار فيروس كوفيد-19 في أغلب دول العالم، في انكماش الاقتصاد الأميركي خلال الربع الأول من العام الحالي، وفي وجود توقعات كبيرة بحدوث انكماش جديد خلال الربع الثاني حين خفضت الشركات الأميركية من طلباتها بسبب تراكم المخزون لديها، وهو ما ظهرت آثاره في بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأخيرة.
وقدر بنك الاحتياط الفيدرالي في أطلانطا تأثير تباطؤ شراء الشركات الأميركية خلال الربع المنتهي على تراجع معدل نمو الاقتصاد بنحو 2.3%، وهو ما يعني أن عدم اتخاذ الشركات القرار بإبطاء مراكمة المخزون كان من شأنه أن يسمح بنمو الاقتصاد بأكثر من واحد بالمائة خلال الربع.
وبعد انكماش الاقتصاد بنسبة 1.6% خلال الربع الأول من العام الحالي، وانكماشه مرة أخرى بنسبة قد تبلغ 1.2% خلال الربع الثاني، اعتبر محللون أن الاقتصاد الأميركي دخل بالفعل في ركود، وفقاً للمفهوم المعروف على نطاق واسع بـ "ربعين متتاليين من انكماش الاقتصاد".
لكن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو الجهة الأكاديمية المسؤولة عن توصيف حالة الاقتصاد من ركود أو انتعاش، يرى أن المعنى الأدق للركود هو "تراجع على نطاق واسع لمجموعة من المؤشرات، تشمل التوظيف"، وهو ما أيده جيرومي باول للصحافيين في مؤتمر ما بعد اتخاذ قرار البنك بالرفع، ونفى به أن يكون الاقتصاد الأميركي حالياً في ركود.
وحذرت العديد من الشركات الأميركية من تأثير تراكم المخزون في الأرباح المحققة العام الحالي، واضطرت شركة آبل، مُصَنِّع الهواتف الذكية آيفون والحواسب الآلية ماك، في واقعة نادرة الحدوث، لتخفيض أسعار بيع بعض هواتفها من الإصدارات السابقة، كما بعض أنواع السماعات والساعات، في الصين، للتخلص من المخزون الذي لم يُبَع، قبل ظهور الإصدارات الجديدة.
وأعلنت شركة وولمارت، أحد أكبر محال التجزئة، وأكبر مُوظِّف في الولايات المتحدة، هذا الأسبوع تخفيض أسعار البضائع لديها للتخلص مما لم يُبَع خلال الفترة الماضية، مؤكدة أن هذه الخطوة ستسبب تراجع الأرباح التي جرى توقعها للعام الحالي، وهو ذات ما أعلنته شركة تارجت، أحد أشهر محال التجزئة في الولايات المتحدة، عندما أصدرت تحذيراً لحاملي أسهمها الشهر الماضي من تراجع ربحيتها، معللة ذلك بالمخزون المتراكم لديها، الذي تعمل على تقليصه خلال الفترة الحالية. وقال الرئيس التنفيذي للشركة بريان كورنل، إن التخلص سريعاً من المخزون الزائد "هو ألم يتعين علينا تحمّله".
وتاريخياً، ارتبط تراكم مستويات مرتفعة من المخزون، ومن ثم اضطرار الشركات للتخلص منه قبل إصدار طلبات شراء جديدة، بحدوث انخفاضٍ على نطاق واسع في النشاط الاقتصادي، وتسريح أعداد كبيرة من العمال، ثم حدوث ركود.
وظهرت بوضوح مثل تلك الدورات اعتباراً من فترة الأربعينيات وحتى السبعينيات، حين كان للتصنيع وزنٌ أكبر في الاقتصاد الأميركي، وكان الجزء الأعظم من السلع التي يستهلكها الأميركيون يُصَنَّع محلياً، ولا يُستَورَد. لكن في السنوات الأخيرة، تراجعت الظاهرة مع توسع وسيطرة الخدمات وشركات التكنولوجيا، ذات المخزونات القليلة، على الاقتصاد الأميركي، وتحول شركات التصنيع لتجميع نسبة كبيرة من منتجاتها لدى دول أخرى، آسيوية في أغلب الأحوال، لتخفيض تكلفة الإنتاج.