لا يبدو أن موازنة العراق للعام المقبل 2022 لن تفارق الاقتراض رغم صعود أسعار النفط في الشهور الأخيرة، وسط توقعات بأن تذهب أكثر من نصف مخصصاتها إلى النفقات التشغيلية المتمثلة في دفع مرتبات الموظفين والعاملين في القطاع العام والبالغة أكثر من 5 مليارات دولار شهرياً.
ويتصاعد الجدل بشأن الموازنة الجديدة منذ عدة أسابيع، حيث أعلنت حكومة مصطفى الكاظمي، عن بدء اللجان الوزارية في إعداد مسودتها، بينما يرجح مسؤولون ونواب في البرلمان، عدم تمكن البلاد من إقرارها قبل نهاية العام، كما تنص عليه اللوائح وهي منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، مشيرين إلى إمكانية تأخرها في ظل إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وما يليها من المصادقة على النتائج وبدء مشاورات تشكيل الحكومة والتصويت عليها وهو ما قد يستغرق ما لا يقل عن 3 أشهر.
وبلغ حجم موازنة العام الحالي التي جرى اعتماد أسعار النفط فيها على أساس 45 دولاراً، نحو 129 تريليون دينار (حوالي 88 مليار دولار)، لكن عضو اللجنة المالية في البرلمان جمال كوجر، يتوقع أن تصل موازنة العام المقبل إلى 150 تريليون دينار تقريباً في حال اعتمد سعر البرميل في ضوء التغييرات الحالية على الأسعار عند عتبة 70 دولاراً.
وفي موازنة 2021، لجأت الحكومة إلى الاقتراض لتغطية العجز في نفقاتها، لكن ارتفاع أسعار النفط وعائدات البلاد من تصديره لا يبدو أنه قد يوقف الاقتراض، الذي يصفه كوجر بأنه "كارثة اقتصادية" في حال كان من أجل موازنة تشغيلية.
وتُشير المعطيات على أرض الواقع إلى أن مجلس النواب الحالي لن يتمكن من إقرار الموازنة، تزامناً مع عجزه في عقد جلسة كاملة النصاب خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى قرب موعد الانتخابات الذي يحتّم على المجلس حلّ نفسه قبل 72 ساعة من إجرائها، وهذا ما يعني أنه سيتم ترحيل الموازنة الى الدورة المقبلة التي لا تعرف بعد خريطة تشكيلها ولمن ستكون الأغلبية السياسية.
وبالإضافة إلى الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة، فإن الباحث الاقتصادي، إيفان شاكر، يحمّل نهج الدولة الذي يعتمد على الاقتصاد الريعي الاستهلاكي مسؤولية عدم اقرار الموازنة مع عدم تنويع الإيرادات وعدم الاعتماد على القطاعات الأخرى مثل الصناعة والسياحة والتجارة والمصارف، منتقداً إياها لاعتمادها بشكل كبير على الإيرادات النفطية بنسبة تتجاوز 90%، ما يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الدولة ووضعها المالي عندما تنخفض أسعار النفط. وقال إن "البلد في موقف محرج لا يحسد عليه، لهشاشة نظامه الاقتصادي".
ويرجح شاكر أن تكون موازنة العام المقبل ذات طابع استهلاكي، والنصيب الأكبر منها كالعادة سيكون للنفقات التشغيلية، معتبرا أن النفقات الاستثمارية فقط على الورق، حيث لم ينفذ منها على أرض الواقع سوى أقل من 10% طوال الأعوام السابقة.
ومن أجل انقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي وهو يواجه تحدّيات وصعوبات سياسية واقتصادية وصحية في آنٍ واحد، مع اتساع تداعيات كورونا، يقترح الباحث العراقي تأسيس مجلس اقتصادي يرسم سياسات الاقتصاد للبلد بعيداً عن الضغوط والصراعات السياسية.
ويبدو أن الفوضى السياسية التي يشهدها البلد منذ 2003 أكثر قوّة وتأثيراً من غياب الرؤية الاقتصادية التي دفعت العراق نحو الانهيار الاقتصادي على مدى السنوات الماضية، وهذا ما جعل الإرباك والتخبط يُسيطر بنسبة كبيرة على كل مفاصل ويوميات الدولة كما يقول المحلل السياسي أحمد السراج الذي يرى في الدستور والقانون أنهما مجرّد كلمات وتشريعات يستعان بهما عند الحاجة من قبل الفرقاء السياسيين، ويُهملان اذا ما تقاطعا مع مصالح ومنافع الأحزاب وزعماء الكتل.
يرى السراج في حديثه لـ"العربي الجديد": "استحالة أن تُقرّ الموازنة دون أن ينتهي السجال حولها بعقد صفقة بين زعماء الكتل خارج البرلمان بالاتفاق على حصة كل واحد منهم من الموازنة ليمرّر القرار إلى البرلمان فتتم عملية التصويت في الأخير، ونفس السيناريو سيتكرّر على موازنة 2022 التي تتزامن مع الانتخابات المبكرة الشهر المقبل، وهذا ما يستبعد أن يصوّت البرلمان الحالي المنشغل بالدعاية الانتخابية لنفسه على الموازنة، لكن في النهاية سيتم التصويت عليها لأن المال والدولار هو الوحيد القادر على توحيد الخصوم وجعلهم متفقين على استمرار العملية السياسية، حتى لو كانت بكل هذا السوء والتخبط".