الأجور تؤجج أزمة بين الحكومة المصرية والشركات

29 يونيو 2023
عاملات في مصنع للأقمشة في القاهرة (خالد الدسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

ألزمت الحكومة المصرية القطاع الخاص برفع أجور العاملين في الشركات بنسبة 11 في المائة اعتبارا من شهر يوليو/ تموز المقبل. تأتي الزيادة الجديدة الثانية من نوعها هذا العام، عقب قرار مماثل صدر في يناير/ كانون الثاني الماضي، استهدف زيادة الأجور بنحو 12.5 في المائة، وقد تهربت الشركات من تنفيذه.

وارتفعت الأجور في يناير من 2400 إلى 2700 جنيه شهريا، فيما يصل الحد الأدنى للأجر في يوليو إلى 3 آلاف جنيه للعامل. يعتبر العمال الزيادة غير مواكبة للتضخم، مع التراجع بقيمة الأجر الحقيقي بنسبة تزيد عن 60 في المائة نتيجة التدهور المستمر في قيمة الجنيه منذ مارس/ آذار 2022، وزيادة معدل التضخم الأساسي وفقا للبنك المركزي إلى 40.3 في المائة، وتضخم أسعار المستهلكين بمعدلات غير مسبوقة وصلت إلى 33.7 في المائة ويتوقع ارتفاعه إلى 35 في المائة، مع بدء تطبيق العلاوة المرتقبة.

وجاءت الزيادة وفق تعليمات رئاسية، لتستهدف امتصاص غضب شعبي مكتوم من غلاء المعيشة، فيما يعتبرها مستثمرون ضغوطا في غير محلها بعد أزمات دولية وسياسات اقتصادية خاطئة.

في المقابل، أكد عدد من أصحاب الأعمال لـ "العربي الجديد" تدهور أحوال الشركات التي تعاني من ركود خاصة في القطاع الخاص غير النفطي، للشهر الثلاثين على التوالي، مدفوعاً بشح الدولار وقيود على الواردات وندرة السلع ومستلزمات الإنتاج، ما يجبر الشركات على تخفيض العمالة، وتقليص التشغيل.

واتهم رجال أعمال الحكومة بتصدير أعباء مالية إلى القطاع الخاص، وسط انفلات حكومي في الإنفاق العام، وعدم مساواة في إسناد المناقصات للشركات الخاصة، مع تفضيلها الشركات التابعة للجيش والجهات السيادية والعامة وهيئات حكومية، "ما قلص من دور القطاع الخاص الذي يتحمل تشغيل أغلبية الفئات العمرية المدرجة في سن التشغيل"، وفق تعبير المصادر.

وتلقت الحكومة تحذيرات من صندوق النقد الدولي وجهات دولية بسبب زيادة معدلات الفقر، أدت إلى مخاوف من حدوث اضطرابات اجتماعية، جراء تنفيذ برنامج اقتصادي يستهدف خفض معدلات النمو ومرونة سعر الصرف، في وقت يتعرض فيه الجنيه لضغوط تزيد من معدلات التضخم والغلاء.

وطلب الصندوق من الحكومة توفير دعم نقدي للطبقات الهشة المعرضة لتدهور شديد في الدخل، والتخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية برفع الحد الأدنى للأجور، وتحقيق المساواة في المعاملة بين القطاعين الحكومي والخاص، منوها إلى أهمية رفع الضغوط عن الأسر منخفضة الدخل، بعد أن بلغ التضخم حدا قياسيا بالمدن في مايو/ أيار الماضي، وتراجع الجنيه أمام الدولار ليوازي 31 جنيهاً رسميا وحوالي 40 جنيهاً في السوق الموازية.

وقرر المجلس القومي للأجور رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص، مطلع يوليو، وعقد اجتماع آخر في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لمراجعة معدلات الزيادة في الأسعار، تمهيدا لرفع جديد للأجور والعمل على توحيد الحد الأدنى للدخل بين العاملين بالقطاعين الخاص والعام، الذي بلغ 3500 جنيه، منذ أبريل/ نيسان الماضي.

وتحدثت هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن اتفاق المجلس القومي للأجور على ضرورة تحقيق التوازن بين مصلحة العمال وأصحاب الأعمال، ومجاراة التغيرات الاقتصادية الجارية وارتفاع معدلات التضخم. وأكدت في بيان أن قرار المجلس اتخذ بعد مناقشات مستفيضة، راعت مصلحة الجميع. وأيد حسن شحاته وزير العمل، دعم الحكومة لحقوق العمال، مع الحفاظ على استقرار المنشآت وزيادة الإنتاج.

ورفعت الحكومة معاشات 11 مليون مواطن، على ثلاث دفعات متتالية، جاء المنتسبون إلى المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية الأوفر حظا بمعاشات تعادل عدة أضعاف ما يتقاضاه الأطباء والمهندسون والمعلمون، بينما العاملون بالصحة والإدارة المحلية يأتون بأدنى سلم المعاشات. واعتبر باسم حلقة رئيس اللجنة النقابية للعاملين بالسياحة قرار المجلس الأعلى للأجور ملزما لكافة الأطراف بالدولة، مشيرا إلى أن المجلس يضم وزارات التخطيط والقوى العاملة، وممثلي منظمات أصحاب الأعمال والنقابات العمالية.

وأشار في حديثه مع " العربي الجديد" إلى أن المفاوضات تجري أثناء اتخاذ القرار بين ثلاثة أطراف هم، الحكومة ورجال الأعمال وممثلو العمال، فإذا صدر القرار بالتوافق أصبح ملزما للجميع، حيث تعلن التعليمات والإجراءات للتنفيذ الفوري.

وأكد حلقة أن القانون يمنح أصحاب الأعمال حق تأجيل تنفيذ القرار لمدة تصل إلى 6 أشهر، تعاد بعدها المفاوضات حول إجراءات التنفيذ، وفي حالة إصرار المجلس على تطبيق قرار الزيادة تصبح ملزمة لأصحاب الأعمال. وبيّن حلقة أن الدولة تجبر جهة العمل على رفع الرواتب والأجور المسجلة لدى الشركات، وتبدأ بتحصيل الضرائب والتأمينات الاجتماعية والصحية، وفقا للحد الأدنى المقرر من المجلس الأعلى للأجور.

وأشار الخبير النقابي إلى خشية الحكومة من أن عدم رفع الحد الأدنى للأجور، سيزيد من تدني مستويات الدخل وارتفاع معدلات التضخم والغلاء، بما يتطلب تدخل الدولة لإعادة النظر في أجور العاملين بالقطاع الخاص الذي حرم أغلب العاملين فيه من الزيادة في الحد الأدنى، بينما لجأت الحكومة إلى زيادة الأجر للعاملين بالدولة، 3 مرات متتالية. وأكد حلقة أهمية إرضاء الناس والسيطرة على الغضب التي ينتاب البعض نتيجة غلاء الأسعار. وذكر حلقة أن القطاع الخاص لن يفلت هذه المرة من زيادة الأجور، لافتاً إلى قدرة الحكومة على ملاحقة المخالفين عبر لجان التفتيش التابعة لوزارة القوى العاملة، التي تتولى مراجعة ملفات العاملين بالشركات، وعقود العمل، والتأكد من تنفيذ قرارات المجلس الأعلى للأجور، وفي حالة المخالفة تستطيع توقيع غرامة على صاحب المنشأة في حدود 50 ألف جنيه، وإذا تكرر الأمر يمكن أن تزيد العقوبات، إلى مرحلة الملاحقة القانونية للمسؤولين. وتلفت مصادر "العربي الجديد" إلى أنه حين قرر المجلس زيادة بنسبة 12.5 في المائة على الأجور في يناير الماضي، لم تلتزم أغلب الشركات وخاصة قطاعات السياحة والبناء والتشييد، التي طلبت مهلة 6 أشهر، إلى حين عودة الحركة السياحة وخروج القطاع العقاري من الركود والتعثر المالي. وأكد علاء السقطي عضو المجلس الأعلى للأجور، ورئيس اتحاد جمعيات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وجود 21 مليون عامل مثبتين بالشركات الخاصة، بالإضافة إلى 7 ملايين عامل بالقطاع غير الرسمي. وأوضح السقطي في تصريح صحافي أن القطاع الخاص لديه مميزات موازية للرواتب، تزيد من القيمة الحقيقية للأجور ولا تظهر في الكشوف الشهرية، وترصد بنفقات صاحب العمل على الموظفين.

وأشار السقطي إلى حرص شركات القطاع الخاص، على توفير المواصلات لنقل العامل من مقر اقامته لجهة العمل، ووجبة غذائية ونفقات ترفيهية، مؤكدا أن المشاكل التي يمر بها القطاع الخاص حاليا من عدم قدرته على توفير مستلزمات الإنتاج والتشغيل بكفاءة، قد تدفعه إلى تأجيل تنفيذ الزيادة في الأجور التي تطلبها الحكومة.

ويأمل محللون أن يسهم قرار زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخص، في زيادة الطلب على السلع الأساسية، بما يخفف من حدة الركود بالمصانع والشركات المتأثرة بزيادة التكاليف مع ندرة الطلب، ويمكن المواطنين من رفع مستواهم المعيشي.

ودعت مصادر من رجال أعمال الحكومة إلى ضرورة الالتزام بتقديم قروض منخفضة الفائدة لدعم الأنشطة الصناعية والإنتاجية، والخدمية، وخاصة السياحة والعقارات، التي تأثرت بشدة في السنوات الماضية، وتعمل بها نسبة عالية من العاملين دون حدود الحد الأدنى للأجر الذي فرضته الحكومة.

وأشار رجال أعمال إلى أهمية حماية الدولة للصناعات المحلية كثيفة العمالة، ومنها الغزل والنسيج والصناعات الصغيرة والمتوسطة، ومنح المنتج المحلي أولوية، في المناقصات والطلبات الحكومية، بما يدعم قدرة الشركات على البقاء، وتوفير الضمانات التي تحددها الحكومة لأجور العاملين.

المساهمون