الإعدام لمحتالة فيتنام والتكريم لبلطجية مصر

17 ابريل 2024
خلال محاكمة ترونغ ماي لان (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في حدث غير مسبوق، أصدرت محكمة فيتنامية حكماً بالإعدام على قطب العقارات ترونغ ماي لان بتهمة الاحتيال ونهب أموال بنك سايغون التجاري بقروض غير مشروعة بقيمة 44 مليار دولار، مع إلزامها بإعادة 27 مليار دولار.
- القضية جذبت اهتماماً واسعاً مع استدعاء 2700 شاهد ومشاركة عشرة مدعين عامين وحوالي 200 محامٍ، في إطار حملة "الأفران المشتعلة" لمكافحة الفساد التي يقودها الأمين العام للحزب الشيوعي، نغوين فو ترونغ.
- ترونغ، من بائعة في كشك إلى قطب عقارات، تورطت في فساد معقد بامتلاك أكثر من 90% من أسهم بنك سايغون التجاري عبر شركات وهمية، مما يعكس الصراع في فيتنام بين التحديث الاقتصادي ومخاطر الفساد.

حكمت محكمة فيتنامية الأسبوع الماضي على قطب العقارات الفيتنامية ترونغ ماي لان بالإعدام، بتهمة نهب أموال واحتيال على أحد أكبر البنوك في البلاد على مدار سنوات. وأُدينت ترونغ بالحصول على قروض بقيمة 44 مليار دولار من بنك سايغون التجاري بصورة غير سليمة. ويلزمها الحكم بإعادة مبلغ 27 مليار دولار، وهو مبلغ قال ممثلو الادعاء إنه قد لا يُسترد أبداً. ويعتقد البعض أن عقوبة الإعدام هي طريقة المحكمة لمحاولة تشجيعها على إعادة بعض المليارات المنهوبة.

كانت السلطات الفيتنامية الشيوعية صريحة على نحو غير معهود بشأن هذه القضية، إذ تطرّقت إلى تفاصيلها الدقيقة، وأكدت استدعاء 2700 شخص للإدلاء بشهاداتهم، في حين شارك فيها عشرة مدعين عموم ونحو مئتي محامٍ. وقالت الجهات الرسمية في فيتنام إن وزن الأدلة المستخدمة في القضية بلغ ستة أطنان، تم توزيعها على 104 صناديق، وإن خمسة وثمانين متهماً حوكموا مع ترونغ، نفى جميعهم التهم الموجهة إليهم.

وتُعد المحاكمة الفصل الأكثر دراماتيكية حتى الآن في حملة "الأفران المشتعلة" لمكافحة الفساد التي قادها الأمين العام للحزب الشيوعي نغوين فو ترونغ. ويعتقد نغوين، المنظّر المحافظ شديد التمسك بالنظرية الماركسية، أن الغضب الشعبي إزاء الفساد الجامح يشكل تهديداً وجودياً لاحتكار حزبه الشيوعي السلطة.

وبدأ نغوين حملته بشكل جدّي في عام 2016، وهي الحملة التي شهدت إجبار رئيسين ونائبين لرئيس الوزراء على الاستقالة، وتأديب أو سجن مئات المسؤولين. وتنحدر ترونغ من عائلة صينية فيتنامية تعيش في مدينة هوشي منه، سايغون سابقاً، وبدأت أعمالها بائعة في كشك في السوق، حيث كانت تبيع مستحضرات التجميل مع والدتها، لكنها اتجهت إلى شراء الأراضي والعقارات وممارسة بعض الأعمال التجارية، بعد أن بدأ الحزب الشيوعي فترة من الإصلاح الاقتصادي، المعروفة باسم دوي موي عام 1986.

وبحلول التسعينيات، كانت ترونغ تمتلك مجموعة من الأصول، أغلبها من الفنادق والمطاعم. وعلى الرغم من أن فيتنام تُعرف عالمياً بقطاع التصنيع سريع النمو، باعتبارها سلسلة توريد بديلة للصين، إلا أن معظم الفيتناميين الأثرياء جمعوا أموالهم من تطوير العقارات والمضاربة فيها. وحيث إن جميع الأراضي كانت مملوكة رسمياً للدولة، فقد اعتمد أغلب الراغبين في الشراء على العلاقات الشخصية مع المسؤولين، وأصبح ذلك أمراً مألوفاً.

ولكن مع نمو الاقتصاد تصاعد الفساد، وأصبح متوطناً في البلد الآسيوي. وبحلول عام 2011، أصبحت ترونغ شخصية تجارية معروفة في مدينة هوشي منه، وتم السماح لها بترتيب عملية دمج ثلاثة بنوك صغيرة الحجم، كانت تعاني من ضائقة مالية، في كيان أكبر أطلق عليه بنك سايغون التجاري.

ويحظر القانون الفيتنامي على أي فرد امتلاك أكثر من 5% من أسهم أي بنك. لكن المدعين يقولون إنه من خلال مئات الشركات الوهمية والأشخاص الذين يعملون كوكلاء لها، امتلكت ترونغ بالفعل أكثر من 90% من بنك سايغون التجاري. واتُهمت ترونغ باستخدام نسب تملكها المرتفعة لتعيين موظفيها مديرين في البنك، ومن ثم حثهم على الموافقة على مئات القروض لشبكة الشركات الوهمية التي تسيطر عليها.

وكانت المبالغ التي سُحبت عن طريقها ضخمة، إذ شكّلت القروض المقدمة لشركاتها نحو %93 من إجمالي قروض البنك. ووفقاً للمدعي العام، أمرت ترونغ سائقها، على مدى ثلاث سنوات اعتباراً من فبراير/ شباط 2019، بسحب 108 تريليونات دونغ فيتنامي، أي أكثر من أربعة مليارات دولار نقداً من البنك، وخزّنتها في قبو منزلها. ومع افتراض تكوين المبلغ من الفئات الكبرى في فيتنام، يزن هذا القدر من النقود ما يقرب من طنين.

واتُهمت ترونغ بتقديم رشوة سخية لضمان عدم تعرض مفتشي البنك لقروضها في أي وقت. وشغل أحد المتهمين في القضية منصب كبير مفتشي البنك المركزي، وهو متهم حالياً بقبول رشوة بقيمة خمسة ملايين دولار. وقد أدى الكم الهائل من الدعاية الرسمية حول هذه القضية إلى توجيه الغضب الشعبي بشأن الفساد ضد ترونغ، التي كان ظهورها بصورة باهتة ومرهقة في المحكمة يتناقض بشكل صارخ مع الصور الدعائية الرائعة التي شاهدها الناس لها خلال السنوات الماضية.

ورغم تأكيد البعض أن ترونغ كانت محمية من قبل شخصيات قوية هيمنت على الأعمال والسياسة في مدينة هوشي منه لعقود من الزمن، إلا أن الطريقة التي تم بها تقديم القضية للرأي العام، والنحو الذي سارت عليه المحاكمة، أكدا رغبة صادقة من سلطة الحزب الشيوعي في تأكيد مكافحة الفساد والفاسدين في البلاد.

يحدث ذلك في فيتنام، في الوقت الذي نشهد فيه في مصر تنامي سيطرة البلطجية والخارجين عن القانون ورعاة العنف وتجار المخدرات والسلاح، ومنهم من مُنح عفواً رئاسياً لإخراجه من السجن رغم التأكد من إدانته، على مفاصل السلطة والأعمال. وباتت صور وأسماء هؤلاء تزيّن لوحات الإعلانات في الطرق المصرية، بينما شغلت شركاتهم مساحات زمنية كبيرة على شاشات التليفزيون، في أهم مواعيد المشاهدات في البلاد.

سيطر هؤلاء على بعض شركات الحراسة الضخمة التي توكل إليها مهام تأمين سفارات بالقاهرة، وجامعات مصرية وبنوك وشركات كبرى، وأحداث رياضية مهمة وانتخابات، وأشرفوا على معرض للصناعات العسكرية استضافته مصر مؤخراً، وضم كبار رجال الجيش والعسكريين في العالم.

أدارت شركاتهم عملية عبور الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية، وشاركوا في مؤتمرات الشباب التي تحظى برعاية قيادات الدولة، وحصلوا على حقوق رعاية أكبر الأندية المصرية في البطولات العالمية، وتم تعيينهم في أجهزة تابعة لوزارة الدفاع، وكانوا حاضرين في أغلب الاحتفالات الرسمية في البلاد.

رُد اعتبار هؤلاء، وأُسندت صفقات ضخمة لبيع أصول حكومية إليهم، ومنحوا مساحات شاسعة من الأراضي المصرية، وأُسندت إليهم أعمال ضخمة في العاصمة الإدارية، فيما بدا أنه المعنى الحقيقي لـ"الجمهورية الجديدة" التي يحدثوننا عنها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

المساهمون