الاغتيالات الإسرائيلية تهدّد أمن الطاقة العالمي

03 اغسطس 2024
سفن تحمل شحنات نفط وسلعاً بالقرب من مضيق هرمز، خلف زورق عسكري إيراني (مرتضى نيكوبازل/Getty
+ الخط -

تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط بشكل ينذر بالخطر، خاصة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران. هذا الحدث قد لا يقتصر تأثيره على الصعيد السياسي والعسكري فحسب، بل قد يمتد ليشمل الاقتصاد العالمي، مهددًا بإشعال صراع إقليمي قد يؤثر بشكل كبير على الأسواق العالمية وطرق التجارة، لا سيما في قطاع الطاقة

في أعقاب عملية الاغتيال، برزت مخاوف من أن يؤدي التصعيد إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، مما قد يؤثر بشكل كبير على استقرار منطقة الشرق الأوسط. هذه المخاوف ليست مجرد تكهنات، إذ حذّر خبير الاقتصاد الدولي ومستشار البنك الدولي في مجال النفط والطاقة، ممدوح سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن أي رد انتقامي من إيران قد يؤدي إلى تعطيل حركة النفط والغاز عبر مضيق هرمز، وهو أحد أهم ممرات الطاقة في العالم.

وتساءل: "هل تعتبر إيران الهجوم انتهاكا لسلامة أراضيها وبالتالي ترد بمهاجمة هدف ما داخل إسرائيل؟ أم أنها ستفكر في ضرب هدف إسرائيلي في مكان ما من العالم؟". 

مخاوف من حرب أوسع

أوضح سلامة، أنّ الأمور قد تتصاعد بسرعة إلى حرب أوسع ربما يشارك فيها حزب الله، وأن أي تعطيل في شحنات النفط عبر المضيق سيؤدي إلى تأثير مباشر وفوري على أسعار النفط العالمية، التي قد تصل إلى 110 دولارات للبرميل في حال حدوث اضطراب طويل الأمد.

هذا السيناريو، بحسب سلامة، سيؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي، مما يحدّ من النمو الاقتصادي ويزيد من تكاليف الطاقة على المستهلكين والشركات. لكن رئيس قسم أبحاث الغاز في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، بيل فارين برايس، أوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحرب منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لم تؤثر سوى بشكل محدود على صناعة الغاز الإقليمية. وأشار إلى أن هذا التأثير اقتصر على الإغلاق المؤقت لحقول الغاز الإسرائيلية قرب غزة، وإعادة توجيه بعض الشحنات بعيدًا عن البحر الأحمر. 

ارتفاعات مؤقتة لأسعار النفط

وأضاف برايس أن التوترات في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلى ارتفاعات مؤقتة في أسعار النفط والغاز، إلا أن هذه الزيادات غالبًا ما تتراجع عندما يتضح أن الإنتاج الكبير لم يتأثر بشكل مباشر. وأكّد أنه يتوقع أن يحدث الأمر نفسه في هذه الحالة، مشيراً إلى أن الخطر الأكبر على الإمدادات يظهر عندما تنضم أطراف ثالثة إلى الصراع، كما حدث مع الحوثيين الذين استهدفوا السفن في البحر الأحمر. ومع ذلك، يعتبر برايس، أن المخاطر على الإمدادات الفعلية تظل محدودة للغاية، وأن تأثيرات هذا الصراع على المملكة المتحدة محدودة أيضًا نظرًا لاعتمادها على استيراد الغاز الطبيعي المسال من مصادر متعددة، حيث تظل تأثيرات الأسعار ضمن نطاق التداول المعتاد.

أما بخصوص أمن الطاقة الأوروبي، فيشدد برايس على أن مخزون الغاز في أوروبا وصل إلى مستويات قياسية، وأن الطلب القاري شهد انخفاضًا للعام الثالث على التوالي. كما أن السياسات الأوروبية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الغاز على المدى المتوسط، مما يجعل من غير المرجح أن تتخذ أوروبا أي إجراءات محددة للتعامل مع هذه التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط، حسب برايس. 

الاغتيال وأسواق الأسهم

وفقًا لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 31 يوليو/تموز، أشار محللون إلى أن الأحداث الأخيرة قد تدفع المنطقة نحو صراع إقليمي واسع النطاق، خاصة مع احتمال رد إيران على الهجوم الذي استهدف قلب عاصمتها. هذه الأحداث تأتي بعد أشهر قليلة من تبادل الهجمات الصاروخية بين إيران وإسرائيل منتصف إبريل/نيسان الماضي، في مواجهة حذر الخبراء من أنها قد تتطور إلى حرب شاملة.

وفي هذا السياق، شهدت أسعار النفط ارتفاعًا ملحوظًا فور اغتيال إسماعيل هنية، وهو ما يعكس التأثير السريع للأحداث الجيوسياسية على أسواق الطاقة العالمية.

تُظهر هذه الحركة في الأسعار مدى حساسية سوق النفط تجاه الأزمات في الشرق الأوسط. ويتزامن هذا الارتفاع مع جهود دول أوبك+ لتحقيق الاستقرار في السوق من خلال تعديلات إنتاجية، مما يشير إلى إمكانية وجود تأثير مقصود على تصورات السوق وإجراءات المنتجين الرئيسيين.

الجدير بالذكر أن توقيت الاغتيال جاء في نفس الأسبوع الذي أعلنت فيه شركات النفط الأوروبية الكبرى مثل "بريتش بتروليوم" و"شل" عن نتائج أرباحها للربع الثاني من العام. أعلنت "بريتش بتروليوم" عن أرباح فاقت التوقعات في 30 يوليو/تموز، فيما كان من المتوقع أن تعلن "شل" عن أرباحها في 1 أغسطس/آب. وتوقيت هذه الأحداث حساس للغاية، حيث يمكن أن يؤثر ارتفاع أسعار النفط على الأداء المالي وأسعار أسهم هذه الشركات. لذلك، سيراقب المستثمرون والمحللون السوق عن كثب لفهم كيفية تأثير التوترات الجيوسياسية على صناعة النفط.

وقد يستغل بعض أصحاب المصالح هذه الاضطرابات الجيوسياسية لرفع أسعار النفط، مما يتيح للدول أو الشركات المنتجة للنفط تحقيق مكاسب مالية قصيرة الأجل. ويمكن أيضًا اعتبار هذه الخطوة وسيلة للضغط على مناقشات وقرارات أوبك+ المتعلقة بحصص إنتاج النفط والامتثال لها.

أما في ما يتعلق بالتأثير المباشر لعملية اغتيال هنية على الأسواق المالية، فقد أغلقت معظم أسواق الأسهم في الشرق الأوسط على انخفاض يوم الأربعاء 31 يوليو/تموز. وبحسب وكالة رويترز، جاء هذا التراجع نتيجة لزيادة التوترات في المنطقة بعد اغتيال هنية في إيران، مما أثار مخاوف المستثمرين الذين كانوا يترقبون أيضًا قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن سعر الفائدة. في دبي، انخفض مؤشر الأسهم الرئيسي بنسبة 0.4%، بينما شهد سهم شركة إعمار العقارية، الرائدة في مجال التطوير العقاري، تراجعًا بنسبة 4.8%. وفي أبوظبي، تراجع المؤشر الرئيسي بنسبة 0.6%.

وبالتزامن مع ذلك، ارتفعت أسعار النفط بنحو دولارين للبرميل كرد فعل فوري على اغتيال هنية، حيث طغى هذا التصاعد في التوترات في الشرق الأوسط على المخاوف المتعلقة بضعف الطلب من الصين. ولكن حتى الآن، أظهرت أسواق النفط قدرة على استيعاب الصدمات الناجمة عن التصعيد المتزايد في الشرق الأوسط، الذي تفاقم بفعل اضطرابات تجارية ناتجة من هجمات بحرية يمنية وأعمال عدائية مباشرة بين إسرائيل وإيران أو حزب الله. مع ذلك، يبدي المحللون شكوكهم حول ما إذا كان هذا التصعيد الأخير سيؤدي إلى دعم طويل الأجل لأسعار النفط.

المساهمون