الأسواق الناشئة تغري الأموال الساخنة مجدداً بالفائدة المرتفعة

11 يونيو 2024
فقراء الأسواق الناشئة يتطلعون لمليارات الأموال الساخنة - جاكرتا في 12 يناير 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد تجنب استمر أكثر من عامين، عاد الاهتمام بسندات العملة المحلية في الأسواق الناشئة مثل مصر وتركيا، مدفوعًا بارتفاع معدلات الفائدة والتحولات الاقتصادية التي جعلت هذه السندات جذابة.
- الإجراءات الاقتصادية مثل تخفيض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة في دول مثل مصر وتركيا جذبت استثمارات أجنبية كبيرة، مما ساعد في تحسين الوضع الاقتصادي وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي.
- على الرغم من الجاذبية العالية لعوائد هذه السندات، يظل المستثمرون حذرين بسبب المخاطر المرتبطة بالديون المحلية في الأسواق الناشئة، لكن بعضهم يرى أن العوائد المرتفعة تعوض عن هذه المخاطر.

عاود المستثمرون إقبالهم على سندات العملة المحلية في الأسواق الناشئة بعد أكثر من عامين كانت فيهما تلك الأسواق محظورة، قبل أن تأتي التحولات الاقتصادية فيها، مع معدلات الفائدة شديدة الارتفاع، لتُسيل لعاب مستثمري الأموال الساخنة، من قبل حتى أن يبدأ بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي دورة خفض الفائدة المنتظرة.

وخلال الثلاثين شهراً الأخيرة على الأقل، كانت الديون بالعملة المحلية لدول مثل مصر وباكستان ونيجيريا وكينيا وتركيا من بين أكثر الأصول التي فضل المستثمرون تجنبها في الأسواق الناشئة، حيث دمرت أزمات العملة اقتصاداتها، مع الاقتراب من استنفاد مصادر التمويل المتاحة من المؤسسات الدولية.

وتقول صحيفة فاينانشال تايمز إن هذه السندات بدأت الآن بالعودة، مدعومة بسلسلة من ارتفاعات أسعار الفائدة والتحركات لتحرير أسواق العملات، في الوقت الذي تسعى فيه هذه البلدان إلى إصلاح اقتصاداتها المتضررة. ومع انخفاض أسعار الفائدة في بعض الأسواق الناشئة الأكثر نضجا مثل البرازيل، يرى المستثمرون أن العائدات التي تتجاوز 10% المعروضة في الأسواق الأخرى جذابة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.

وقال أحد مديري صناديق الأسواق الناشئة الذي استثمر في أذون الخزانة المصرية ونظر أيضا في ديون النيرة النيجيرية قصيرة الأجل: "عليك أن تدخل في المزيد من الصفقات خارج نطاق المنافسة المعتادة لكسب الأموال". ومع إعلان البنك المركزي المصري عن تخفيض جديد في قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي في السادس من مارس/آذار الماضي، قرر البنك رفع معدلات الفائدة 6% دفعة واحدة، ليصل عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 27.25%، 28.25%، بينما دفعت الحكومة وقتها عائداً يتجاوز 32% في أول عطاء لأذون الخزانة المصرية بعد القرار.

واجتذبت خطوات البنك المركزي المصري على مدار الشهرين الماضيين مليارات الدولارات من الأموال الساخنة، ما سمح بخفض عائد الأذون إلى 25% تقريباً، وتراجُع سعر الدولار من 50 جنيهاً إلى نحو 47، بينما سجل احتياطي النقد الأجنبي في البلاد أعلى مستوى في تاريخه، متجاوزاً 46 مليار دولار. وتحدثت وسائل إعلام مصرية عن وصول أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في سوق الدين بالعملة المحلية، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وتحديداً بعد الاتفاق على استثمار بقيمة 35 مليار دولار من قبل صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي في منطقة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي لمصر.

وقال مدير الصندوق: "لا تزال العملة المحلية تمنحك عوائد ضخمة مقارنة بأسعار الفائدة الأميركية". وأضاف أنه حتى لو خفض بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، فإن الأسواق الناشئة "ستظل توفر للمستثمرين عائدا أفضل كثيراً.

وفي تركيا، حيث أدت سنوات من سوء الإدارة النقدية إلى إبعاد المستثمرين، وصلت أسعار الفائدة الأساسية إلى 50% بهدف معالجة التضخم الذي تجاوز 10%، ولمساعدة الليرة على الاستقرار، ما ساهم في اجتذاب مستثمري الأموال الساخنة إلى البلاد مرة أخرى هذا العام. وتضاعفت حيازات المستثمرين الأجانب من الديون الحكومية المقومة بالليرة أربع مرات تقريبًا منذ بداية العام لتصل إلى حوالي 10 مليارات دولار في نهاية مايو/أيار، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

ويعتقد المستثمرون أن الإصلاحات الجارية في نيجيريا وتركيا ونحو عشرين من الأسواق الأخرى بدأت تؤتي ثمارها في وقت تنخفض فيه العائدات على أشكال أخرى من ديون الأسواق الناشئة. وقال لويس كوستا، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق الناشئة في "سيتي غروب" لصحيفة فاينانشال تايمز: "صناع القرار في الأسواق الناشئة أصبحوا أكثر ذكاءً".

وارتفعت بالفعل ديون العديد من هذه البلدان بالدولار الأميركي، لأنها تجنبت التخلف الصريح عن السداد، ويشك كثير من المستثمرين في أن العائدات، التي تتحرك عكسيا مع أسعار السندات، يمكن أن تنخفض كثيرا من هنا. وفي الوقت نفسه، يُنظر أيضًا إلى ارتفاع ديون العملات المحلية في الأسواق الناشئة الأكثر جدارة ائتمانية، مدفوعًا بتخفيضات أسعار الفائدة، على أنه يقترب من نهايته. كما أن التداولات في عملات بعض الأسواق الناشئة الكبرى لم تحقق نتائج جيدة في الآونة الأخيرة، كما شهدنا في عمليات البيع الحادة التي شهدها البيزو المكسيكي بعد الانتخابات التي جرت هذا الشهر.

وقال جوني غولدن، رئيس استراتيجية الدخل الثابت للأسواق الناشئة في بنك جيه بي مورغان، لصحيفة فاينانشال تايمز إن المستثمرين يحاولون فقط تجنب الرهان على الموعد الذي سيخفض فيه بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة. وأضاف: "في الأسواق الناشئة، لدينا عدد من البلدان التي توجد فيها محركات خاصة، حيث يساعد مزيج من تخفيضات قيمة العملة، وارتفاع أسعار الفائدة، وإصلاحات السياسات، وقروض الإنقاذ على طمأنة المستثمرين".

ويميل المستثمرون إلى الحذر من الديون المحلية للبلدان الأكثر خطورة، والتي عادة ما تكون متقلبة ومرتبطة باحتياطي النقد الأجنبي في البلاد. ويخشى العديد من المستثمرين فرض ضوابط رأس المال بشكل مفاجئ، أو احتمال دخول سوق الديون في أزمة، مع اندفاع المستثمرين الأجانب للخروج.

ويقول المحللون إنه حتى الآن لا توجد دلائل تذكر على أن هناك تكالبا غير مدروس على شراء الديون، أو أن المستثمرين يفشلون في أخذ المخاطر في الاعتبار. وقال غولدن: "ما اكتشفناه هو أنه على الرغم من زيادة عدد الأسواق الناشئة التي تتوجه لها أموال المستثمرين، إلا أن حجم الاستثمارات ليس كبيراً بشكل عام".

وفي حين سارع الأجانب إلى العودة إلى سندات الليرة التركية هذا العام استجابة للسياسات الاقتصادية الأكثر تقليدية، إلا أنهم لا يزالون يمثلون حوالي 5% فقط من السوق، بانخفاض عن 20% قبل أزمة العملة في عام 2018. وفي مصر، يحتفظ المستثمرون الأجانب بحوالي عُشر الدين المحلي، وهي نسبة أعلى من أدنى مستوياته في عام 2022 ولكنها أقل كثيراً من الذروة في عام 2021.

ومع ذلك، فإن احتمال بقاء أسعار الفائدة الأميركية مرتفعة لفترة أطول، حيث يجاهد بنك الاحتياط الفيدرالي للقضاء التام على التضخم العنيد وإعادته إلى مستواه المستهدف والمقدر بـ2%، قد يكون بمثابة رياح معاكسة للديون المحلية في الأسواق الناشئة. وتتعرض مصر ونيجيريا وباكستان، التي من المتوقع أن تنفق أكثر من ثلث إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون بحلول عام 2028، بشكل خاص لخطر ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية لأن ذلك قد يجبرها على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة من أجل جذب رؤوس الأموال، بحسب محللي وكالة موديز للتصنيف الائتماني.

وهذا الشهر، قال البنك المركزي الكيني إنه لا يستطيع خفض سعر الفائدة القياسي من مستواه الحالي البالغ 13% لأن المعدلات العالمية قد لا تزال تغري أموال المستثمرين بعيدا عن البلاد. وأضاف على لسان المحافظ كاماو ثوغ: "علينا أن نكون حذرين للغاية حتى لا نتخذ إجراءات من شأنها أن تسبب نفس النوع من المشاكل التي واجهناها، حيث نرى مرة أخرى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج لأن العائدات في الخارج أصبحت أعلى".

ومع ذلك، يرى بعض المستثمرين أنه حتى لو ظلت أسعار الفائدة الأميركية مرتفعة، فإن سندات العملة المحلية والعوائد التي تقدمها لا تزال أكثر جاذبية من ديون هذه البلدان المقومة بالدولار. وقال دانييل وود، مدير محفظة ديون الأسواق الناشئة في شركة ويليام بلير لإدارة الاستثمارات، في مذكرة، إنه في حين أنه لا يزال هناك بعض القيمة التي يمكن العثور عليها في الديون المقومة بالدولار، فإن "الفروق ضيقة لو أخذنا عنصر المخاطرة في الاعتبار".

المساهمون