الاستثمار خلاص تركيا لتحقيق أهدافها ومواجهة رفع الفائدة وتحقيق استقرار العملة

17 نوفمبر 2020
تحسّن كبير لسعر صرف الليرة إثر التغييرات وإعلان الخطة الاقتصادية (Getty)
+ الخط -

يرى المراقب لتصريحات المسؤولين الأتراك، بعد ما قيل عن "ثورة اقتصادية وقانونية" أن جلّ التركيز، كان على الاستثمار للإسراع في تحقيق أهداف مئوية تأسيس الجمهورية، بعد أن تركز الاهتمام ولأعوام، على قائمتي السياحة والصادرات لتحقيق الأهداف التركية.

من جانبه، أكد وزير الخزانة والمالية التركي لطفي ألوان، في أول اجتماع وتصريح رسمي بعد تبوئه منصبه الجديد، القيام بإصلاحات هيكلية لتحسين مناخ المستثمرين المحليين والدوليين، مشيراً خلال مناقشة موازنة وزارته لعام 2021 في البرلمان التركي بالعاصمة أنقرة، إلى ضرورة تخفيض مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) لأن جذب الاستثمار، إلى جانب الصادرات وتعافي الاستهلاك، ستؤدي إلى لتحسن نسبة النمو هذا العام.

تصريحات وزير الخزانة ألوان، تناغمت مع ما قاله وزير الصناعة والتكنولوجيا، مصطفى ورانك قبل أيام، من أن الطلب على الاستثمار، ارتفع في قطاعات مختلفة بتركيا، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بأكثر من 13 في المائة.

وأشار ورانك إلى أن وزارته منحت ألفاً و127 وثيقة تحفيزية خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي فقط، الأمر الذي أتاح الإمكانية لاستثمارات بقيمة 19.4 مليار ليرة تركية، وتوفير 5 آلاف فرصة عمل.. مكرراً أن الثقة بالاستثمار في بلاده تزداد يوما بعد يوم.

ويرى المراقب أيضاً، أن مخاطبة المستثمرين المحليين وتسليط الضوء على أعمالهم، زادا خلال الفترة الأخيرة؛ فوكالة التسجيل المركزية (MKK) كشفت وعلى غير العادة، أن بورصة إسطنبول، شهدت زيادة قياسية في عدد المستثمرين المحليين الجدد خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتتالت التصريحات والأخبار حول الاستثمار والمستثمرين، بعد إعلان الرئيس التركي في 13 نوفمبر الجاري، عن إطلاق حكومته إصلاحات اقتصادية جديدة، ودعوته-صراحة- المستثمرين المحليين والدوليين، للوثوق بتركيا وضخ الاستثمارات.

وشدد الرئيس التركي، خلال مؤتمر لحزب "العدالة والتنمية"، على " أن مبدأ سيادة القانون من أهم السبل لتهيئة المناخ المناسب للاستثمارات، لضمان النمو الاقتصادي والتنمية والازدهار والاستقرار في البلاد.

وجاءت دعوة أردوغان، بعد يوم من لقائه في المجمع الرئاسي بأنقرة، بأعضاء مجلس إدارة "جمعية المستثمرين الدوليين" (YASED) بتركيا، وبحثه معهم خلال اجتماع مغلق، حضره وزراء الخزانة والصناعة والتجارة، كيفية جذب الاستثمارات وما تحتاجه من تعديل للبنية القانونية والقرارات الاقتصادية.

ويكشف المستثمر نور الأتاسي أن في تركيا عوامل جذب كثيرة ربما تتفرّد بها بين الدول الناشئة، كرخص اليد العاملة وأسعار العقارات والإيجار، فضلاً عن سهولة الترخيص وسوقها الاستهلاكي الكبير، لكن تذبذب سعر الصرف خلال العامين الأخيرين والتوترات السياسية التي تعيشها أنقرة مع دول الجوار، هي ما تدفع رأس المال للإحجام عن أي مجازفة.

ويشير المستثمر بقطاع المعادن الثمينة والخدمات الأتاسي لـ"العربي الجديد" إلى أن استقطاب الاستثمار هو الحل الأول لمتابعة الاقتصاد التركي نموه، لما للأموال الخارجية خاصة، من دور بتوازن معروض العملات الأجنبية بالأسواق وبالتالي استقرار سعر الليرة، ولما للاستثمارات من تنمية حقيقية وانعكاس على امتصاص فائض العمالة وتنفيذ المشروعات التي تطرحها تركيا ضمن خطتها لعام 2023، معتبراً أن التعويل على الصادرات والسياحة، خاصة بعام كورونا، هو مجازفة ورهان خاسر، ليس في تركيا فقط، بل في العالم بأسره.

ويلفت المستثمر الأتاسي إلى أن أمام تركيا فرصة من ذهب اليوم، بواقع استمرار التشديد على المقيمين والمستثمرين العرب بدول الخليج، وهناك عشرات المليارات يمكن أن تهاجر حينما تلمس الاستقرار التركي الذي سيضفي على ميزات تركيا، عامل جذب إضافياً.

ومُني الاستثمار في تركيا بضربة، خلال العام الجاري بسبب إغلاقات "كورونا" والتوترات السياسية وتراجع سعر العملة، بعد أن أعلنت أنقرة أن العامَين الماضي والجاري، سيكونان عامين للاستثمار، خاصة بعد أن جذبت تركيا العديد من الشركات العالمية العام الماضي وتبوأت ببعض القطاعات المرتبة الثالثة عالمياً، بعد الهند والصين، بجذب أموال ببعض الاستثمارات، كما صرح سابقاً، ظافر كاباداي مدير قطاع المصاعد في مجموعة" Schindler" المشغلة لأكثر من 60 ألف موظف حول العالم، الذي توسعت شركته بتركيا لتكون "إقليمية" بالمنطقة.

لكن آثار وباء كورونا هذا العام، إضافة إلى أسباب أخرى يراها المستثمرون، أرجأت أحلام تركيا بجذب الرساميل، بعد أن عولت رئيسة "جمعية المستثمرين الدوليين" (YASED)، عائشَم صارغين، على زيادة اهتمام المستثمرين الأجانب بدخول قطاعات الأعمال المختلفة في تركيا هذا العام (2020).

وكانت صارغين قد أكدت مطلع العام الجاري قبل آثار إغلاقات الوباء، أن المستثمرين الأجانب أبدوا اهتمامًا منذ مطلع 2020، بإجراء عمليات اندماج بين شركات أجنبية وأخرى تركية، أو شراء شركات محلية في تركيا.

وأشارت صارغين إلى أن زيادة اهتمام المستثمرين الأجانب بقطاعات العمل التركية والمساهمة في الأنشطة الاقتصادية في هذا البلد، زادتا القدرة على التنبؤ وجعل الاستثمار الأجنبي المباشر مرشحًا للارتفاع هذا العام، مشيرة إلى أن حجم الاستثمار العالمي بلغ العام الماضي 1.3 تريليون دولار كانت حصة تركيا نحو 13 مليار دولار.

وفي حين اعتبرت رئيسة جمعية المستثمرين الدوليين، أن نسبة 1% من الاستثمار العالمي، هي أقل من إمكانات تركيا وما تستحقه، أشارت إلى أن مؤشر سهولة ممارسة أنشطة البنك الدولي في تركيا قفز إلى المرتبة 33 خلال العامين الماضيين، متخطيًا بذلك 27 مرتبة، ما يدلل برأيها، على القدرات التي تمتلكها تركيا عند التركيز على مواضيع محددة، وأن الاقتصاد التركي مرشح لتحقيق مؤشرات إيجابية إضافية بفضل الأنشطة التي يقودها مجلس التنسيق لتحسين بيئة الاستثمار، وبالتعاون مع القطاعين العام والخاص.

وبحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بتركيا هذا العام إلى أقل من 20 مليار دولار، في حين كانت الخطط تهدف لجذب 50 مليار دولار، ليأتي بعد تراجع التوقعات بأرقام السياحة من 57 مليون سائح إلى 10 ملايين حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري وتراجع قيمة الصادرات إلى 109 مليارات دولار في حين بلغت صادرات تركيا العام الماضي نحو 180 ملياراً.

ويقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو إن تصريحات المسؤولين تركزت على الاستثمار، خاصة قبل اجتماع المصرف المركزي في الـ19 من الشهر الجاري وزيادة الضغط لرفع سعر الفائدة المصرفية، ليكون الاستثمار البديل عن رفع الفائدة من خلال دخول عملات صعبة توازن السوق النقدية، بعد التحسن الكبير بسعر الليرة إثر التغييرات وإعلان الخطة الاقتصادية، من 8.52 قبل عشرة أيام إلى 7.6 ليرات مقابل الدولار اليوم.

ويكشف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أن بلاده ستصدر قريباً حزمة من التسهيلات والمحفزات لجذب الاستثمارات المباشرة، بعد أن أعطت التعليمات بإنشاء مناطق صناعية منتظمة للمستثمرين كاملة الإعفاءات ومفتوحة الخيارات للتشارك مع الدولة أو القطاع الخاص.

وهيأت تركيا بحسب المحلل التركي، بعض المناخات الجديدة التي ستتبعها قرارات عملية، كتسريعها في التعامل المالي للمستثمرين الأجانب واعتماد نظام "الفاست" ليبدأ التطبيق منذ 16 الشهر المقبل وأوعزت للجهات العامة المرتبط عمل المستثمرين بها، العمل على مدار الأسبوع مثل "النوتر" وهو جهة ضمان وتوثيق الوثائق، ما يعني برأي كاتب أوغلو، البدء بتنفيذ خطة الرئيس على الأرض.

ويبيّن المحلل التركي أن بلاده بصدد دعوة 100 جهة مستثمرة كبرى عالمية الشهر المقبل، للاجتماع عن بعد عبر خدمة "الزوم" لعرض الفرص الاستثمارية بهدف تعزيز تدفقات الأموال بالقطاعات الإنتاجية، لأن هدف تركيا برأيه، تنشيط القطاع الاقتصادي الحقيقي وليس السعي لرفع الفائدة وجذب الأموال إلى صناديق المصارف.

وبدأ جني بعض الثمار، إذ أعلنت شركتان "أميركية وألمانية" عن بدء بناء مصنع للسيارات بولاية "كوجي ايلي" وغيرها من الاستثمارات طويلة الأمد، كما قال يوسف كاتب أوغلو، إضافة إلى أن تركيا ستقوم بدعوة أكبر 100 جهة مستثمرة من خلال نظام البعد لعرض الفرص الاستثمارية بتركيا خلال الشهر المقبل... وسيعزز ذلك من تدفقات نقدية كبيرة للاستثمار الأجنبي المباشر.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وبعد إقالة محافظ المصرف المركزي واستقالة وزير المال، قد كشف عن خارطة الطريق الجديدة التي ستسلكها بلاده على الصعيد الاقتصادي، خلال المرحلة المقبلة التي قد تشهد بحسب مراقبين تحوّلات كبيرة، كانت التغييرات الأخيرة في بعض المناصب المالية، أولى خطواتها.

وأشار الرئيس التركي إلى أن السياسة الاقتصادية الجديدة لبلاده تمنح فرصا كبيرة للمستثمرين الأجانب، من خلال الاستناد إلى 3 ركائز أساسية هي، استقرار الأسعار، والاستقرار المالي، واستقرار الاقتصاد الكلي، معلناً التصميم على جعل بلاده "مركز جذب للمستثمرين المحليين والدوليين بمخاطر منخفضة وثقة عالية وأرباح مرضية، وهذا ما سنركز عليه في الفترة المقبلة".

المساهمون