فاز منتخب الأرجنتين بكأس العالم 2022، وتوجت الدولة الواقعة في قارة أميركا الجنوبية باللقب الثالث في كأس العالم بتاريخها، بعد مباراة مجنونة أمام فرنسا حاملة اللقب.
وشكل تتويج المنتخب الأرجنتيني بمونديال قطر لكرة القدم 2022 حدثاً استثنائياً وقريدا، ونجح ليونيل ميسي في قيادة المنتخب للقب ليعانق كأس العالم "فيفا" قطر 2022 كما شاهده الملايين في حفل الختام.
وخلال مباراة مثيرة وضاغطة على الأعصاب استمتع مشجعو كرة القدم بنهائي استثنائي لكأس العالم صنع خلاله ميسي واحدة من أجمل مبارياته، وقاد الأرجنتين للفوز على فرنسا بركلات الترجيح.
عندما يعود ميسي ورفاقه إلى الأرجنتين فإنهم يواجهون واقعا مرا ومعقدا على مستوى المشهد المالي والاقتصادي والأحوال المعيشية للمواطن
وخلال تلك المباراة كان ميسي الأكثر متعة بين اللاعبين، والأكثر تأثيرا بتسجيل وصناعة الهدف تلو الآخر حيث تفوق بالأرقام والبطولات والألقاب على مارادونا، كما حقق الحلم الذي كان يراوده منذ سنوات وقاد منتخب بلاده للتتويج في أكبر حدث رياضي في العالم.
لكن عندما يعود ميسي ورفاقه إلى الأرجنتين فإنهم يواجهون واقعا مرا ومعقدا على مستوى المشهد المالي والاقتصادي والأحوال المعيشية للمواطن، حيث اقتصاد غارق في الديون الخارجية تتجاوز قيمته 150 مليار دولار، منها 44 مليار دولار مستحقة لصندوق النقد الدولي وتمثل نحو 30% من ديون الدول من الصندوق، وهو ما يضعها ضمن الدول الأعلى في مرتبة احتمال التعثر والتخلف عن سداد تلك الديون.
وطوال سنوات أغرق صندوق النقد الأرجنتين في وحل الديون والاستدانة المفرطة والاضطرابات الاقتصادية والشعبية، وأغرق معها عملتها الوطنية البيزو، ولذا وجدنا الأرجنتين صاحبة الرقم القياسي العالمي في التخلف عن سداد الديون السيادية.
وقبل شهور كانت البلاد تواجه خطر التخلف عن السداد، وهو ما دفع الحكومة نحو الاستنجاد بصندوق النقد الدولي والتوصّل معه لاتفاقٍ جديدٍ في سبتمبر/أيلول الماضي يسمح لها بإعادة جدولة ديونها.
كما أعلن الصندوق أنه توصل إلى اتفاق أولي مع الأرجنتين بشأن المراجعة الثانية لـ "تسهيل الصندوق الممدد" تحصل بموجبه بوينس آيرس على قرض بنحو 3.9 مليارات دولار.
طوال سنوات أغرق صندوق النقد الأرجنتين في وحل الديون والاستدانة المفرطة والاضطرابات الاقتصادية والشعبية، وأغرق معها عملتها البيزو
وهناك معدل تضخم داخل الأرجنتين هو الأعلى في العالم، إذ من المتوقع أن يزيد عن 100% في نهاية العام 2022 مقابل نحو 88% حالياً، وهو ما ألحق أضراراً كبرى باقتصاد البلاد والقدرة الشرائية للمواطن، وألحق أضراراً بالغة كذلك بالعملة الوطنية التي تتراجع بشكل مستمر مقابل الدولار.
كما يعاني أكثر من 40 بالمائة من سكان الأرجنتين من الفقر. وشهدت البلاد احتجاجات شعبية قبل شهور للمطالبة برفع الأجور في ظل زيادة كبيرة للأسعار وضعف العملة المحلية، وهو الأمر الذي تسبب في حدوث فوضى بعدما فقد الناس قوتهم الشرائية.
صحيح أنّ الملايين من المواطنين سيخرجون إلى الشوارع هذه الأيام للاحتفال بإحراز الأرجنتين اللقب المونديالي، وسيعيشون بعض الفرح المؤقت والمرحلي، وسيخضوعون لسياسة الإلهاء بالانتصارات الرياضية.
لكن سرعان ما يعود هؤلاء إلى الواقع المرير، حيث غلاء قياسي وفجوات اجتماعية بين الطبقات، وتباطؤ في النمو الاقتصادي، وتآكل في المدخرات الوطنية.
فوز المنتخب الأرجنتيني بكأس العالم يمكن أن يرفع معنويات الشعب لبعض الوقت، لكن لن يحل الأزمات الاقتصادية المعقدة والمتراكمة.
هل يعثر الأرجنتينيون على ميسي اقتصادي يقود البلاد في هذه المرحلة الحرجة، ويعيد الهيبة لعملتهم الوطنية وينقذهم من صندوق النقد؟
صحيح أنه يمكن استغلال هذا الحدث الرياضي الاستثنائي في تحقيق مكاسب اقتصادية سواء على مستوى الترويج للسياحة والصادرات الأرجنتينية وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية والتدفقات الدولارية وتحويلات المغتربين.
لكنّ إدارة هذه المنظومة والاستفادة من أجواء كأس العالم وغيرها في حاجة إلى شخصية اقتصادية ومالية فذة ومحترفة، فهل يعثر الأرجنتينيون على ميسي اقتصادي يقود البلاد في هذه المرحلة الحرجة، ويعيد الهيبة لعملتهم الوطنية، وينقذ البلاد من الغرق في الديون والإفلاس المالي أو الوقوع في أزمة مشابهة لأزمة الكساد الأرجنتيني العظيم التي حدثت ما بين عامي 1998 و2002، ويرفض إملاءات صندوق النقد وشروطه المجحفة بحق المواطن والاقتصاد؟