اقتصاد تونس المنهك يبحث عن روافع جديدة للخروج من أزمته

11 اغسطس 2021
جزء معتبر من الموارد الحكومية التونسية موجه لتسديد وخدمة الديون (فرانس برس)
+ الخط -

قالت خبيرة اقتصادية إيطالية إن الاقتصاد التونسي الذي يعتمد بشكل كبير على مصادر دخل خارجية يحتاج إلى إعادة توزيع الموارد، وأن تتحول الطاقات الحالية من صراع سياسي على السلطة إلى البحث عن سبل للخروج من الوضع الاقتصادي السيئ.
وأضافت الخبيرة الاقتصادية كلارا كابيللي، في تحليل نشره معهد دراسات السياسة الدولية بميلانو تحت عنوان "تونس: البحث عن اقتصاد جديد من أجل الاستقرار" أن جائحة كورونا ألقت بظلالها الكثيفة على تونس في ظل تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.8% في عام 2020، كما تأثرت أنشطة عديدة بفعل الإغلاق وسجلت الصادرات تراجعاً كبيراً، كما شهدت السياحة مزيداً من التعثر، في حين دار معدل البطالة حول 18% وتجاوزت نسبتها بين الشباب 40%.

وتابعت كابيللي التي تعمل في شبكة شرق أوروبا للتعاون والتنمية والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه يضاف إلى ما سبق عدم استقرار القطاع غير الرسمي. 
وأشارت إلى أنه وفقاً لبيانات وزارة المالية التونسية فإن الدين العام شهد ارتفاعاً كبيراً من 72.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 إلى 90% في عام 2020، مع الأخذ في الاعتبار أن نصف هذه النسبة تخص الديون الخارجية.
ورأت أن هذه البيانات مقلقة للغاية، لأنه يترتب عليها أن جزءاً معتبراً من الموارد الحكومية موجه حالياً وسوف يوجه أيضاً في المستقبل لتسديد وخدمة الديون للدائنين الدوليين، بدلاً من توجيهه إلى النفقات والاستثمارات الضرورية للتنمية والتماسك الاجتماعي، وهي الجوانب الحيوية أكثر من أي وقت مضى لمستقبل تونس.

في ظل هذا الاقتصاد الهش والمتقلب مقارنة بالديناميات الدولية، فإن إمكانيات الابتكار وتوفير فرص عمل تبدو محدودة للغاية، وفي المقابل يتعاظم السحب من العوائد الوطنية

وأشارت إلى أن كتابات كثيرة تناولت عدم المساواة بين المناطق الساحلية المتصلة بمراكز الرأسمالية الأوروبية والمناطق الداخلية المهمشة اقتصادياً. 
وجدير بالذكر علاوة على ذلك أن شمال أفريقيا تعد إحدى المناطق الأقل اندماجاً من الناحية الاقتصادية على المستوى العالمي، حيث أن كل دولة في هذه المنطقة تحظى بعلاقات أكبر بكثير خارج النطاق الإقليمي من علاقاتها مع الاقتصاديات المتاخمة.

اقتصاد هش
ومن المعروف، في هذا السياق، أن الهيكل الإنتاجي التونسي، الذي يتميز بأنشطته ذات القيمة المضافة المحدودة، يعتمد على الطلب الخارجي على الأصول والخدمات منخفضة التكاليف والعمالة الرخيصة بدرجة كبيرة. 
وفي ظل هذا الاقتصاد الهش والمتقلب مقارنة بالديناميات الدولية، فإن إمكانيات الابتكار وتوفير فرص عمل تبدو محدودة للغاية، وفي المقابل يتعاظم السحب من العوائد الوطنية.
وقد شهدت تونس ما بعد الثورة تعاقب 11 حكومة، منها 3 منذ عام 2019، ما يمثل مناخ عدم استقرار ربما من الصعب تحاشيه في سياق عملية انتقال سياسي، إلا أنه لم يكن بالتأكيد يصب في مصلحة إعادة النظر في نموذج النمو والتنمية.
وتابعت أن البلد كان معلقاً، خلال السنوات العشر الماضية، بين صدامات على النفوذ والسلطة بين فاعلين سياسيين قدامى وجدد، وقد اتخذت تلك الصدامات قالب الصراع على الهوية بين (حداثيين) و (إسلاميين)، من دون تضمين الأجندة قط قضية السياسة الاقتصادية وإعادة توزيع الموارد. 
والواقع أنه في إطار منظومة رأسمالية عالمية تتسم بحرية انتقال رؤوس الأموال، فإن اقتصاداً بهذه الدرجة من التراجع مثل الاقتصاد التونسي الذي لا يملك سوى موارد مالية نادرة من أجل برنامج الاستثمار، ومن ثم فمن الضروري على أقل تقدير أن يجري عملية إعادة توزيع للموارد.
وقالت إن تونس تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الدولية ، ومن غير الممكن، حتى هذه اللحظة، التكهن بردة فعل المانحين الدوليين إزاء التطورات التي ستشهدها البلاد في غضون الأشهر المقبلة. 

وقد تتمثل العقدة الرئيسية، في هذا السياق، في المفاوضات المتعلقة بطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي، بعد تسهيل الصندوق الممدد (Extended Fund Facility) بقيمة 3 مليارات يورو الذي لم يلق ترحيباً شعبياً وتسبب في خفض كبير لقيمة العملة الوطنية (الدينار)، من خلال زيادة التضخم علاوة على تآكل القوة الشرائية المتراجعة بالفعل للمواطنين من دون تحفيز الصادرات وفقاً لوعود الحكومة.
وأوضحت أن مسودة الاتفاق الخاصة بالقرض الجديد، وفقاً للمعلومات المتداولة، تنص على خفض رواتب الموظفين العموميين وإلغاء دعم بعض السلع الاستهلاكية وإعادة هيكلة بعض الشركات العامة. 
وكما يعلمنا تاريخ اقتصاد التنمية ، فإن مآل الأمور سوف يتمثل في نزع الدعم عن المواطنين الذين يحتاجونه بدرجة أكبر من أولئك الذين بإمكانهم الاستغناء عنه، وفقاً للخبيرة.
وخلصت الخبيرة الإيطالية إلى أن البلاد بصدد أشهر معقدة، وربما ما يمكننا التأكيد عليه الآن هو أن القضية الاجتماعية-الاقتصادية سوف تظل في طي التجاهل، بصرف النظر عما ستسفر عنه القرارات الأخيرة للرئيس سعيد.

المساهمون