أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس الخميس تنحيه عن مركز رئاسة الوزراء البريطاني بعد استقالة عدد من كبار الوزراء في حكومته والانتقادات المكثفة التي وجهت له بسبب الفضائح السياسية العديدة التي باتت تطارده.
وبدأت الرهانات في لندن الخميس على الشخصية التي ستحل محله، حيث يبحث حزب المحافظين عن بديل قبل اجتماعات مؤتمر الحزب التي ستعقد في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل ويتم فيها انتخاب رئيس الوزراء الجديد لبريطانيا.
وأبلغت مصادر حزب المحافظين صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أمس أن جونسون بعد تقديم استقالته سيظل القائم بأعمال رئاسة الوزراء إلى حين مؤتمر حزب المحافظين في أكتوبر/ تشرين المقبل. وكان جونسون قد أبلغ غراهام برادلي رئيس لجنة 1922 لأعضاء البرلمان أمس، وهي لجنة رئيسية لتحديد مستقبل القيادات بالحزب، إنه "يجب أن يستقيل لصالح حزب المحافظين ولصالح بريطانيا".
لكن كيف استجابت الأسواق البريطانية لاستقالة جونسون؟
منذ صعود بوريس جونسون للحكم كان الود مفقودا بينه وبين حي المال البريطاني الذي وقف ضد خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي. وكان استفتاء بريكست الذي أخرج البلاد من الكتلة الأوروبية من "بنات أفكار جونسون" وخاض معركة شرسة حتى تمكن من إنجاح خطته. ويرى معارضوه أن بريكست من أكبر الكوارث التي واجهت الاقتصاد البريطاني في التاريخ الحديث.
وحتى الآن تبدو ردة فعل الأسواق إيجابية على استقالة جونسون، حيث ارتفع سعر صرف الإسترليني بعد تأكيد نبأ استقالته من منصب رئاسة الوزراء. وكدليل على هذا الترحيب، ارتفع الإسترليني في التعاملات الصباحية أمس الخميس في لندن بنسبة 0.5% من مستوى 1.193 إلى 1.99 مقابل الدولار حسب بيانات "فاينانشيال تايمز"، كما ارتفعت مؤشرات الأسهم، ومن المتوقع أن تتحسن جاذبية سندات الخزانة البريطانية.
وقال الخبير الاقتصادي بمؤسسة " بانثيون ماكرو إيكونومكس" في لندن، صامويل تومبس، " تنحي جونسون سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد البريطاني على المدى الطويل". وأضاف في تعليقات لموقع " باوند ستيرلنغ" اللندني، أمس الخميس، أن رئيس الوزراء الجديد الذي سيحل محل جونسون ربما سيتمكن من إيجاد حلول لمجموعة من العقبات التي تكبل النمو الاقتصادي البريطاني، ومن بينها توقيع صفقة مع الاتحاد الأوروبي بشأن الخلاف الجمركي حول وضع أيرلندا الشمالية وإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد البريطاني.
ويرى تومبسون أن " المنظور الاقتصادي لبريطانيا ربما سيتحسن قليلاً بعد استقالة جونسون إذا اهتم رئيس الوزراء الجديد بإجراء إصلاحات هيكلية تساهم في زيادة النمو الاقتصادي".
وحتى الآن تتركز الرهانات على أن حزب المحافظين ربما سيختار النائبة بيني موردونت التي تشغل حالياً منصب وزيرة التجارة الخارجية لرئاسة الوزراء. وتبدو موردونت الأكثر حظاً بين مجموعة من الذين أعلنوا أنهم سيترشحون للمنصب ومن بينهم وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس التي قطعت رحلتها لإندونيسيا وعادت إلى لندن أمس.
ويرى خبراء أن بريطانيا بحاجة خلال الفترة المقبلة إلى شخصية قيادية قوية تستطيع المحافظة على وحدة المملكة المتحدة وسط مطالبات في اسكتلندا بإجراء استفتاء على استقلال الإقليم عن بريطانيا.
على صعيد الجاذبية الاستثمارية لبريطانيا بعد جونسون، قال المحلل بشركة" أكس تي بي"، وليد كودماني، "استقالة جونسون ستمنح المستثمرين فرصة التنفس بعد فترة من عدم اليقين حول مستقبل حكومة المحافظين".
وأضاف كودماني في تعليقات نقلتها صحيفة " ديلي تلغراف" البريطانية، أمس "الجنيه الإسترليني تعرض للضعف الشديد بسبب تخلف الأداء الاقتصادي لبريطانيا عن الدول المنافسة لها". وبالتالي يرى محللون أن الإسترليني ربما سيتجه للارتفاع فوق مستوى 1.2 مقابل الدولار خلال الشهور المقبلة.
وفي ذات الصدد رحبت بورصة لندن أمس الخميس كذلك بتنحي جونسون عن الحكم، حيث ارتفعت المؤشرات الرئيسية التي تقيس أداء الأسهم البريطانية، وكسب مؤشر" فاينانشيال تايمز 100" الرئيسي في التعاملات الصباحية بنسبة 1.2%، كما سجل مؤشر "فاينانشيال تايمز 250" كذلك زيادة بنسبة 0.9%.
ولا يستبعد محللون أن ترفع استقالة جونسون من جاذبية الأصول البريطانية للمستثمرين الأجانب، خاصة وأنهم يعتبرون أن قيمتها السوقية حالياً أقل من قيمتها الحقيقية بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية في البلاد، حيث شهدت البلاد مجموعة من الاضرابات العمالية خلال الشهر الجاري. ولكن المستثمرين الأجانب سيراقبون مسار السياسات الاقتصادية لرئيس الوزراء المقبل الذي سيحل مكان جونسون.
وعانى الاقتصاد البريطاني خلال العامين الماضيين من مجموعة من التحديات أبرزها خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي التي سببت هزة في حي المال البريطاني وبورصة لندن بسبب مغادرة العديد من الشركات لبريطانيا والأموال الضخمة التي هربت.
وكان حي المال البريطاني مقر للشركات المالية الأميركية والآسيوية التي تتاجر من خلاله مع الأسواق الأوروبية، خاصة كبار المصارف الاستثمارية. كما يعاني الاقتصاد البريطاني حالياً من ارتدادات الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث ترتفع أسعار المواد الغذائية والوقود وتزيد من معاناة المواطن البريطاني وترفع من أسعار التضخم.
وفي مايو/ أيار الماضي ارتفع معدل التضخم إلى 9%، حسب مصلحة الإحصاء في لندن، وهو أعلى معدل له منذ اربعين عاماً. كما تعاني بريطانيا، وحسب تحليل في موقع " باوند ستيرلنغ" من نقص كبير في العمالة، حيث إن العديد من العمال الأوروبيين غادروا بريطانيا بعد "بريكست"، أي خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع أن يواجه رئيس الوزراء المقبل تحديات بناء فضاء تجاري بديل لفضاء بريكست وتوقيع مشروع الشراكة التجارية مع الولايات المتحدة الذي تعثر منذ تولي الرئيس الأميركي جو بايدن الحكم.
وانخفضت صادرات الأغذية البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي بمقدار 2.4 مليار جنيه إسترليني خلال أول 15 شهرًا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مدفوعة بانخفاض صادرات السلع القابلة للتلف بسبب الإجراءات الروتينية، مع انخفاض الطلب في ظل انتشار وباء "كوفيد-19".
وأظهرت بيانات تتبع الصادرات الصادرة عن هيئة الإيرادات والجمارك البريطانية (إتش إم آر سي) أن صادرات الأغذية البريطانية انخفضت بنسبة 19% إلى 10.4 مليار جنيه استرليني خلال 15 شهرًا منذ الأول من يناير 2021 وحتى 31 من مارس 2022.
يأتي ذلك انخفاضًا من 12.8 مليار جنيه إسترليني قبل الأشهر الـ 15 الماضية، وفقًا لمراجعة بيانات السلع التفصيلية من قبل شركة "هازلوودز شارتيرتد" المحاسبية، وكان هذا الانخفاض مدفوعًا بانخفاض صادرات السلع القابلة للتلف، من الفراولة البريطانية إلى الجبن.
وتراجعت صادرات الفاكهة والخضروات 44% من 1.5 مليار جنيه إسترليني قبل البريكست إلى 847 مليون إسترليني في الأشهر الـ 15 التالية، كما انخفضت صادرات اللحوم والأسماك 16% من 3.5 مليارات إسترليني إلى 2.9 مليار إسترليني خلال نفس الفترة، مع تراجع صادرات الألبان 13% من 1.6 مليار جنيه إسترليني إلى 1.4 مليار جنيه إسترليني.