تواصل الأسهم الأميركية قفزاتها القياسية في اتجاه مغاير لواقع الاقتصاد العالمي، الذي يتخوف من موجات تضخم عاتية بفعل أزمة سلاسل الإمدادات واشتعال أسعار الطاقة، ما يلقي بظلال سلبية واسعة على أسواق المال، ويثير مخاوف الكثيرين من دخول وول ستريت في فقاعة يمكن لها أن تنفجر في أي وقت.
لكن مؤشرات السوق في أكبر اقتصاد بالعالم تبدو متجاهلة كل أضواء الإنذار، وتراهن كثيراً على الاقتراب من ظاهرة "رالي سانتا كلوز" التي يترقبها المستثمرون بفارغ الصبر في نهاية كل عام.
وهذه الظاهرة تحدث في الأيام الخمسة الأخيرة من ديسمبر/ كانون الأول وأول يومين من العام الجديد، إذ تشهد الأسواق ارتفاعات كبيرة بفعل حالة التفاؤل في أوساط المستثمرين بالتزامن مع موسم الأعياد والعطلات، بالإضافة إلى تعديل المؤسسات الاستثمارية محافظها من خلال ضخ السيولة في الأسهم الرابحة قبيل موسم النتائج.
في الأيام الخمسة الأخيرة من ديسمبر وأول يومين من العام الجديد، تشهد الأسواق ارتفاعات كبيرة بفعل حالة التفاؤل في أوساط المستثمرين بالتزامن مع موسم الأعياد والعطلات
وتأتي التحركات الصعودية للأسهم بالتزامن مع رسائل طمأنة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) حيال معدل التضخم الآخذ في الارتفاع، والمتوقع أن يستمر حتى فترة متأخرة من العام المقبل 2022.
ونهاية الأسبوع الماضي، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" على سعر الفائدة القياسي من دون تغيير في نطاق من صفر إلى 0.25%، معتبرا أن التضخم المرتفع هو نتيجة عوامل "مؤقتة".
وقال جيروم باول، رئيس الفيدرالي، إن "إحراز تقدم في زيادة أعداد الحاصلين على اللقاح المضاد لفيروس كورونا والتراجع المتوقع في اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية سيساعدان على استمرار تعافي الاقتصاد وزيادة معدلات التوظيف وتخفيض معدل التضخم".
وهدّأت كلمات باول من روع المستثمرين، بعد أن سيطرت عليهم، لأسابيع، مخاوف توجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة على أموال البنك، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على أسعار الأسهم.
وتجاوز مؤشر "داو جونز" الصناعي الشهير مستوى 36 ألف نقطة، للمرة الأولى في تاريخه، عند إغلاق آخر جلسة تداول الجمعة، وارتفع مؤشر "ناسداك" الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا فوق مستوى 16 ألف نقطة لأول مرة أيضاً، وواصل مؤشر "إس آند بي 500" سلسلة ارتفاعاته سبعة أيام متتالية، ليصل إلى 4697.53 نقطة.
أعطت بيانات سوق العمل قوة دفع إضافية للأسهم الأميركية المنتعشة خلال الأشهر الأخيرة
وقال بن برنانكي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق الذي عاصر الأزمة المالية العالمية في 2008، إن "تراجع معدلات التضخم والنمو خلال العام القادم كما هو متوقع سيسمح للبنك الفيدرالي بتأخير رفع معدلات الفائدة، ربما إلى بدايات عام 2023"، متوقعا، في تصريحات صحافية أخيراً، أن يتخذ البنك خطوات حذرة باتجاه تخفيض دعم السياسة النقدية للاقتصاد.
والأربعاء الماضي، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أنه سيبدأ خفض شراء السندات التحفيزية في وقت لاحق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري مع تعافي الاقتصاد الأميركي من الوباء، لافتا إلى أنه سيخفض مشتريات سندات الخزانة بمقدار 10 مليارات دولار، ومشتريات الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية بمقدار 5 مليارات دولار في كل من الشهر الجاري وديسمبر/ كانون الأول المقبل.
كما أعطت بيانات سوق العمل قوة دفع إضافية للأسهم المنتعشة خلال الأشهر الأخيرة.
ويوم الجمعة الماضي، أعلنت وزارة العمل إضافة الشركات الأميركية 531 ألف وظيفة في أكتوبر/ تشرين الأول، رغم أن توقعات الاقتصاديين كانت قد رجحت عدم تجاوز رقم 450 ألفاً.
وقالت الوزارة إن انضمام ما يقرب من مائتي ألف امرأة إلى سوق العمل خلال الشهر الماضي ساهم في تحقيق القفزة في أرقام الوظائف الجديدة، وتسبب في تراجع معدل البطالة إلى 4.6%، ليكون الأدنى منذ ظهور الوباء في الأراضي الأميركية وانتشاره فيها خلال الربع الأول من 2020.
وقال جاي بستريشلي، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار زيجا فاينانشال، إن "تقرير الوظائف يؤكد قوة سوق العمل، ويدعم توجه البنك الفيدرالي لبدء إنقاص مشترياته من السندات".
وخلال تعاملات آخر أيام الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار ما يعرف باسم "أسهم الفتح"، حيث قفز سهم شركة "إكسبيديا" منظم الرحلات بأكثر من 15%، وارتفع سهما شركتي الطيران "يونايتد إيرلاينز" و"أميركان إيرلاينز" بنسبة 7% و5.7% على التوالي.
وربحت أسهم شركات الفنادق العائمة "رويال كاريبيان" و"كارنيفال" و"نورويجيان كروز" ما يقرب من 8%، في حين تراجعت أسهم "البقاء في المنزل" بصورة كبيرة، حيث فقد سهم شركة "بلوتون"، منتج معدات التدريب واللياقة في المنزل، أكثر من ثلث قيمته تزامناً مع الإعلان عن تحقيق الشركة خسائر فاقت التوقعات، وانتظارها المزيد من التراجع في الإيرادات خلال الفترة القادمة.
ورغم التفاؤل بارتفاع الأسهم الأميركية، فإن المخاوف من حدوث فقاعة تسيطر على الكثير من المستثمرين، إذ نصحت ليز آن، مسؤولة استراتيجيات الاستثمار لدى شركة الاستثمار والاستشارات شواب، المستثمرين في مذكرة بـ"التركيز على الشركات القوية بدلاً من الاستثمار في صناديق المؤشرات، وإعادة توزيع استثماراتهم بصورة أكثر دورية، للتغلب على التقلبات الكبيرة في الأسعار".
رغم التفاؤل بارتفاع الأسهم الأميركية، فإن المخاوف من حدوث فقاعة تسيطر على الكثير من المستثمرين
كما نصح سي تي فيزباتريك، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار فولكان فاليو بارتنرز، المستثمرين بالبحث عن الشركات القوية التي تعمل في المجالات التي يصعب الاستغناء عنها، والمعروفة باسم "الأسهم الدفاعية"، وعدم اختيار الأسهم منخفضة القيمة لو لم تتمتع بهاتين الصفتين، وذلك لتوفير ما يعرف بـ"هامش الأمان" عند انخفاض الأسعار.