الاقتراض يطحن الدول العربية: ديون كبيرة بلا تحفيز لاقتصاداتها

02 نوفمبر 2020
أزمات الاقتصاد تتراكم (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

ربما لم يعد السياح إلى شواطئ مصر ومواقعها التاريخية، لكن مستثمري المحافظ المالية عادوا. منذ مايو/ أيار الماضي، اقتطف الأجانب أكثر من 10 مليارات دولار من الديون بالعملة المحلية، ما عكس عمليات الاقتراض التي حدثت في الأيام الأولى لوباء كوفيد -19.

هناك حماسة مماثلة في جميع أنحاء المنطقة، وفق تقرير نشرته "الإيكونوميست"، حيث أصدر الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي رقماً قياسياً قدره 100 مليار دولار من الديون العامة والديون للشركات في الأشهر العشرة الأولى من العام. كذلك تغازل سندات الخزانة المستثمرين المحليين أيضاً، ولكن ليس دائماً بنجاح، إذ رُفض طلب الحكومة التونسية عندما طلبت من البنك المركزي شراء سندات الخزانة.
الدول العربية في نوبة من الاقتراض حتى قبل وصول كوفيد -19، إذ كان الكثير منها يأخذ ديوناً جديدة لمواجهة أسعار النفط المنخفضة والاقتصادات الراكدة. وقد أدى الوباء إلى زيادة احتياجات هذه الدول. وبحلول العام المقبل، ستكون نسب الدين العام في العديد من هذه البلدان في أعلى مستوياتها منذ عقدين.

وتدين الدول المصدرة للنفط والغاز الإحدى عشرة في المنطقة بمتوسط 25% من الناتج المحلي الإجمالي من عام 2000 إلى عام 2016. ويتوقع صندوق النقد الدولي في العام المقبل أن تصل هذه النسبة إلى 47%. الزيادات أقلّ حدة في الدول التي ليس لديها موارد للطاقة، ولكن فقط لأن لديها بالفعل بعضاً من أعلى مستويات الديون في العالم.

وتصل نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية إلى 34% العام المقبل، ارتفاعاً من 17% في 2017. وستتضاعف مستويات الدَّين في الكويت والإمارات العربية المتحدة تقريباً إلى 37% و 38%. 

تبدو الدول الأخرى المنتجة للنفط أكثر اهتزازاً. ومن المتوقع أن تصل نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البحرين إلى 131% العام المقبل، ارتفاعاً من 34% في المتوسط من عام 2000 إلى عام 2016. وستدين عمان بنسبة 89%، أي ما يقرب من سبعة أضعاف خط الأساس التاريخي. لا تقدم أسواق النفط سوى القليل من الأمل لميزانياتها؛ فقد أدى الإغلاق المتجدد في أوروبا والحالات المتزايدة في أميركا إلى انخفاض الأسعار في أكتوبر/ تشرين الأول.
في أماكن أخرى من المنطقة، قلب الوباء سنوات من الإصلاحات المالية. توصلت مصر إلى اتفاق بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في عام 2016 يقوم على خفض الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة، إذ تراجع العجز من 11% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016 إلى 7% العام الماضي. وكانت مصر في طريقها لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 79% في عام 2021. ومع ذلك، أعادها الوباء إلى صندوق النقد الدولي مقابل اتفاق احتياطي قيمته 5.2 مليارات دولار. ومن المتوقع أن ترتفع ديونها في العام المقبل إلى 91% من الناتج المحلي الإجمالي. سيكون الأردن متقارباً بنسبة 89% وتونس بنسبة 86%، وفق "الإيكونوميست".

وتقول المجلة الاقتصادية المتخصصة إنه "في الوقت الحالي على الأقل، المستثمرون متحمسون للديون المصرية. إذ إن العائدات مرتفعة، فقد حددت الفائدة على الدفعة الأخيرة من أذون الخزانة لأجل ستة أشهر بنحو 13.5%، وقد أدى الحكم الاستبدادي لعبد الفتاح السيسي إلى محو المخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي. لكن المشاعر يمكن أن تكون متقلبة".

كل هذا الاقتراض يقدم عوائد محدودة للدول العربية. أكثر من 70% من موازنة الكويت الأخيرة مخصص لرواتب القطاع العام وإعاناته. إنها تحمل الديون، ليس لتمويل الإصلاحات، ولكن للحفاظ على البيروقراطية المتضخمة. كانت الدول العربية أيضاً بخيلة في حزم التحفيز الخاصة بمرض كوفيد -19. لقد خصصت في المتوسط 2% من الناتج المحلي الإجمالي للمساعدة المتعلقة بالوباء، مقارنة بـ 3% لجميع الأسواق الناشئة، ويرجع ذلك جزئياً إلى القوة المالية المحدودة.

وساعد الاقتراض عدداً من الدول العربية في التغلب على بعض الأزمات من جهة، لكنه أدى أيضاً إلى تفاقم أزمات أخرى، إذ تنفق مصر بالفعل ما يقدَّر بنحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي على خدمة الدين. ومن المتوقع أن تظل أسعار النفط منخفضة العام المقبل، وستتباطأ الصناعات الحيوية مثل السياحة. وتعتبر "الإيكونوميست" أن أعباء الديون الثقيلة ستحدّ من مدى قدرة الحكومات العربية على تحريك اقتصاداتها الراكدة.

المساهمون