تلقي الحرب الروسية في أوكرانيا بظلالها على مستقبل إمدادات السلع العالمية، وعلى رأسها الطاقة والغذاء، كما تواصل الحرب تداعياتها السالبة على الاقتصاد العالمي، إذ تتراجع مسارات العولمة وانسياب التجارة الحرة بين الدول في السلع الأساسية التي تنعش النشاط الاقتصادي.
وحتى الآن بدأت العديد من الدول عمليات حظر صادرات السلع الغذائية، إذ حظرت الهند صادرات السكر إلى جانب حظرها القمح، كما حظرت ماليزيا صادرات الدجاج.
في واشنطن قالت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر جرانهولم، يوم الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يستبعد استخدام قيود التصدير لتخفيف ارتفاع أسعار الوقود المحلي، وذلك في حديث للصحافة خلال جولة لها على إحدى مناطق تخزين الاحتياط البترولي الاستراتيجي في البلاد.
على صعيد إمدادات النفط، تواصل العقوبات الغربية على موسكو خنق الإمدادات النفطية في العالم، وترفع من حال عدم اليقين بشأن مستقبل إمدادات النفط العالمية، وبالتالي يجد خبراء الطاقة صعوبة في رسم توقعات دقيقة لمسار أسعار الخامات خلال العام الجاري، على الرغم من تأكيد مؤشرات الأسواق أن أسعار النفط ستواصل ارتفاعها فوق 100 دولار.
عديد من الدول تقيد صادرات السلع الغذائية، إذ حظرت الهند صادرات السكر إلى جانب حظرها القمح، كما حظرت ماليزيا صادرات الدجاج.
في هذا الشأن، تقول دراسة صادرة عن معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة البريطاني إن الاضطراب في معدل إنتاج النفط الروسي تعد من أهم المحددات لمستقبل أسعار النفط خلال العام الجاري. وتضع الدراسة سيناريوهين لإنتاج النفط الروسي خلال العام الجاري، السيناريو الأول أن تنفذ القوى الغربية حظراً شاملاً على النفط الروسي.
وحتى الآن تواجه دول الاتحاد الأوروبي صعوبات في إقناع بعض الدول الأعضاء بحظر النفط الروسي على الرغم من تأكيدات ألمانيا أن الحظر سيحدث قريباً.
ويتوقع معهد أكسفورد لدراسات الطاقة في سيناريو الحظر الغربي الشامل على النفط الروسي أن يؤدي إلى خسارة السوق العالمي نحو 3.9 ملايين برميل يومياً من الإمدادات البترولية.
وفي هذه الحال، فإن السوق النفطية ستشهد اضطرابات كبيرة بالإمدادات، ويتوقع ارتفاع أسعار خام برنت "مؤقتاً" إلى 150 دولاراً للبرميل، قبل أن تعود الأسعار تدريجياً للتراجع، وهو ما يساوي ارتفاعاً بنحو 25 دولاراً عن مستوياتها القصوى التي بلغتها العام الجاري لدى 125 دولاراً.
أما السيناريو الثاني الذي وضعه المعهد، فهو عدم تنفيذ الحظر النفطي الأوروبي على روسيا، ويواصل التجار وشركات المصافي في الدول الغربية "الحظر الطوعي" الذي يمارسونه منذ مارس/ آذار الماضي ضد شحنات الخامات الروسية.
وفي هذا السيناريو يرى المعهد أن السوق النفطية ستخسر نحو 1.1 مليون برميل من الإمدادات الروسية، وهو المعدل الذي خسرته يومياً حتى الآن. ويقول المعهد في هذا السيناريو ستواصل أسعار النفط التأرجح حول مستوياتها فوق 100 دولار للبر ميل.
تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن يبلغ سعر خام برنت 103.35 دولارات للبرميل في المتوسط خلال العام الجاري
من جانبها، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهي الوكالة التي تراقب السوق النفطية لصالح الحكومة الأميركية، أن يبلغ سعر خام برنت 103.35 دولارات للبرميل في المتوسط خلال العام الجاري، وأن يبلغ سعر خام غرب تكساس، الخام الخفيف الأميركي، 99.2 دولاراً للبرميل.
لكن هذه التوقعات تحكمها عوامل عدة من عدم اليقين على صعيد العرض والطلب، إذ إنه من غير مؤكد حتى الآن مسار إنتاج النفط الروسي، ومستقبل تداعيات الحرب الروسية على معدل نمو الاقتصاد العالمي، وتعافي الاقتصاد الصيني من جائحة كورونا، وما إذا كان الاقتصاد الأميركي سيدخل مرحلة من الركود الاقتصادي وكم سيكون معدل الانكماش الاقتصادي في أوروبا.
كما قالت مصادر أميركية الأسبوع الماضي إن هنالك محادثات جارية بين الصين وروسيا على مستوى الحكومات وليس الشركات على شراء صفقات ضخمة من النفط الروسي لملء خزانات الاحتياط الاستراتيجي الصيني.
على صعيد الإمدادات البترولية، المؤكد حتى الآن أن هناك نقصاً في الإنتاج النفطي، ولا توجد طاقة نفطية فائضة كافية لدى دول "أوبك+"، رغم التقارير التي تتحدث عن وجود 4 ملايين برميل من الطاقة الفائضة لديها.
في هذا الصدد، يشير المسح الصادر منتصف شهر مايو/ أيار الجاري لوكالة "ستاندرد اند بورزغلوبال إنتيلجينس" إلى أن 13 دولة من بين 19 دولة تشكل تحالف "أوبك+" تواجه صعوبة في الوفاء بحصتها الإنتاجية المقررة من قبل المنظومة البترولية.
من جانبها، خفضت وكالة الطاقة الدولية مستوى إنتاج النفط العالمي خلال العام الجاري بنحو 100 ألف برميل يومياً، وذلك على الرغم من أن شركات النفط الصخري الأميركي رفعت إنتاجها بشكل متواصل مستفيدة من فورة الأسعار، وحاجة أوروبا الماسة للإمدادات النفطية لتعويض النفط الروسي في حال إقرارها الحظر النفطي على الطاقة الروسية خلال العام الجاري.
على صعيد الإنتاج الروسي، تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية إن روسيا خفضت إنتاجها من النفط بنحو مليون برميل يومياً في إبريل/ نيسان الماضي بسبب عدم وجود مشترين في الأسواق الغربية.
وتواجه شركات النفط الروسية أزمة تخزين لإنتاج النفطي، وبالتالي تفضل إغلاق عمليات الإنتاج على الاستمرار وتكبد أزمات في تصريف الشحنات البترولية والاضطرار لبيعها بأسعار منخفضة جداً.
لكن الوكالة الأميركية ترى أن ارتفاع إنتاج "أوبك +"، خاصة من بعض الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات، من المتوقع أن يعوض الانخفاض في الإنتاج الروسي.
في هذا الشأن، تتوقع الوكالة، باستبعادها لإنتاج النفط الروسي المتقلب من سيناريو الإمدادات النفطية، أن يرتفع الإنتاج العالمي من الخامات النفطية بنحو 3.1 ملايين بر ميل يومياً بين مايو/ أيار الجاري وحتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول.
على صعيد طلب المصافي تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إن استهلاك المصافي العالمية تراجع بنحو 1.4 مليون برميل يومياً حتى إبريل/ نيسان الجاري إلى 78 مليون برميل يومياً.
تشير بيانات الطاقة الأميركية إلى أن المخزونات العالمية من الخامات النفطية تراجعت بنحو 45 مليون برميل في مارس/ آذار
لكن من المتوقع أن يشهد معدل الاستهلاك ارتفاعاً خلال الصيف الجاري وحتى نهاية أغسطس/ آب بنحو 4.7 ملايين برميل يومياً، وهي فترة الصيف التي تتزايد فيها الحركة والسياحة العالمية، وبالتالي يرتفع استهلاك المشتقات البترولية.
بالنسبة للمخزونات البترولية، تشير بيانات الطاقة الأميركية إلى أن المخزونات العالمية من الخامات النفطية تراجعت بنحو 45 مليون برميل في مارس/ آذار، وهو الذي تلا الغزو الروسي في أوكرانيا، ورفع تبعاً لذلك الذعر العالمي من مستقبل توفر الوقود والغذاء، إذ إن كلاً من الدولتين من كبار المنتجين للمحاصيل الزراعية، كما أن روسيا من كبار المنتجين للطاقة، إذ تنتج نحو 11.2 مليون برميل من النفط، بحسب بيانات العام الماضي 2021 التي سبقت الحرب.
وفي مايو/ أيار تراجعت المخزونات البترولية في دول التنمية والتعاون الاقتصادي الـ29. ويشكل التراجع في الاقتصادات العالمية الكبرى نحو 1.2 مليار برميل يومياً عن مستوياتها في شهر يونيو/ حزيران من عام 2021.
وعلى الرغم من أنّ العالم يضع آمالاً على بكين في الضغط على حليفتها موسكو لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، فإنّ سيناريوهات نهاية هذه الحرب اللعينة التي فاجأت العالم في وقت بدأت فيه الاقتصادات العالمية الخروج من تداعيات جائحة كورونا، وتبقى المحدد الرئيسي لتوجهات أسعار الطاقة العالمية، خاصة أسعار النفط والغاز التي ترفع بشكل مباشر من معدلات التضخم وتهدد بركود تضخمي في الاقتصادات الغربية.
تواجه العديد من الدول الأوروبية مخاطر الظلام الدامس في حال أوقفت شركة غازبروم الروسية لإمدادات الغاز الطبيعي فجأة
وحتى الآن تواجه العديد من الدول الأوروبية مخاطر الظلام الدامس في حال أوقفت شركة غازبروم الروسية لإمدادات الغاز الطبيعي فجأة، وهو أمر لم يعد مستبعد في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا.
إلى ذلك ارتفعت أسعار النفط أمس الأربعاء مدعومة بالنقص في الإمدادات البترولية وحلول موسم الصيف الذي يرتفع فيه استهلاك المصافي الأميركية.