الأزمة أكبر من الحكومة

01 نوفمبر 2016
الشباب المصري يريد استعادة حقوقه (ابراهيم رمضان/ الأناضول)
+ الخط -
حتى لو تمت إقالة الحكومة المصرية، التي يترأسها شريف إسماعيل، بأكملها، كما يتردد الآن داخل أروقة البرلمان وفي الفضائيات، هل سيحل ذلك الأزمات العنيفة التي يعاني منها الاقتصاد المتردي، وينهي حالة الكساد والركود التي تشهدها الأسواق منذ شهور؟

حتى ولو تمت إقالة محافظ البنك المركزي، طارق عامر، هل سيحل ذلك أزمة الدولار ويعيد الهيبة لقيمة الجنيه الذي بات يشهد انهيارات يومية متواصلة لم يتوقعها حتى أشد المتشائمين؟، أو يعيد بناء أصول البنوك الأجنبية التي تجاوز العجز بها حاجز المائة مليار جنيه؟

حتى ولم تم تعويم الجنيه المصري ومعه تم القضاء على السوق السوداء للعملة واضطرابات سوق الصرف، هل سيعيد ذلك الاستثمارات الأجنبية الهاربة ويقنع المستثمرين المحليين بضخ استثمارات جديدة؟

حتى لو حصلت البلاد على قروض خارجية بقيمة 21 مليار دولار، سواء من صندوق النقد الدولي أو غيرها من المؤسسات المالية الدولية، هل هذا كفيل بتوفير السلع الرئيسية للمواطن مثل الأرز والعدس والأدوية وألبان الأطفال وبالسعر المناسب؟

بالطبع إقالة وزير أو رئيس الوزراء أو حتى محافظ البنك المركزي، لن تحل حالة الاختناق الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، ولن تخفض أسعار السلع الجنونية داخل الأسواق، ولن توقف زحف الدولار المقدس، ولن تجمد موجة ارتفاعات معدلات التضخم، ولن تعيد النشاط لقطاعات حيوية تعرضت للانهيار، مثل السياحة التي لا تتجاوز حصيلتها المليار دولار، مقابل 14 ملياراً قبل ثورة 25 يناير إذا ما أخذنا في الاعتبار أن إيرادات السياحة حالياً تدور حول 3 مليارات دولار وهو مبلغ يعادل ما ينفقه المصريون على السياحة في الخارج.

إقالة الحكومة لن تخفض كذلك نسب البطالة العالية المتفشية بين الشباب، ولن تقلل عدد الفقراء الذين تجاوزت نسبتهم 50% من عدد السكان، ولن يترتب على الإقالة توفير حياة كريمة لأرملة أو مطلقة، ولن تسد بطن فقير جائع، ولن توقف مسلسل انتشار الفساد، ولن توفر حماية تأمينية وصحية لملايين المصريين الذين دهسهم قطار الفقر والغلاء.

نعم، الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الملف الاقتصادي، وسببت كوارث متتالية للمواطن، ويكفي أن نقول إن أسعار السلع زادت 100% خلال الفترة الأخيرة رغم 5 وعود رئاسية بخفضها، وأن الدين العام المحلي زاد بنسبة 23% في عام واحد فقط وهو ما يعادل زيادة الدين خلال فترة تمتد لنحو 30 عاما هي فترة حكم مبارك، وأن هناك نحو 5 آلاف مصنع أغلقت أبوابها وشردت عمالها، وأن حصيلة البلاد الدولارية من تحويلات العاملين بالخارج والصادرات تراجعت بشدة.

لكن، هل إقالة الحكومة يمكن أن تفك حالة الاختناق التي يعاني منها الاقتصاد والمواطن والمستثمرون ومجتمع الأعمال؟

بالطبع لا، فالأزمة الاقتصادية الحالية أكبر من حكومة تضم مجموعة هواة قريبين من دائرة صنع القرار ومرضي عنهم سياسياً، حكومة تضم عدداً من الوزراء السكرتارية الذين ينفذون فقط القرارات الفوقية دون مناقشتها، حتى ولو كانت هذه المشروعات ليس لها جدوى اقتصادية، ولا تراعي المعايير العلمية، ولا تمت لقواعد إدارة الاقتصاد بشيء، ولا تشكل أهمية آنية سواء للاقتصاد أو الموطن.

خذ مثلاً مشروعات تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات، التي تم هدر مليارات الجنيهات بها دون أن تنعكس على الموطن وأحواله المعيشية.

في رأيي، فإن النظام الحاكم هو المسؤول الأول والأخير عن حالة التردي التي تشهدها كل القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في مصر، فالموارد المالية المحدودة للمجتمع تم صرفها على مشروعات لا طائل منها، 64 مليار جنيه مثلا على تفريعة قناة السويس.

والنظام أهدر 60 مليار دولار قيمة مساعدات ومنح وقروض خليجية حصل عليها خلال السنوات الثلاث الماضية ولم تنعكس على حياة المواطن، والنظام هو الذي خدر المصريين بمشروعات وهمية عملاقة، لم، وربما لن، ترى النور مثل المليون وحدة سكنية واستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان.

إذا أردنا الخروج من المأزق الكبير، الذي يعاني منه الاقتصاد المصري حالياً، فإن البلاد في حاجة لاستقرار سياسي حقيقي، لا استقرار مفتعل، استقرار يشعر فيه كل مواطن أن صوته ورأيه محترمان، وأن هذا المواطن يشارك في صنع مستقبله ويستفيد من موارد بلاده، استقرار به مناخ جيد للعمل وزيادة الإنتاج، لأن لديه حكومة تحترم القوانين، ولا تعتقل الآلاف من خصومها السياسيين، استقرار يشجع الشباب على العمل والإبداع لا أن يزج بهم في السجون والمعتقلات.

المساهمون