الاقتصاد الأخضر يوفر 2.9 تريليون دولار يتكبدها العالم من التلوث سنوياً

12 ديسمبر 2021
جانب من الحصور في قمة اسطنبول (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال العام الجاري، انتشرت حرائق الغابات في العديد من دول العالم، ومنها تركيا والجزائر والصين والهند وروسيا وكندا والولايات المتحدة، وفي العديد من الدول الأوروبية، ومنها اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبلقان وفرنسا والبرتغال والبانيا ورومانيا، لدرجة أن وسائل إعلام عالمية قالت إن أوروبا تحترق بسبب ضخامة الحرائق وطول فترة اشتعالها.

وامتدت حرائق الغابات في العديد من دول العالم في قارات أميركا وأوروبا وأفريقيا وآسيا، وتجاوز عدد الحرائق هذا العام متوسط عددها في السنوات السابقة في الكثير من الدول. وأظهرت خرائط وكالة ناسا الأميركية وغيرها اندلاع الحرائق في أجزاء كبيرة من أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وجنوب آسيا والهضبة الأفريقية وشمال شبه الجزيرة العربية وساحل البحر المتوسط في أوروبا، بالإضافة إلى شمال أوروبا وشرقها.

وتكرر المشهد في عام 2016، حيث التهم قرابة 48 ألف حريق غابات أكثر من 457 ألف هكتار سنوياً في دول جنوب أوروبا الخمس، وهي إسبانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا واليونان، حيث شهدت هذه الدول اندلاع حرائق الغابات بشكل مكثف وغير معتاد.

صاحب الحرائق الأخيرة تلوث كثيف وأدخنة متصاعدة في كل مكان، وانهيارات ثلوج، والنتيجة خسائر اقتصادية فادحة لكل دول العالم، وجفاف في الأراضي وتصحّر للأراضي الزراعية ونقص في الأغذية والسلع الاستراتيجية، وزيادة ملحوظة في تكلفة التدهور البيئي التي تصل في بعض التقديرات إلى 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول، وقد تزيد في الدول ذات التلوث العالي.

والتلوث يكلف الاقتصاد العالمي نحو 2.9 تريليون دولار، وهو ما يعادل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي وفق دراسة لمركز الأبحاث حول الطاقة والهواء النظيف، ونشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، والتي كشفت عن أن الوقود والفحم والنفط تتسبب في 3 أضعاف الوفيات التي تتسبب بها حوادث السير. كذلك فإن الصين تخسر سنوياً 900 مليار دولار بسبب التلوث، أما الولايات المتحدة فيفقد اقتصادها 600 مليار دولار سنوياً، وتحل الهند ثالثة بخسارة تقدر بنحو 150 مليار دولار سنوياً.

ووفق تقرير حديث نشرته الوكالة الأوروبية للبيئة، يُلحق تلوث الهواء المتأتي من الإنتاج الصناعي في أوروبا، أضراراً بيئية تراوح قيمتها بين 280 ملياراً و430 مليار يورو، وهذه التقديرات تعادل نحو 2% إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي، وهو أعلى من الإنتاج الاقتصادي الإجمالي لدول أعضاء عدة بمنطقة اليورو.

وكشفت الوكالة الأوروبية للبيئة، أن تلوث الهواء بسبب الإنتاج الصناعي أدى إلى أمراض ووفيات مبكرة وتدهور في الأنظمة البيئية والموائل الطبيعية والمحاصيل الزراعية، بما فيها القمح والذرة، ما يُعَدّ كلفة اقتصادية ثقيلة على الدول المختلفة، خاصة المستوردة للأغذية كما هو حال العديد من الدول العربية، مثل مصر والجزائر والمغرب والسعودية.

ومن هنا جاء الاهتمام العالمي الأخير بمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 26"، الذي عُقد في مدينة غلاسكو البريطانية خلال المدة من 31 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبحث قضايا عدة، منها خفض الانبعاثات وتشجيع الطاقة النظيفة والتخلص من استخدام الفحم تدريجياً بحلول 2030.

قمة الاقتصاد الأخضر
ولمناقشة مخاطر التلوث على الاقتصاد العالمي، تجمّع نحو 300 من صناع القرار ورؤساء البرلمانات والوزراء وكبار المسؤولين ورؤساء شركات كبرى في تركيا والعديد من دول العالم في قمة إسطنبول الاقتصادية الخامسة لبحث كيفية مواجهة مخاطر التلوث على الاقتصاد العالمي، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر. والأخير يراعي معايير البيئة، ويُعَدّ أقل استهلاكاً للموارد الطبيعية، مثل المياه والموارد الطبيعية، ولا يعتمد بشكل أساسي على الطاقة الأحفورية مثل النفط أو الفحم، بل يعتمد على مصادر الطاقة البديلة أو النظيفة.

هو اقتصاد جديد له أبعاد اقتصادية، وقبلها صحية وغذائية وبيئية، وفق مشاركين في القمة، فهو يلعب دوراً مهماً في زيادة معدلات النمو الاقتصادي، ويحقق وفورات ضخمة للدول حيث يُضَخ حالياً مئات المليارات من الدولارات لمكافحة الأمراض الناتجة من التلوث البيئي، أو معالجة مشاكل التلوث الخطرة على الصحة العامة والمناخ وغيرها.

وبحسب مشاركين في قمة إسطنبول الاقتصادية الخامسة، بدأ العالم خلال السنوات الأخيرة يهتم بدرجة أكبر بمكافحة التلوث بكل أنواعه والبحث عن وسائل طاقة نظيفة مثل الرياح والكهرباء والطاقة الشمسية والغاز الطبيعي، مع تبني سياسات خفض الانبعاثات وتشجيع الطاقة النظيفة والتخلص من استخدام الفحم تدريجاً بحلول عام 2030.

وزاد هذا الاتجاه عقب تفشي جائحة كورونا التي دفعت الدول المختلفة نحو الاهتمام بصحة الأفراد وتوفير الأغذية التي تراعي الصحة العامة.

ورغم أزمة الطاقة الأخيرة والقفزات التي شهدتها أسعار الغاز الطبيعي، أحد أبرز مصادر الطاقة النظيفة، إلا أن عبد الله ديغر، رئيس المجلس التنفيذي للقمة، قال إن "دول العالم مصرة على التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وإن لديها إيماناً بالتهديد الذي يحدق باستدامة البيئة، دفعها إلى ضخ استثمارات متسارعة في الطاقة المتجددة والنظيفة ضمن أدوات التحول الأخضر في الاقتصاد".

وتابع: "اليوم تتنوع الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر بين طاقة المباني النظيفة، والنقل منخفض الكربون، وإدارة النفايات، وتوفير مياه صالحة للشرب من المصادر المتجددة، والزراعة المستدامة، والاقتصاد الأزرق".

العالم بات يبحث عن سماء زرقاء نظيفة خالية من التلوث، وغذاء صحي لأسباب صحية واقتصادية في آن واحد، فالأرقام تقول إن التلوث يكبّد الاقتصاد العالمي مئات المليارات من الدولارات سنوياً، وفق مسؤولين حكوميين شاركوا في قمة إسطنبول الاقتصادية، وإن هذه المبالغ في حال توفيرها يمكن توجيهها لدعم قطاعات خدمية حيوية تهم المواطن، مثل الصحة والتعليم ومكافحة الفقر والبطالة والغلاء وتوفير برامج حماية اجتماعية.

كذلك سيصبح العالم أكثر ثراءً في حال التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتبني سياسات صارمة من شأنها الحد من استخدام الفحم والنفط كوسيلة رئيسية للطاقة، وكذا الحد من التلوث وفق مشاركين في قمة إسطنبول الاقتصادية، فالاقتصاد الأخضر يرفع صادرات الدول، وخاصة مع الإقبال على السلع النظيفة في الأسواق الدولية، ويحد من الواردات ويزيد إيرادات الدول من النقد الأجنبي، ويدعم أسواق الصرف والعملات ويقلل عجز الميزان التجاري.

وكذا يحمي الموارد الطبيعية، ومنها الغابات، وفق رئيس مجلس المصدرين الأتراك إسماعيل غوللي، الذي شدد على أنه بسبب نقصان الموارد الطبيعية والأضرار التي لحقت بها، فنحن نعيش في عالم يحتم علينا حماية الموارد، والتأكد من حسن استخدامها بنحو أفضل، وذلك لأسباب اقتصادية وبيئية، وتحقيقاً للتنمية المستدامة التي باتت في خدمة الاقتصاد العالمي.

وشدد على ضرورة أن تتخذ الدول عدداً من الإجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية، مشيراً إلى أن الصين تُعَدّ أكبر الدول المنتجة للانبعاثات الكربونية تتبعها الولايات المتحدة، في حين أن مساهمة الدول النامية حوالى 1% من إجمالي الانبعاثات الكربونية. عدد من رؤساء الشركات العالمية الذين شاركوا في قمة إسطنبول لفتوا الأنظار إلى أهمية التحول إلى الاقتصاد الأخضر باعتباره إحدى أدوات التحول في قطاعات النقل والصناعة والغذاء والزراعة والسياحة والاستثمار، وقطاع الإنشاءات، وصولاً إلى تحقيق تنمية مستدامة.

ولتحقيق تلك الأهداف، لا بد من تطوير ونشر التقنيات اللازمة للإنتاج الأخضر من خلال دعم دراسات البحث والتطوير، لتسريع التحول الأخضر، وتسريع إنشاء مناطق صناعية واقتصادية متجددة مستدامة صديقة للبيئة.

الاقتصاد الأخضر لا يقتصر فقط على تأسيس المصانع الصديقة للبيئة، وفق ممثلين عن رؤساء شركات عالمية مشاركة في القمة، فاليوم تتنوع الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر بين طاقة المباني النظيفة، والمباني الذكية والنقل منخفض الكربون، وإدارة النفايات، وتوفير مياه صالحة للشرب من المصادر المتجددة، والزراعة المستدامة، والاقتصاد الأزرق.

وهناك أيضاً تحول سريع نحو نشر صناعة السيارات الكهربائية، والتحول الكهربائي في تلك الصناعة الضخمة والاستغناء عن الوقود الأحفوري في المواصلات، ورقمنة الزراعة والغذاء الأساسي وتغيّر النظام البيئي للتنقل ودعم صناعة النقل الذاتي. دول العالم، ومنها المنطقة العربية، بدأت تتحرك سريعاً لتبني سياسات التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وخاصة بعد تفشي كورونا التي لفتت الأنظار إلى أهمية مراعاة الصحة العامة والمحافظة على الإنسان وتناول الغذاء الصحي الخالي من المبيدات.

مثلاً، أطلق وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في افتتاح قمة "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" مبادرتين بنحو 39 مليار ريال (10.4 مليارات دولار)، وهما تأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، ومبادرة عالمية تساهم في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء لأكثر من 750 مليون شخص في العالم.

وأعلنت دول عربية عدة مبادرات أخرى خلال قمة غلاسكو. كذلك تعهدت تركيا بتقليص الانبعاثات بنسبة 21% بحلول عام 2030 في عدة قطاعات مثل الطاقة والمواصلات والزراعة. وتضمن البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل، الذي أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الشهر الماضي، خطوات نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر.

المساهمون