في الأسابيع الخمسة التي انقضت منذ غزو روسيا لأوكرانيا، بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما هجوماً اقتصاديًا مضاداً أدى إلى قطع وصول روسيا إلى مئات المليارات من الدولارات من أموالها الخاصة، وأوقف جزءاً كبيراً من تجارتها الدولية، وجرت معاقبة أكثر من 1000 شركة ومنظمة وأفراد، بمن في ذلك أعضاء الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإحالتهم إلى مأزق مالي.
لكن بوتين ذكّر العالم، الأسبوع الماضي، بأن لديه أسلحة اقتصادية خاصة به يمكن أن يستخدمها لإلحاق بعض الألم أو صد الهجمات.
من خلال سلسلة من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة الروسية وبنكها المركزي، شق الروبل، الذي فقد ما يقرب من نصف قيمته، طريقه عائداً إلى ما كان عليه قبل الغزو.
ثم كان هناك تهديد بوقف تدفق الغاز من روسيا إلى أوروبا، والذي انطلق بسبب مطالبة بوتين "للدول غير الصديقة" بدفع ثمن الغاز بالروبل، ما أثار مخاف قادة العديد من العواصم الأوروبية خاصة في ظل حاجتهم للطاقة الروسية لتشغيل اقتصاداتهم.
وبعد أن كانت موسكو في مرمى صد العقوبات الغربية الواسعة، يتبدل الأمر بفعل اللعب بورقة الطاقة، إذ يبقي بوتين قادة أوروبا في حالة تردد من خلال التهديد بقطع الطاقة عنهم، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
في الوقت الحالي، يبدو أن موسكو تجنبت احتمال توقف وشيك للغاز. لكن طلب بوتين المفاجئ بالدفع بالروبل ساعد ألمانيا والنمسا على إعداد مواطنيهما لما قد يأتي.
لقد اتخذوا الخطوات الرسمية الأولى نحو التقنين، حيث بدأت برلين مرحلة "الإنذار المبكر" للتخطيط لحالة طوارئ تتعلق بالغاز الطبيعي.
وترسل مشتريات الطاقة المستمرة في أوروبا ما يصل إلى 850 مليون دولار يومياً إلى خزائن روسيا وفقًا لمعهد بروجيل الاقتصادي في بروكسل. وتساعد هذه الأموال روسيا في تمويل جهودها الحربية وتحد من تأثير العقوبات.
وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة، ضخت عائدات تصدير الغاز من شركة "غازبروم" الروسية العملاقة للطاقة 9.3 مليارات دولار في اقتصاد البلاد في مارس/آذار الماضي وحده، وفقًا لتقديرات شركة "أكسفورد إيكونوميكس"، وهي شركة استشارية عالمية.
وقالت الشركة في إفادة بحثية إن "الدرس بالنسبة للغرب هو أن فاعلية العقوبات المالية لا يمكن أن تستمر حتى الآن في ظل غياب العقوبات التجارية".
كما أن خدعة بوتين الأسبوع الماضي، متمثلة بوعده مواصلة شحنات الغاز، أبقت الزعماء الأوروبيين في حالة عدم توازن أثناء محاولتهم تحديد استراتيجيته ودوافعه.
وبحسب نيويورك تايمز، فإن الانتقال إلى موردين آخرين أو التوجه نحو المزيد من مصادر الطاقة المتجددة سيكون مكلفًا ومؤلماً، وبشكل عام، قد يكون الأوروبيون أكثر فقراً وبرودة على الأقل لبضع سنوات بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع النشاط الاقتصادي الناجم عن نقص الطاقة. وخلافًا لما يحدث في روسيا، يتعين على الحكومات في هذه البلدان الاستجابة للناخبين.
وارتفع التضخم في أوروبا إلى مستوى قياسي جديد، إذ صعدت أسعار المستهلكين في 19 دولة تستخدم عملة اليورو بمعدل سنوي بلغ 7.5% في مارس/آذار، بحسب وكالة إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات".
وسجل التضخم في منطقة اليورو أرقامًا قياسية منذ شهور، وهو عند أعلى مستوى له منذ بدء حفظ السجلات لليورو في عام 1997. وكان ارتفاع أسعار الطاقة عاملاً رئيسياً ساهم في التضخم القياسي، وفق يوروستات.
في المقابل، ينتظر أن تجني روسيا عائدات قياسية من الطاقة خلال 2022 بما يتجاوز الثلث عن المعدلات المحققة خلال العام الماضي، بفعل قفزات الأسعار، حيث تتوقع وحدة "بلومبيرغ إيكونوميكس" أن تبلغ إيرادات روسيا من صادرات الطاقة خلال العام الجاري نحو 321 مليار دولار، بزيادة تتجاوز الثلث مقارنة بعام 2021.
كما أنّ روسيا تسير نحو تحقيق فائض قياسي في الحساب الجاري، الذي يقول معهد التمويل الدولي إنه قد يصل إلى 240 مليار دولار.