الأزمة تعيد تشكيل السوق العقاري التونسي: هجرة إلى المساكن الشعبية

09 فبراير 2022
ارتفاع كلفة بناء المساكن يصعد بالأسعار (فتحي بلايد/ فرانس برس)
+ الخط -

يتزايد طلب التونسيين على المساكن الشعبية وأحياء المدن العتيقة بحثاً عن إيجارات تتماشى مع قدراتهم الإنفاقية، وذلك بعدما ألقت الأزمة المعيشية في تونس ثقلها على تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. فقد بلغت الإيجارات في بعض أحياء مدن تونس الكبرى ضعف متوسط الدخل في البلاد، فيما تتعقد شروط الضمان التي تفرضها وكالات الوساطة العقارية.

وخلال العامين الماضيين عرفت الأسعار في تونس انفلاتاً غير مسبوق سواء في السلع الاستهلاكية أو الخدمات العامة التي تشمل أيضا الإيجارات. واقع فرض تغييرات عميقة في السلوك الاستهلاكي للتونسيين.

ويؤكد الخبير في قطاع العقارات توفيق بن خود حصول تغيير نوعي في الطلب على الإيجار، مشيراً إلى أن اختيار المسكن يأخذ اتجاهاً عكسياً، عبر ارتفاع طلب الإيجار في الأحياء الشعبية والمدن السكنية القديمة بسبب فقدان جزء من التونسيين دخولهم.

ويقول بن خود في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الإيجارات ككل القطاعات الاقتصادية محكومة بكلفة بناء المساكن، فيما غياب سياسة سكنية واضحة للدولة ساهم في رفع الأسعار إلى مستويات تجاوزت القدرة الإنفاقية للطبقة المتوسطة التي تشكل العصب الأساسي للمجتمع التونسي.

ويشرح أن الطبقة المتوسطة التي كانت تشكل نحو 60 في المائة من مجموع التونسيين هي الشريحة الأكثر طلباً على الإيجارات. ويؤكد بن خود أن تفقير هذه الطبقة بفعل الغلاء والتضخم وتضرر أعمال صغار التجار والصناعيين من الجائحة الصحية يمهد لإعادة تشكيل المشهد العقاري في تونس، عبر خلق كثافة سكانية عالية جداً داخل الأحياء الشعبية والمدن القديمة.

ويقول رضوان السلامي، الشاب الثلاثيني، إن هوامش الاختيار لدى طالبي المساكن تضيق بسبب الغلاء، لافتاً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الجيل الجديد من الموظفين والمنتمين للطبقة المتوسطة من أصحاب المهن، لم تعد لهم الإمكانية المالية الكافية للسكن في أحياء المدن الغالية. ويشير إلى أن سيطرة وكالات التأجير العقاري على نشاط الوساطة زادت كلفة الإيجارات، حيث تطلب الأخيرة الحصول على قيمة شهر إيجار فضلاً عن الضمانة المالية التي يحصل عليها صاحب العقار.

ومنذ سبعينات القرن الماضي اعتمدت السياسة السكنية للدولة على خلق أحياء سكنية (أحياء مبيت) موجهة بالأساس إلى الطبقة المتوسطة يشترك في إنشائها المطورون العقاريون في القطاعين الحكومي والخاص.

وقد قدمت السلطات على امتداد أكثر من ثلاثة عقود تسهيلات للموظفين من أجل امتلاك المساكن في هذه الأحياء التي تحافظ على نوع معين من التصنيف المجتمعي وتخلق عبر الأحياء السكنية حركة تجارية واقتصادية مهمة.

وبيّنت دراسة أجراها موقع "مبوّب" المتخصص في العقارات حول وضع سوق الإيجارات في تونس عام 2020، أن معدّل سعر الإيجار في العاصمة تونس يقدر بـ1360 دينارًا شهريًا بواقع تطور في السعر يتراوح ما بين 3 و5 في المائة كل ثلاثة أشهر.

وأبرزت الدراسة أن منطقة حدائق قرطاج والبحيرة 2 وقمرت تصنّف من بين الأغلى في تونس بأسعار تتراوح ما بين 2.951 ديناراً و 3129 ديناراً على التوالي، في مقابل 1.028 ديناراً في منطقة المنار و950 ديناراً في أحياء عين زغوان، في حين لا يتجاوز متوسط راتب موظف في القطاع الحكومي 1580 ديناراً. (الدولار يوازي 2.85 دينار تونسي).

ومن أجل إعادة تنظيم قطاع السكن وفتح آفاق جديدة تسمح بإعادة تمكين التونسيين من حق امتلاك مساكن أو الاستئجار بأسعار مدروسة يقترح المدير العام السابق لوكالة التطوير العقارية الحكومية (سنيت) نور الدين شيحة مراجعة المنظومة التشريعية المعتمدة في التعمير والسكن بهدف تحقيق تنمية عمرانية عادلة ومستدامة للمدن والتجمعات السكنية.

ويدعو شيحة في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى مراجعة آليات السيطرة على العقار في إطار استراتيجي قانوني وعملي يتلاءم مع حاجيات المدن الجديدة والأنسجة الحضرية العتيقة وإصلاح نظام التصرف في أملاك الدولة.

كذلك يقول شيحة إنه أصبح من الضروري تطوير الإطار التشريعي للسكن المعد للإيجار بوضع برنامج يرتكز على تحديث الإطار القانوني ومراجعة القوانين التي تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر لتواكب المتغيرات الاجتماعية الحالية.

وتؤكد سلمى عياد وهي وكيلة عقارية لـ"العربي الجديد" أن الأسعار تخضع لتقييمات عديدة، منها المنطقة السكنية ونوعية الشقق ومساحتها وقربها من المراكز الإدارية والتجارية الكبرى، لكنها لا تخضع لمقاييس الدخل والتضخم والقدرة الإنفاقية للباحثين عن الإيجارات، وهم في أغلبهم من أصحاب الرواتب أو المهن الصغرى، وفق قولها.

وتشرح أن الأزمات الاقتصادية التي مرت بها تونس في السنوات العشر الأخيرة لم تنل من سوق إيجارات العقارات بمختلف أنواعها، التي ظلت تسجل قفزات من دون الاكتراث بتراجع مستوى المعيشة ولا بنسب التضخم المتفاقمة.

المساهمون