انعكست الأزمة المالية الفلسطينية إثر استمرار حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على المنشآت الاقتصادية بالضفة الغربية سواء الناشئة أو الصغيرة وحتى الكبيرة أحيانًا، ما دفع بعضها إلى تسريح عمّالها أو الاقتطاع من رواتبهم.
كما تأثرت الحركة النقدية والشرائية بالسوق الفلسطينية سلبًا، إثر تأخر صرف رواتب موظفي القطاع العام، بالإضافة إلى تعطل أكثر من 130 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ما يطرح تساؤلًا عن دور الجهات الرسمية الفلسطينية في اتخاذ تدابير وقائية من شأنها أن تخفف من حدة الأزمة المالية الحالية والمتوقعة.
محاولات للتمويل
بهدف توفير التمويل للقطاعات الاقتصادية المختلفة التي تضررت بما يشمل المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، والمنشآت المتوسطة والكبيرة، وبهدف ضخ سيولة في السوق الفلسطينية، ومساعدة المنشآت المتضررة من تبعات الحرب على التعافي والاستدامة في دورتها المالية، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني، كانت سلطة النقد الفلسطينية أكدت في بيان صحافي، أنها أطلقت صندوق "استدامة +" بقيمة 500 مليون شيكل (134 مليون دولار أميركي).
وأكدت سلطة النقد في إجابات مكتوبة لها على أسئلة لـ"العربي الجديد" حول القطاعات التي ستحظى بالتمويل، أنها لن تفرق بين القطاعات المتضررة في غزة والضفة الغربية وتحديدًا الزراعية والصحية منها، وأن عملية حصر الأضرار بدأت خلال الحرب وستنتهي بعد انتهائها، وفق معايير متفاوتة حسب حجم المشروع والقطاع، يتبعها تقديم تمويل بمعدلات فائدة مقبولة تقدر بـ 5 بالمائة ويمكن للمشروع أن يسترد جزءًا منها بعد سداد قيمة التمويل.
وترد سلطة النقد على وصف مبلغ الفائدة 5 بالمائة بأنه مرتفع، قائلةً: "سعر الإقراض بين البنوك بعملة الشيكل يتجاوز الـ 5 بالمائة، وعادة ما تكون أسعار القروض بنسب فائدة أعلى من أسعار الإقراض بين البنوك، والفائدة على برنامج استدامة فائدة متناقصة على طول عمر القرض وليست ثابتة، وهي أقل بكثير من سعر الفائدة حاليًا، والمتاحة من قبل البنوك بعد الارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة عالميًا، بالإضافة إلى أن جزءًا منها قد يكون مستردا في نهاية سداد القرض وفقاً لمعايير يجري العمل على وضعها تراعي طبيعة النشاط، وحجم الضرر الذي لحق بالقطاع أو المشروع".
وأوضحت سلطة النقد أن الصندوق لا يمنح المساعدات بقدر ما يقدم تمويلًا للمنشآت المتضررة وتعزيز قدرتها على مواجهة تبعات الحرب والحفاظ على الأيدي العاملة لديها، وضخ سيولة في السوق، عبر منح القروض والتمويل للمنشآت لمساعدتها على شراء المواد الخام والحفاظ على الأيدي العاملة، والحفاظ على الدورة الاقتصادية، وذلك ضمن امتداد لصندوق استدامة التقليدي الذي منح تمويلات بـ160 مليون دولار خلال العامين الأخيرين، وما زال يمنح تسهيلات للمشاريع المختلفة في الضفة وغزة. وأضافت: "الحديث هنا عن منشآت ما زالت تعمل، ولكنها متضررة وليس عن منشآت تعرضت للتدمير وبحاجة إلى إعادة إعمار".
معاناة متواصلة
يؤكد أحمد بشير وهو أحد أصحاب المخابز في بلدة حوارة جنوب نابلس شمال الضفة الغربية في حديث لـ"العربي الجديد" أنه لم يسمع عن الصندوق الذي طرحته سلطة النقد، قائلًا: "لم يتحدث أحد معنا بالموضوع وسمعنا عنه عبر الإعلام ولا ندري آلية الحصول على المساعدات، وللآن لم يقدم لنا أحد أي دعم أو مشروع لمساعدتنا على تعويض جزء من خسائرنا، حيث تراجعت المبيعات بنسبة 90 بالمائة ونحن نعاني من إغلاق الطرق ومنع التجول قبل بدء العدوان على غزة ولكنه تفاقم منذ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
ويوضح صاحب المخبز الذي يضم ستة عمال أنه لم يعد قادرًا على الإيفاء بالتزامه دفع رواتبهم، وأن ما تحتاجه محلات حوّارة هو دعم حقيقي غير مشروط بفوائد أو على شكل قروض، حيث إن الديون تراكمت عليهم لصالح تجار الطحين والدقيق وهذا حال أصحاب المطاعم والملاحم ومحلات المواد التموينية، كما تزداد الخسائر يوميًا عليهم لأن البضاعة باتت مكدسة دون بيع، مشيرًا إلى أن خسائره تخطت الـ 100 ألف شيكل خلال الشهرين الماضيين.
وكانت وزارة الاقتصاد الفلسطينية في محافظة نابلس قالت في بيانٍ لها، "إن الاحتلال الإسرائيلي أغلق نحو 255 منشأة اقتصادية وأبقى 45 محلًا تجاريًا ممن سمح بفتح أبوابها، في بلدة حوارة منذ بدء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة، ما أدى لتكبيدها خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة، حيث إن حاجز حوارة ومفرق بيتا المحاذي له مغلقان ما جعل أهالي حوارة في سجن كبير، ولا يُسمح أيضاً لأي مواطن من البلدة بالحركة داخلها".
انتقادات بعدم الجدوى
يرى الخبير الاقتصادي، نبهان عثمان، في حديث مع "العربي الجديد" أن قيمة الصندوق الذي أطلقته سلطة النقد غير مجدية لاعتبارات عديدة، أبرزها أن مبلغ 500 مليون شيكل لا يغطي آثار الحرب التي طاولت الاقتصاد الفلسطيني في غزة والضفة.
كانت وزارة الاقتصاد الفلسطينية في محافظة نابلس قالت في بيانٍ لها، إن الاحتلال الإسرائيلي أغلق نحو 255 منشأة اقتصادية
يوضح عثمان أن غزة بحاجة إلى مليارات الشواكل لإعادة ما خربه الدمار في القطاعات الإنشائية والاقتصادية والسكنية (...)، بينما تواجه الضفة أزمة إغلاق المؤسسات والشركات أبوابها تزامنًا مع توقف المحركين الرئيسيين للسوق الفلسطينية وهما عمّال الداخل المحتل، ورواتب موظفي الحكومة، وبالتالي ساد الركود الاقتصادي في الأسواق، لذا لن يكون الحل لهذه الأزمة المركبة بتقديم سلطة النقد تمويلًا تستفيد منه هي.
ويشبّه عثمان مشروع سلطة النقد بأداة تكبّل الناس بالديون وتدفعهم لأخذ قروض مستردة بفائدة عالية، قائلًا: "خطة صندوق استدامة ليس من شأنها أن تدعم المستثمرين الصغار، بل هي لدعم الجهاز المصرفي فقط، حيث إن رأس مال الجهاز المصرفي الفلسطيني 21.5 مليار دولار".
ما الحل؟
يؤكد عثمان أن الحلول الأفضل اتباعها لإنقاذ المنشآت والمستثمرين، بأن تصدر سلطة النقد تعليماتها وتتبنى حلولًا لإجبار الجهاز المصرفي على إعطاء تسهيلات ائتمانية أو جمركية أو ضريبية للمستثمرين.
يشدد عثمان على أنه بالإضافة إلى ذلك من الضروري أن يستثمر الجهاز المصرفي جزءًا من ودائع الشعب الفلسطيني في القطاعات الإنتاجية وليس الاستهلاكية وفق ضوابط وقيود، بالإضافة لاتخاذ السلطة الفلسطينية دورًا رياديًا في القطاعات الإنتاجية وعدم اللجوء للبنوك لأن ذلك يعني الإفلاس.