دخل اقتصاد السودان في نفق مظلم بعد أن شهدت أسواق السلع موجات غلاء حادة، كما ارتفع سعر الدولار في السوق الموازية ووصل إلى نحو 452 جنيها اليوم الأحد، تزامنا مع تطورات الأزمة السياسية الراهنة والمظاهرات الصاخبة في الشارع، حيث لجأ المتعاملون إلى شراء النقد الأجنبي لحفظ مدخراتهم خشية تدهور العملة الوطنية مجددا.
ويأتي ذلك الارتفاع في الوقت الذي استقرت أسعار صرف العملة المحلية رسمياً، إذ حدد البنك المركزي سعر الدولار، اليوم، بمبلغ 439 جنيها للشراء، و442 جنيها للبيع.
وانعكس تراجع العملة المحلية في السوق السوداء على أسعار السلع الغذائية التي شهدت ارتفاعا حادا ونقصا كبيرا لبعضها، حيث ارتفع سعر كيلو الدقيق إلى 700 جنيه وسط انعدام وجوده في العديد من المناطق، حسب تجار صرحوا لـ"العربي الجديد".
ارتفع سعر كيلو الدقيق إلى 700 جنيه وسط انعدام وجوده في العديد من المناطق، كما شهدت أسعار السكر ارتفاعا كبيرا إذ وصل سعر الكيلو إلى 700 جنيه.
كما شهدت أسعار السكر ارتفاعا كبيرا إذ وصل سعر الكيلو منه إلى 700 جنيه.
كما أغلقت بعض متاجر الخرطوم أبوابها لعدم وضوح الرؤية الحكومية وتقلبات الأوضاع السياسية، وتوقف عدد من المخابز عن العمل.
وتأتي قفزات أسعار السلع رغم تأكيد الحكومة على تراجع معدل التضخم، ووفق نشرة الجهاز المركزي للإحصاء فإن المعدل سجل انخفاضاً خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى 365.82 بالمائة، مقارنة مع 387.56 بالمائة في شهر أغسطس/ آب الماضي، بتراجع قدره 21.74 نقطة.
وسجلت البلاد في شهر يونيو/ حزيران الماضي واحدة من أعلى نسب التضخم في العالم عند 442.78 بالمائة.
ووصف محللو اقتصاد ومواطنون تراجع التضخم بغير الحقيقي، وقالوا إن الواقع يكذب الأرقام الرسمية، حيث لم تتراجع أسعار السلع والخدمات بل ما زالت مرتفعة.
وفي هذا السياق، يقول الاقتصادي السوداني، عمر محجوب، إن الذي يحدث في السودان هو "تضخم مفرط " حيث إن الزيادة في الأسعار تجاوزت كل النسب، وأصبح الجنيه بلا قيمة.
ويرى محجوب أن التضخم ما زال مرتفعا، مشيرا إلى بعض مظاهر ذلك التأثير مثل زيادة البطالة ومستويات الفقر وارتفاعات الأسعار المتواصلة.
وشهد السودان احتجاجات عديدة في الايام الماضية اثر خلافات بين جناحي الحكم، المدني والعسكري، الأمر الذى أربك المشهدين السياسي والاقتصادي.
مواطنون ساخطون من الوضع الحالي قالوا لـ"العربي الجديد" إن سياسات الحكومة الانتقالية فاقمت الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي أضحت بلا حلول وفق المشهد السوداني.
محللو اقتصاد ومواطنون: تراجع التضخم غير حقيقي، والواقع يكذب الأرقام الرسمية، حيث لم تتراجع أسعار السلع والخدمات بل ما زالت مرتفعة
وطالبوا بمراجعة السياسات الاقتصادية، مؤكدين أن جزءا كبيرا من الأزمة الحالية سببه الانصياع لتعليمات صندوق النقد الدولي، إضافة إلى اتباع نظام المحاصصة في التشكيل الحكومي الأمر الذي أدخل البلد في نفق مظلم يصعب الخروج منه قريبا.
وقال الموظف سيف الدين آدم: إذا لم تسارع الحكومة بإجراء إصلاحات وتوافق وطني بين المكونات السياسية ستحدث ثورة جياع، لأنها ستظل مهتمة بالجوانب السياسية في وقت يعاني المواطن من لهيب الأسعار.
وانتقد غياب الحكومة عن رقابة الأسواق، مرجعا ذلك لانشغالها بالمناصب والصراعات السياسية، وتركت المواطن يتحمل مسؤوليته.
وقالت ربة المنزل، أسماء ياسين، لـ"العربي الجديد" إن "الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ. الكل يشكو الغلاء حتى التجار أنفسهم يشكون من ارتفاعات الأسعار والركود".
وأضافت أن 5 آلاف جنيه لا تكفي ليوم الواحد لأن أسعار السوق غير مستقرة ويوميا هناك ارتفاع جديد بمسببات جديدة.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد" قال المواطن إسماعيل التوم، إن الوضع الحالي يسهم بشكل كبير في الغش والخداع واتخاذ كل السبل لتوفير الضروريات بما فيها السرقة التي انتشرت مؤخرا في الأسواق.
وأكد أن "الانفلات الأمني أسبابه أيضاً اقتصادية، فلا يعقل أن تترك الحكومة الشعب دون أن تتدخل وتوفر له أفضل سبل الحياة".
وأضاف: إذا استمر الوضع بهذه الصورة ستحدث كارثة حقيقية لن تستطيع علاجها وربما يحدث خلل اجتماعي كبير بسبب الأزمات الاقتصادية المتكررة.
في ظل أزمة شح العديد من السلع الضرورية، تحركت الحكومة لتخفيفها، إذ وقعت وزارة التجارة والتموين مع حكومة الولاية الشمالية اتفاقاً لتجارة الحدود بين الولاية ومصر وليبيا
وفي ظل أزمة شح العديد من السلع الضرورية، تحركت الحكومة في عدة اتجاهات لتخفيفها، إذ وقعت وزارة التجارة والتموين مع حكومة الولاية الشمالية اتفاقاً لتجارة الحدود بين الولاية ودولتي مصر وليبيا.
وقال مفوض مفوضية الاستثمار بالولاية الشمالية، بشرى الطيب، إن الاتفاق جاء نتيجة جهود بذلتها حكومة الولاية لتفعيل تجارة الحدود إيماناً بأهمية هذه العملية في انسياب السلع الاستراتيجية وتوفيرها بجانب تفعيل حركة التبادل التجاري، مبيناً أن ذلك يوفر لمواطني الولاية فرصاً للعمل عطفاً على خلق حراك اقتصادي وتجاري للمعابر الحدودية خاصة معبري أشكيت وأرقين.
وسبق أن وجه وزير التجارة والتموين، علي جدو، بتأمين احتياجات البلاد المستوردة عبر ميناءي العين السخنة والإسكندرية المصريين وميناءي بنغازي الليبي ومصوع الإريتري بنظام العبور. وأدت زيادة الاستيراد إلى نزيف في إيرادات خزينة الدولة التي تعاني من أزمة مالية خانقة.
وقال الوزير الأسبق بوزارة المالية، عز الدين إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن كل الإيرادات التي تعتمد عليها المالية تعطلت بصورة مباشرة بعد إغلاق الميناء والطريق القومي ما يؤثر في زيادة عجز الموازنة العامة الأمر الذي قد يضطر الحكومة للاستدانة من بنك السودان بما يزيد من معدل التضخم بعد أن تراجع خلال الشهرين الماضيين، كما أنه يزيد أيضاً من ندرة السلع المستوردة ومدخلات الإنتاج التي تنعكس على تعطيل المصانع وتؤثر على السلع المنتجة محلياً أيضاً.
توقع معظم التجار حدوث ندرة حادة في السلع المستوردة ومدخلات الإنتاج المحلي حال استمرار إغلاق الموانئ ما يعمق من تدهور معيشة المواطنين
من جانبه، قال الاقتصادي السوداني، أحمد آدم، لـ"العربي الجديد" إن الإغلاق انعكس سلباً على حركة الصادر والوارد، وأسعار السلع الأساسية في الأسواق المحلية.
ولفت إلى أن التأثير سيظهر في الأسواق المحلية والمجاورة من خلال ارتفاع أسعار السلع المستوردة مع احتمال ندرة بعضها وتأخير الشحنات الحيوية ونقص نفط في البلاد، وتعطل سلاسل توريد النفط كما ظهر حاليا في دولة جنوب السودان.
وأضاف: كما أن الاحتجاجات المستمرة سوف تعطل العمل في المصانع المحلية، ما يؤدى إلى تفاقم معاناة المواطنين.
وفاقمت أزمة إغلاق موانئ شرق السودان والطريق القومي ومنع حركة نقل البضائع عبر الشاحنات والبواخر في السابع عشر من سبتمبر/ ايلول الماضي، حدة الأوضاع المعيشية بالسودان.
وتوقع معظم التجار حدوث ندرة حادة في السلع المستوردة ومدخلات الإنتاج المحلي حال استمرار إغلاق الموانئ ما يعمق من تدهور معيشة المواطنين.