ينقطع التيار الكهربائي في لبنان بشكلٍ شبه متواصل، فتضيق البيوت على سكانها في ظل ارتفاع درجات الحرارة. مشهد افتراش "الشرفات" ليلاً أصبح طبيعياً، فيما يمر النهار ببطءٍ شديد في البيوت، الأمر الذي يدفع العديدين إلى الهروب نحو المساحات العامة.
لكن في ظل الانهيار المالي الذي يقع على رؤوس الأكثر فقراً، أصبحت الأسر تحتسب أيضاً كلفة هذا الخيار، ومنها ثمن المواصلات والطعام. أما عن المسابح والفنادق والمنتجعات السياحية فهي لا تشكل ملجأ إلا لنسبة قليلة من الذين يملكون العملة الصعبة.
يظل متنزه نهر الأولي في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، مزدحماً طيلة أيام الأسبوع، يقصده سكان المدينة أو آخرون من بيروت وغيرها من المدن كمتنفسٍ غير مكلفٍ لهم. عائلة كاملة هنا على ضفاف النهر أتت من منطقة المصيطبة (بيروت)، وهي مكونة من الوالد والوالدة و4 أخوات و5 أحفاد.
تقول هاجر جكمرا، إحدى الأخوات، لـ"العربي الجديد": "ذهبنا في الأسابيع السابقة إلى كورنيش عين المريسة والمنارة في بيروت، لكنه أصبح مزدحماً كثيرا، فقررنا الخروج من منطقة بيروت".
تضيف "لا نقدر على البقاء نهاراً في المنزل حيث ترتفع درجات الحرارة وتغيب الكهرباء، أما اشتراك المولد فكلفته مقابل 4 ساعات تغذية ليلاً 850 ألف ليرة" (الدولار حوالي 19 ألف ليرة). تكمل "يكلفنا المجيء إلى هنا ثمن طعامٍ لعائلتنا الكبيرة وما يقارب 100 ألف ليرة ثمن بنزين، فيما كلفة دخول المسابح مرتفعة، فبعضها يتطلب دخولها 50 ألف ليرة".
وارتفعت تعرفة النقل الرسمية بنسبة 50 في المائة وأصبحت تسعيرة سيارة الأجرة 6000 ليرة رسمياً، إلا أن أصحاب سيارات الأجرة لا يلتزمون بهذه التسعيرة نظراً لشح مادة البنزين إلا من السوق السوداء، الأمر الذي يزيد أكلاف العائلات من محدودي الدخل حيث، ما زال الحد الأدنى للأجور عند 650 ألف ليرة.
تعيش نجمة خوشو مع زوجها في منطقة الفوار في صيدا، حيث لا دخل شهريا ثابتا لهما. تقول لـ"العربي الجديد": "جئت إلى المتنزه مع صهري وابنتي، لكن لوحدي لا أقدر على دفع ثمن مواصلات. يذهب زوجي (80 عاماً)، يومياً مشياً على الأقدام نظراً لارتفاع تسعيرة التاكسي. أما في ساعات النهار فنحن نختنق بالفعل، ولا نعلم إلى أين نذهب إلا إلى هذه المساحات".
يقول بيار أشقر، رئيس نقابة المنتجعات السياحية، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك فجوة بين المداخيل وأسعار أماكن الترفيه، فهناك شريحة واسعة من الناس قاطعت الذهاب إلى المسابح. لذا تعتمد الأخيرة على المغتربين اللبنانيين أو الذين ما زالت لديهم أموال في المصارف بالدولار ويسحبونها ولو بالتقسيط".
أما عن التراجع في أعمال القطاع، فيشرح "تعاني المؤسسات السياحية اليوم من تراجعٍ في المداخيل بين 60 إلى 70 في المائة، فمثلاً في بعض الفنادق كان سعر الغرفة يومياً 200 دولار أما اليوم فيصل السعر إلى ربع هذه القيمة". يضيف "لقد بدأ القطاع في اعتماد سياسة المقاومة للبقاء، بالإضافة لاعتماد بعض الحلول المؤقتة، وهي أيضاً طويلة المدى، مثل تسكير بعض الأقسام أو الاعتماد في الإنارة على الطاقة الشمسية".