بحلول أواخر عام 1923، أدى التضخم المفرط إلى جعل العملة الألمانية عديمة القيمة، لدرجة أن امرأة استخدمت عدة مليارات من الأوراق النقدية لتصميم فستان للكرنفال.
وتشرح وكالة "بلومبيرغ" أن هذا الثوب يُعَدّ جزءاً من معرض في متحف التاريخ في فرانكفورت، وهو يضرب على وتر حساس لدى الألمان اليوم الذين هزتهم أكبر ارتفاعات في الأسعار منذ إعادة توحيد البلاد، وذلك بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقالت ناتالي أنغرسباخ، المنسقة المشاركة في معرض "التضخم 1923: الحرب والمال والصدمات النفسية": "لم نكن نتخيل أن يكون الأمر بهذه الأهمية. نحن نرى هذا بعين تضحك وأخرى تبكي. بالطبع، نحن لا نريد التضخم، لكن الاهتمام الذي نحظى به الآن يجعلنا سعداء".
وقد نال المعرض، الذي حقق نجاحاً كبيراً لدى الصغار والكبار، إشادة من فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، الذي يكافح من أجل خفض التضخم عبر منطقة اليورو المكونة من 20 دولة إلى 2 في المائة.
بالنسبة إلى ألمانيا، على الرغم من أن نوبة التضخم الأخيرة لم تقترب بأي حال من الأحوال من نسبة 29000% أو أكثر، والتي أدت بسرعة إلى تبخير مدخرات الأسر قبل قرن من الزمان، ولكن لا ينبغي الاستهانة بالتحديات التي كشفت عنها هذه النوبة، وفق "بلومبيرغ".
وساعد ارتفاع تكاليف الطاقة في إثارة الركود الذي كشف عن نقاط ضعف اقتصادية. ومن ناحية أخرى، تعمل فجوة التفاوت متزايدة الاتساع على تغذية عودة القوى السياسية اليمينية المتطرفة.
وبعد أن بلغ ذروته عند 11.6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد يتراجع التضخم في أكبر اقتصاد في أوروبا إلى 6.4% هذا الشهر، وفقاً لمسح أجرته "بلومبيرغ". ولكن الارتفاع المفاجئ في تكاليف كل شيء من البنزين إلى الزبدة، إلى جانب الوابل غير المسبوق من زيادات أسعار الفائدة التي أطلقها البنك المركزي الأوروبي رداً على ذلك، كان أمراً مؤلماً.
أظهرت استطلاعات الرأي أن نفور الألمان التقليدي من التضخم، الذي تعود جذوره إلى محنة العشرينيات من القرن الماضي، عاد إلى الحياة في عام 2022 بعد أن تراجع قليلاً في الفترة السابقة.
وكما حدث قبل قرن من الزمان، أثبتت الصعوبات الاقتصادية أنها أرض خصبة للشعبوية. وارتفع الدعم لحزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة، ما دفع الحزب اليميني المتطرف إلى تجاوز "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" الذي ينتمي إلى يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتز.
والمتعاطفون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" أكثر استياءً من حياتهم واقتصادهم من الناخبين العاديين، وفقاً لمارسيل فراتشر، الذي يرأس معهد أبحاث DIW. ومع ركود الإنتاج الألماني، فقد تتفاقم الأمور سوءاً.
وبالنسبة إلى الفقراء، كان ارتفاع التضخم واضحاً بشكل خاص، حيث قفزت تكاليف الغذاء، التي تشكل جزءاً أكبر من إنفاقهم مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، بمعدل ضعفي وتيرة الأسعار الإجمالية.
وبالعودة إلى متحف فرانكفورت، من بين الزوار الذين يتعلمون عن مخاطر طباعة النقود ،كلاوس مور، وهو متقاعد يحتفظ بصندوق فيه ملايين الماركات منخفضة القيمة من جده في المنزل.
وقال مور لـ"بلومبيرغ": "آمل ألا يصبح الأمر سيئاً كما كان الحال في ذلك الوقت. لدي معاش تقاعدي جيد، ولكن يمكنني أن أتخيل أن العديد من الأسر، وبخاصة تلك التي لديها أطفال، تجد صعوبة في التكيف مع ارتفاع الأسعار اليوم".