سيعود رئيس النظام السوري بشار الأسد من الصين محملاً بالوعود والاتفاقات، ولن يطلب اللجوء السياسي أو يتنحى عن السلطة من هناك، كما راق لـ"حالمين" سوريين تبرير زيارته إلى بكين، يوم الخميس، كأول زيارة لدولة غير عربية، بعد روسيا وإيران، منذ ثورة السوريين عام 2011.
ولتبرير التوجه شرقاً ومحاولة مناكفة واشنطن، ومحاولة تسويق أن النظام بخير ولم تهزه انتفاضة جنوبي سورية المستمرة منذ نيف وشهر، أشاعت "الرئاسة السورية" أن الزيارة تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وثمة جدول أعمال مكتظ ووفد سياسي واقتصادي ضخم مرافق، بل وسيكون بشار الأسد الضيف المفاجئ خلال حفل افتتاح الألعاب الآسيوية التي ستستضيفها مدينة هانغجو الصينية 23 سبتمبر/ أيلول الجاري.
ولم يفت أبواق الأسد الإعلامية، سواء داخل سورية أو بالإقليم، التذكير بالعلاقات الطيبة والوثيقة، مثل زيارة وزير خارجية الصين بعد "مهزلة الانتخابات السورية" في يوليو/ تموز من عام 2021. ومنها وقوف "التنين" إلى جانب "الأسد" خلال الزلزال الذي ضرب سورية في فبراير/ شباط الماضي، وإرسال مساعدات بنحو 5.9 ملايين دولار. وكذلك استخدام حق النقض "الفيتو" إلى جانب روسيا، عدا الامتناع عن التصويت لقرارات بمجلس الأمن، من شأنها إقصاء الجوعى والمحاصرين عن مخاطر الموت، كان آخرها في يوليو/ تموز الماضي، اعتراضاً على تجديد عملية إرسال مساعدات إلى شمال غربي سورية من تركيا لمدة 9 أشهر، بعد انتهاء مفعول هذه الآلية التي تتيح إيصال مساعدات لملايين القاطنين في مناطق تقع خارج سيطرة نظام الأسد.
قصارى القول: يجيد بشار الأسد ولا شك لعبة البيع وحسن توقيت العرض، ولعل في بيعه مرافئ سورية ونفطها وغازها لموسكو وطهران كلما اهتز كرسي الوراثة ودنا الثوار من إسقاطه أدلة، وبيعه حتى غذاء السوريين، لكسب ود "الحلفاء" وتحصيل ما يبقيه على قيد السلطة، أمثلة مستمرة وماثلة.
ولأن هبة الجغرافيا السورية التي لم تكن من إنجازات حركة تصحيح الأب الوارث أو من نتائج تطوير وتحديث الابن الوريث مطلب جيوسياسي صيني اليوم، لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، جاءت صفقة البيع وحسن استثمار الرياح التي هبت للأسد.
والصين التي تنتظر حصتها من كعكة خراب سورية، حاولت مراراً تسويق "الحرص والسيادة" عبر مبادرة طرحتها خلال زيارة الوزير وانغ بي عام 2021 وكرسّها عبر اجتماع فيديو "عن بعد" مع رئيس دبلوماسية الأسد، فيصل المقداد، لتسوية ما تراه صراعاً، ولعبة "الشعب يحدد مصيره ومستقبل بلاده بشكل مستقل".
ووجدت اليوم الفرصة سانحة، بعد يأس العرب من إصلاح الأسد وتحقيق، ولو جزءاً، من مبادرة خطوة بخطوة، أو ما أطلقه من وعود، قبل محاولة تسويقه وحضوره قمة جامعة الدول العربية الأخيرة في السعودية. تماماً كما يرى الأسد، أو يظن، أن طوق النجاة وإطالة حكم سورية سيأتيان عبر بكين.
ولأن الاقتصاد هو وجه السياسة الأقوى، يحاول الطرفان تمرير المرحلة عبر المصالح المتبادلة، فتزيد الصين حضورها الاقتصادي عبر البوابة السورية، وتزيد ترويج خطتها "طرق الحرير الجديدة" المعروفة اليوم، بمبادرة الحزام والطريق لإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وأفريقيا، خاصة أن سورية الأسد انضمت إلى هذا المشروع في يناير/ كانون الثاني 2022 وأبدت كل الاستعداد لتقديم المطلوب للحليف الصيني.
في المقابل، يحقق بشار الأسد بعض المكاسب الاقتصادية المباشرة، عبر منحة من هنا وقرض من هناك، ويؤسس لبيع ما تطلبه الصين، من جغرافيا وثروات وحصص إعادة الإعمار، بعد أن يسوّق استقرار بلاده وأن لديه بدائل، إن أشاح العرب بوجههم عن إعادة إنتاجه وتدويره.
نهاية القول: هي حقنة تسكين أو حبة تخدير من بوابة الإعلام لا أكثر، ربما تطيل المكوث على الكرسي لأجل، أو تسعف الاقتصاد المنهار لفترة.
بيد أن الصين، وبواقع التحركات الأميركية الأخيرة في سورية، وفي ظل الانهيار التام للاقتصاد، ليس في مصلحتها، خاصة بعد دخول المنطقة من بوابة مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين، حتى أن تفكر في المقايضة أو تضع تسويق ودعم الأسد في ميزان المقارنة والخسائر، فتجازف بعلاقاتها مع الخليج العربي، وتستفز واشنطن كرمى لحمل ميت إضافي، وإن تاجرت بجثته أو ناكفت بزيارته لرفع سقف مطلب هنا أو تسويق اتساع نفوذ هناك.