رغم تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي خلال الأيام الأخيرة، لم يلمس السوريون أثراً لذلك على واقع معيشتهم، فقد خابت آمالهم في تراجع أسعار السلع، التي سجلت قفزات كبيرة بالتوازي مع صعود الدولار في فترات سابقة.
ووصل سعر صرف الدولار الواحد إلى نحو 3975 ليرة مؤخرا، بعد أن كان قد كسر حاجز 4000 ليرة مؤخراً. وعلى غير المتوقع، سجلت العديد من السلع ارتفاعاً جديداً في الأسعار، في الوقت الذي تتواصل فيه أزمات نقص الوقود والخبز والكثير من المنتجات.
وكان انخفاض سعر صرف الليرة المتسارع خلال الأسابيع الماضية، قد أدى إلى ارتفاع غير مسبوق لأسعار مختلف السلع، فأصبح كل شيء يباع على أساس تسعيره بالدولار، فتجد الآلة الحاسبة لا تفارق يد الباعة صغاراً كانوا أم كباراً، فهم دائما يحسبون سعر الصرف، بحسب نشرة غير رسمية يتم تداولها في السوق السوداء، والتي غالبا ما قد تشهد ثلاثة أسعار يومياً تبدأ بسعر الافتتاح وسعر منتصف النهار وسعر إغلاق السوق.
يقول ياسر قطيني (37 عاما)، موظف في شركة خاصة في دمشق لـ"العربي الجديد": "هبط الدولار والأسعار شبه ثابتة، ففي سورية الأسعار هي في اتجاه واحد، ما يرتفع لا يعرف الهبوط".
يضيف قطيني: "لا يوجد إلا حديث الانتصار الذي حققه النظام بتخفيض سعر الصرف، لكن ماذا ينفعني تخفيضه إن لم تنخفض الأسعار بشكل يسمح لأصحاب الدخول المسحوقة مثلي، بالحصول على احتياجاتهم الأساسية، فاليوم الدولار تراجع، إلا أن أسعار المواد الغذائية لم تتراجع، بل وشهدت أسعار الأدوات المنزلية ارتفاعا محدوداً، دون أي تأثر يذكر بانخفاض سعر صرف الدولار".
ويتابع "راتبي البالغ 200 ألف ليرة، يساوي تقريبا راتب أربعة موظفين في الدولة، ومع ذلك لا يكفيني لتأمين احتياجات أسرتي المكونة من 3 أشخاص وهي تعد أسرة صغيرة، ولا نفكر في زيادة أفراد الأسرة بسبب تردي الوضع الاقتصادي، ولولا عمل زوجتي ووجود دخل إضافي، وما يرسله لي أشقائي المغتربون لا يمكن لي الحصول على الحد الأدنى من مقومات الحياة".
ويقول إن "الـ 200 ألف ليرة تساوي اليوم بعد تحسن وضع الليرة نحو 50 دولاراً، في حين كان راتبي عام 2011 يساوي ألف دولار، طبعا لم يكن ذلك الدخل المميز، لكنه كان يسمح لي باستئجار منزل على أطراف دمشق، وتأمين الاحتياجات المعيشية الاساسية".
من جانبه، يقول أبو محمد إدريس (48 عاما)، صاحب محل لبيع أدوات منزلية في دمشق، لـ"العربي الجديد": "فوجئنا بأن هناك مواد ارتفع سعرها قليلا، ولا معلومات دقيقة حول سبب ذلك، لكن نشرة الأسعار تأتينا من تجار الجملة، وغالبا الأمر يتعلق بالمستوردين وتكاليف الاستيراد، لكن لا أحد يخرج على الناس ويخبرهم بالحقيقة".
ويضيف إدريس "التجار لا يثقون بقدرة النظام على ضبط سعر الصرف لفترة طويلة، بل الغالبية يعتقدون أن سعر الصرف سيرتفع من جديد بعد عيد الفطر، وعلى أبعد تقدير عقب إنجاز الانتخابات الرئاسية (نهاية مايو/ أيار)".
بدوره، يقول خبير اقتصادي في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه إن "الاقتصاد السوري منهار، حيث هناك توقف شبه كامل للإنتاج ولا تصدير يذكر، والثروات الباطنية غالبها خارج سيطرة النظام، ولا سياحة، وحتى تحويلات المغتربين دون المستوى المتوقع، ما يعني أن النظام فاقد لمصادر النقد الأجنبي، وما تم مؤخرا من دعم لسعر صرف الليرة، عبر رفع سعر الحوالات إلى نحو 2500 ليرة، وتمويل التجار بالعملة الصعبة، وغالبا ما يجري قد يكون عبر دعم خارجي بالنقد الأجنبي، وقد تم الحديث عن قرض روسي ميسر بنحو نصف مليار دولار".
ويضيف: "لا يمكن لأي دولة أن تخلق استقراراً للأسعار في سورية، طالما ليس هناك حركة إنتاج وإعادة إعمار، وهذا لن ينجز إن لم يتم الوصول إلى حل سياسي للأزمة، ما سيسمح بتخفيف العقوبات الاقتصادية إن لم نقل رفعها، وضخ أموال المنح والقروض الميسرة لتحريك الوضع الاقتصادي".
ويرى أن "مسألة سعر الصرف وإن كانت أحد المؤشرات المهمة، لكن يجب النظر إلى الفرق الشاسع بين الدخول والأسعار، والنظر في القوة الشرائية لليرة، وحركة الاستيراد والتصدير وغيرها من المؤشرات الاقتصادية التي تؤكد أن الاقتصاد السوري منهار". وارتفعت تكاليف معيشة الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، بحسب مركز "قاسيون" للدراسات، من العاصمة دمشق، من 773 ألف ليرة، مطلع العام الجاري، إلى مليون وأربعين ألف ليرة حالياً.