الأزمة الاقتصادية في لبنان تفاقم تحديات المرأة وتدفعها خارج سوق العمل

08 مارس 2023
تستهلك المهام الأسرية جزءاً كبيراً من وقت المرأة اللبنانية (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

ضاعفت الأزمة المالية التي يعيشها لبنان منذ أواخر عام 2019 التحديات أمام المرأة وزادت من عوائق انخراطها أو تقدّمها في سوق العمل وسط تعرّضها لـ"عنفٍ اقتصادي" في مجتمع يقيّد النساء بأدوار جندرية نمطية تحدّ من تطورها المهني، خصوصاً في ظل عدم المساواة بين الجنسين في أعمال الرعاية والمهام المنزلية.

واحتل لبنان المرتبة 132 من بين 156 دولة في تقرير المنتدى الاقتصادي عن الفجوة بين الجنسين لعام 2021، في ترتيب يرتبط بصورة أساسية بمركز لبنان المتدني للغاية في المؤشر الفرعي للمشاركة والفرص الاقتصادية (المرتبة 139)، إذ سجّل أدنى معدلات لمشاركة المرأة في سوق العمل على الصعيد العالمي (25% مقابل 76% للرجال).

وتبعاً للتقارير الصادرة عن منظمات حقوقية ودولية، فإن أحد العوائق الأساسية أمام مشاركة المرأة في سوق العمل هو ما يتوقع منها أن تؤديه من دور في المجتمع وفي أسرتها ومن أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر.

ووفق معهد "ماكينزي" العالمي، فإن النساء في المنطقة العربية يؤدين ما بين 80 و90 في المائة من مجمل مهام الرعاية غير مدفوعة الأجر، في حين أن منظمة العمل الدولية تشير إلى قضاء النساء 4.7 أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجال في تأدية هذا النوع من المهام.

تداعيات الأزمة الاقتصادية

في السياق، تقول الناشطة النسوية منال سعيد، لـ"العربي الجديد"، إن "النساء عامة، وفي لبنان خاصة، هنّ الأكثر عرضة للآثار المدمّرة لأي أزمة اقتصادية، حتى تلك الصحية المرتبطة بجائحة كورونا فاقمت معاناتها، باعتبار أن الإجراءات والقيود التي فرضت الاقفال العام، واغلاق المدارس ومراكز الرعاية النهارية للأطفال، زادت من حصة المرأة في أعمال الرعاية، وأثرت تالياً على مسيرتها المهنية وضعّفت تمكينها الاقتصادي".

وتعتبر سعيد، وهي أيضاً رئيسة "الاتحاد النسائي التقدمي"، أن "ما تعاني منه المرأة من إجحاف في الحياة الاقتصادية هو نوعٌ من أنواع العنف الاقتصادي، ما يحتّم إعادة النظر بقسمة الأدوار الرعائية للمساهمة فعلاً في إدخال النساء إلى سوق العمل، والأهم إيجاد آليات حمائية للسيدات اللواتي يقمن فقط بأنشطة الرعاية المباشرة وغير المباشرة، تجعلها مرئية ومعترف بها".

وإذ تشدد سعيد على أن كل النساء هنّ عاملات، لكن قلّة قليلة منهن تتقاضى أجراً، بحيث لا تتخطى النسبة 28% من القوى العاملة، تشير إلى أن أهم الأسباب وراء عدم انخراط المرأة في سوق العمل ترتبط بالأعمال الرعائية غير مدفوعة الأجر.

ولفتت إلى أن التسرّب من سوق العمل يحصل بعمر عادة تختار فيه الشابة أن تتزوج وتنجب الأطفال، وهذا يعود إلى الأعراف الاجتماعية السائدة والموروثات والتقاليد التي تظهر النساء أنهن من مقدمات الرعاية الأساسية لأسرهنّ، وهو ما يهدد فرصهنّ في تحقيق مسيرة مهنية ويضعف تمكينهم الاقتصادي والذاتي، عدا عن أن هناك مناطق محافظة جداً ترفض أساساً دخول النساء إلى سوق العمل.

وتلفت سعيد إلى أن الأزمة في لبنان فاقمت العنف الاقتصادي الذي تعرّضت له المرأة، وهناك حالات كثيرة يطلب فيها الرجل من المرأة ترك عملها، باعتبار أن راتبها لا يساوي شيئاً وبالكاد يكفي لتعبئة الوقود مثلاً، فكانت الحلقة الأضعف.

وأضافت: "هنا تنبغي الإضاءة أيضاً على الفجوة الكبيرة بالأجور بين الجنسين، كما أن النساء العاملات اللواتي كن يعتمدن على عاملات المنازل للمساعدة، ولم يعد بمقدورهنّ الاستعانة بهنّ، اضطررن أيضاً لترك العمل للقيام بالأعمال المنزلية".

وقالت: "إننا مجتمع غير صديق للمرأة العاملة، ففي ظل عدم كفاية حضانات الأطفال، أو غلاء أقساطها، تضطر الأم العاملة للخروج من سوق العمل".

وتتوقف سعيد عند ورش عمل تدريبية نفذتها جمعية الاتحاد النسائي التقدمي وبالشراكة مع تحالف "FEM PAWER" تسلط الضوء على حقوق النساء الاقتصادية وأهمية إشراك الرجل في أعمال الرعاية، ما يرتد إيجاباً على المرأة ودورها في سوق العمل.

وأشارت أيضاً إلى أهمية سدّ الكثير من الثغرات القانونية، وتحسين السياسات الاقتصادية والرقابية لردع المخالفات والتمييز بين الجنسين، وأهمية تطوير إجازة الأمومة وحتى الأبوة شبه المعدومة في المجتمع العربي.

تمييز جندري

بدورها، تقول الناشطة والمتخصصة في الشؤون الجندرية هند حمدان، لـ"العربي الجديد"، إن النظام الممنهج و"المركّب" اقتصادياً واجتماعياً واخلاقياً وقانونياً يميّز بالأساس ضد النساء، بطريقة تجعلهنّ الأكثر تهميشاً وتالياً الأكثر تأثراً بالأزمات.

وتتوقف حمدان عند نقطة مهمة جداً تتمثل بهبوط نسبة انخراط المرأة في سوق العمل من 35 في المائة تقريباً إلى أقل من 25 في المائة بمجرد أن تتزوج وتنجب الطفل الأول.

وأضافت أن هذا مؤشر يظهر كيف أن الدور الاجتماعي وأنشطة الرعاية المباشرة وغير المباشرة ملقاة على عاتق المرأة مع غياب تام لدور الرجل الذي قد يقتصر على أعمال منزلية محددة وبسيطة، الأمر الذي يدفع المرأة حكماً وبطريقة مفاجئة وتلقائية خارج سوق العمل، ويحصر موجباتها بتلك المنزلية الأسرية.

كما تتوقف حمدان عند ظاهرة "فقر الوقت"، وهي الأكثر انتشاراً وتأثيراً على صحة النساء الجسدية والنفسية، وتمكينهنّ الاقتصادي والذاتي، وفعاليتهنّ في المجتمع، إذ إن النساء العاملات خصوصاً في ظروف صعبة وشاقة يواجهن ما يعرف بفقر الوقت، الذي تفاقمه أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر.

وتقول حمدان في هذا الإطار إن النساء اللواتي يعملن في وظائف مدفوعة الأجر إلى جانب أنشطة الرعاية تلقى على كواهلهنّ أعمال كثيرة من دون أن يكون لديهنّ الوقت الكافي لذلك، ما يضعهنّ أمام واقع فقر الوقت، الذي قد يدفع بهنّ إلى اتخاذ قرارات خارجة عن إرادتهنّ وطموحاتهنّ، كترك سوق العمل، أو تقليص ساعات العمل أو العمل من المنزل، وخطوات أخرى تؤثر سلباً على تطورهنّ المهني والشخصي، عدا عن تأثيرات ذلك المتمثلة بإهمالهن العناية بأنفسهنّ.

أيضاً، تلفت حمدان إلى أن الأزمة الاقتصادية والفجوة الكبيرة في الأجور تؤثر سلباً على المرأة، وهو ما يدفع الرجل مثلاً إلى الطلب من زوجته ترك العمل والتفرّغ فقط لأعمال الرعاية، ما يزيد من مساحة تهميشها.

المساهمون