الإمارات الرابح الأكبر في اليمن

21 نوفمبر 2017
أوقفت الإمارات بيع شحنات نفط يمنية للخارج (Getty)
+ الخط -

بنظرة للمشهد اليمني المعقد نلحظ أن هناك أطرافاً خاسرة اقتصادياً ومالياً على طول الخط، في مقدمتها السعودية والشعب اليمني، وأخرى رابحة على طول الخط، في مقدمتها الإمارات وتجار السلاح وأصحاب الصفقات الذين يربحون المليارات حتى ولو كان ذلك على حساب جثث آلاف اليمنيين وتجويعهم وإفقارهم وإذلالهم.

السعودية مثلاً باتت تتحمل أعباء مالية تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات يتم تخصيصها لتمويل "عاصفة الحزم" التي انطلقت في مارس/ آذار 2015، وتوجيه الصواريخ والطائرات لقتال الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح.

وفي المقابل نجد أن الإمارات تحصد مليارات الدولارات من وجودها في اليمن وزيادة نفوذها في واحدة من أفقر دول العالم، وذلك في صورة صفقات نفطية ومشروعات تجارية وعقود تأهيل المنشآت الحكومية واحتكار قطاعات خدمية مثل الاتصالات والإنترنت والطيران والنقل وغيرها.

وفي الوقت الذي تستنزف فيه الحرب اليمنية جزءاً مهماً من الموازنة السعودية التي بلغ العجز فيها 121.2 مليار ريال خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، وتسببت في تسريع وتيرة السحب من الاحتياطي الخارجي للمملكة الذي فقد نحو 30% من قيمته منذ انطلاق الحرب اليمنية، نجد في المقابل أن ملايين الدولارات باتت تتدفق على خزانة أبوظبي من أراضي اليمن الفقيرة التي لا تجد حكومتها الشرعية رواتب للموظفين في الدولة منذ شهور طويلة.

الإمارات استثمرت فرصة وجودها في اليمن جيداً، خاصة في المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية كالعاصمة المؤقتة عدن وغيرها، ولم تترك فرصة إلا وحققت من خلالها أرباحاً طائلة، لدرجة أنها عرضت بيع وقود للحوثيين الذين تقاتلهم ضمن التحالف العربي.

الإمارات هي الرابح الأكبر في حرب اليمن الدائرة منذ نحو 33 شهراً، وفي الوقت الذي يعاني فيه اليمن من أكبر مجاعة قد يشهدها التاريخ الحديث، راحت أبوظبي تنقّب في كل ركن من أركان اليمن "السعيد" في يوم ما عن فرصة تحقق منها أرباحاً، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية.

ولم تكتف الإمارات بذلك، بل سعت لإضعاف اليمن اقتصادياً وتحويله إلى ساحة صراع وفوضى تستفيد منها مالياً، لذا خاضت حرباً ضروساً لإفشال حكومة عبد ربه منصور هادي وإظهارها بمظهر العاجز عن تلبية احتياجات المواطنين المعيشية، خاصة من الوقود والكهرباء والمياه والرواتب.

ومن أبرز ما قامت به أبوظبي العمل على تأخير صرف رواتب موظفي الدولة اليمنية عبر منع وصول شحنات بنكنوت طبعتها الحكومة الشرعية في الخارج لتوزيعها كأجور على الموظفين، كلك قامت باحتكار توريد مشتقات النفط، وكذلك احتكار رحلات الطيران إلى مدينة سقطرى السياحية وغيرها، والضغط على حكومة هادي للفوز منفردة بعقود وصفقات تأهيل المنشآت الحكومية وصيانة مدرج مطار عدن، بل وتضغط، وبقوة، لإعادة شركة موانئ دبي لإدارة ميناء عدن بهدف تخريبه مرة أخرى لمصلحة جبل علي في الإمارات.

ولم تكتفِ بهذه الخطوات، بل قامت قوات إماراتية بمنع تصدير النفط الخام اليمني من حقول يمنية منها المسيلة وغيره، كذلك أوقفت بيع شحنة نفط جاهزة للتصدير عبر ميناء الضبة النفطي في حضرموت المطلة على البحر العربي، ما وضع حكومة هادي في مأزق فاقم من أزماتها المالية، خاصة أن صادرات النفط تمثل 70% من إيرادات اليمن.

بل وصل الأمر بالإماراتيين إلى تقديم عرض للانقلابيين الحوثيين لتوريد النفط المكرر إلى المناطق التي يسيطرون عليها، مثل العاصمة صنعاء، وهو العرض الذي كشف عنه وزير المالية في تحالف الانقلابيين، صالح شعبان، الذي أكد قبل أيام تلقّي عرض وصفه بالمغري لتوريد الوقود إلى صنعاء، من شركة إماراتية، وتوقع أن تتم الموافقة على العرض.

في مقابل البزنس الضخم الذي تحققه الإمارات في اليمن، نجد أن السعودية باتت تتحمل الجزء الأكبر من تكلفة حرب اليمن، فقد رفعت السعودية قيمة إنفاقها العسكري في عام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، مقابل أقل من 60 مليار دولار في عام 2013، وأبرمت حكومة المملكة صفقات شراء سلاح ضخمة خلال زيارة ترامب الأخيرة للرياض، وقفزت مشتريات السعوديّة من السلاح بمعدل كبير، لتصبح المستورد الأول للسلاح في العالم خلال عام عاصفة الحزم، بقيمة 65 مليار دولار.

وتسببت الحرب المستمرة وحالة عدم الاستقرار في المنطقة التي خلقتها الحرب وزيادة المخاطر المالية والسياسية في تراجع الاستثمارات داخل السعودية وهروب الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية.

تكلفة حرب اليمن لن تقف عند هذا الحد، فهناك تكلفة أخرى تتمثل في فاتورة إعادة إعمار اليمن بعد أن تضع الحرب أوزارها، وحسب تقديرات فإن تكلفة إعادة الإعمار تراوح ما بين 80 و100 مليار دولار في حال توقفت الحرب الآن.

كما أن هناك تكلفة مؤجلة تتمثّل في ضرورة دعم الحكومة اليمنية التي تحكم البلاد في فترة ما بعد الحرب حتى لا تنهار، ورفد احتياطي اليمن من النقد الأجنبي لتمويل فاتورة الواردات وسداد الديون الخارجية، وهي فاتورة ستدفعها السعودية، ليس من أجل عيون اليمنيين، لكنها تريد استقراراً في اليمن يبعده عن التبعية لإيران.

فاتورة حرب اليمن ضخمة، وخسائر السعودية لا تزال مفتوحة في ظل استمرار الحرب وعدم وجود مدى زمني لوقفها، وفي المقابل تتعاظم المكاسب الإماراتية حتى ولو أدى ذلك إلى موت ثلاثة أرباع اليمنين جوعاً وحرقاً.


المساهمون