تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له منذ ستة أشهر مقابل الدولار اليوم الثلاثاء، مما وضعه على المسار الأسوأ منذ الميزانية "المصغرة" للعام الماضي، حسب بيانات " فايننشيال تايمز" اليوم الثلاثاء. وحدث التراجع وسط مخاوف من أن الفائدة المرتفعة على الإسترليني وزيادة كلفة الإنتاج ربما تدفع بريطانيا إلى الركود الاقتصادي.
وتراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 3.4 بالمائة مقابل العملة الأميركية إلى 1.2176 دولار حتى الآن خلال الشهر الجاري، وبنسبة 7.2 بالمائة منذ منتصف يوليو/تموز الماضي مع تزايد المخاوف من أن تؤدي أسعار الفائدة، التي بلغت الآن أعلى مستوى لها في 15 عاماً إلى خنق النمو الاقتصادي.
ومن شأن الركود أن يقلل من احتمال حدوث زيادات أخرى في أسعار الفائدة من بنك إنكلترا وفق اقتصاديين، لأن الاقتصاد سيكون في حالة انكماش بالفعل.
وقال الخبير الاستراتيجي في مصرف "سوسيتيه جنرال"، كيت جوكس: "عاش الجنيه الإسترليني شهراً سيئاً، لأن المملكة المتحدة شهدت أكبر انخفاض في توقعات أسعار الفائدة مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى... لقد اختفى دعم سعر العملة".
وفاجأ بنك إنكلترا المركزي الأسواق الأسبوع الماضي بإبقاء أسعار الفائدة دون تغيير بعد 14 ارتفاعًاً متتالياً. وتتوقع الأسواق الآن وبنسبة 50 في المائة، بأنه لن تكون هناك زيادات أخرى في الفائدة المصرفية التي بلغت 5.25 في المائة، وفقا للبيانات التي جمعتها LSEG وعلى أساس أسعار مشتقات أسعار الفائدة.
وحسب صحيفة "فايننشيال تايمز"، يمثل ذلك تحولاً سريعاً في تفكير المتداولين، الذين كانوا في منتصف يوليو الماضي يتوقعون ارتفاع أسعار الفائدة في المملكة المتحدة إلى نحو 6.4 في المائة بحلول نهاية العام.
وخلال النصف الأول من العام، أثبت الاقتصاد البريطاني والتضخم مرونة أكبر من المتوقع، حيث يتوقع المستثمرون أن تظل أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول من نظيراتها العالمية. لكن بريطانيا أصبحت الآن أقرب إلى توافق مع توقعات السوق بشأن مسار أسعار الفائدة الأميركية.
في هذا الصدد، قالت رئيسة استراتيجية الصرف الأجنبي في مصرف رابوبنك، جين فولي: "في معظم هذا العام، كان السوق يعتقد أن المملكة المتحدة تجنبت الركود وأن أسعار الفائدة هناك سترتفع أكثر بكثير، مما يوفر حافزاً لشراء الجنيه الإسترليني لكن هذا لم يحدث".
وتراجع النشاط الاقتصادي في المملكة المتحدة، مقاسًا بمؤشر مديري المشتريات، هذا الشهر بأسرع وتيرة منذ يناير/كانون الثاني 2021، بينما تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المائة بين يونيو/حزيران ويوليو/ تموز.
ويتوقع الاقتصاديون الآن المزيد من الضعف للجنيه الإسترليني. وفي الأسبوع الماضي، توقع كل من بنكي HSBC البريطاني ونومورا الياباني أن يتراجع الجنيه الإسترليني إلى 1.18 دولار قبل نهاية العام.
كما خفض استراتيجي العملات في بنك غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي، مايكل كاهيل، توقعاته للجنيه الإسترليني مقابل الدولار.
ويتوقع كاهيل أن ينخفض الإسترليني إلى 1.18 دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، مقارنة بالتقدير السابق البالغ 1.24 دولار.
وقال: "إذا عكست بيانات النشاط الواردة صورة نمو محلي أكثر سلبية مما نتوقع، فإن العملة ستتعرض لمزيد من الضغط".
ويتجه تجار العملات إلى الدولار كملاذ آمن مع تزايد المخاوف من تباطؤ النمو العالمي على الأسواق. ووصل مؤشر الدولار، أمام سلة من ست عملات يوم الاثنين إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال لي هاردمان، محلل العملات في بنك MUFG، إنه على الرغم من أن ارتفاع الدولار أثر على الجنيه الإسترليني خلال شهر أغسطس/آب وحتى النصف الأول من شهر سبتمبر/أيلول، إلا أن الأمر "في الأسبوع الماضي أصبح يتعلق أكثر بضعف الجنيه الإسترليني وليس قوة الدولار".
ويتوقع المحللون أن يكون أداء الجنيه أسوأ من العملات الأخرى خلال الأشهر المقبلة.
وارتفع اليورو بنسبة 1.3 في المائة مقابل الجنيه الإسترليني هذا الشهر ليصل إلى 0.86 جنيه إسترليني، ويتوقع كاهيل من غولدمان ساكس، أن يرتفع إلى 0.91 جنيه إسترليني خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وقالت فولي من رابوبنك، إن تراجع الجنيه الإسترليني مقابل اليورو كان "أكثر إثارة للقلق" من انخفاض العملة مقابل الدولار.
وأضافت: "النمو يتباطأ في ألمانيا ومنطقة اليورو تمامًا كما هو الحال في المملكة المتحدة، لذلك لا أرى أي مبرر لتداول الجنيه الإسترليني بشكل أضعف مما هو عليه بالفعل مقابل اليورو".
ووضعت صناديق التحوط والمضاربون الآخرون في العملات تفضيلات صعودية على الجنيه الإسترليني في وقت سابق من العام عندما كانت الأسواق تتوقع المزيد من الارتفاعات القوية في أسعار الفائدة من بنك إنكلترا.
وقد قاموا أخيراً بتخفيض هذه المواقف بشكل طفيف، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن لجنة تداول العقود الآجلة للسلع، والتي سبقت اجتماع بنك إنكلترا الأخير.
ومن المحتمل أن يخفض المضاربون مواقفهم الصعودية للجنيه الإسترليني بعدما أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة دون تغيير الأسبوع الماضي، مما أدى إلى انخفاض العملة بشكل حاد، وفقًا لما ذكره جوردان روتشستر، استراتيجي العملات في بنك نومورا.