استمع إلى الملخص
- تحديات الأعمال التجارية والزراعية: توقفت الأعمال في مناطق واسعة من الشمال، مما أثر على المصانع والشركات والمزارع، وأدى إلى خسائر اقتصادية فادحة في الزراعة والإنتاج.
- تأثير النزوح على المجتمع والسياحة: نزح أكثر من 100 ألف إسرائيلي، مما أثر على المرافق الفندقية والسياحة، وأدى إلى خسائر بقيمة 1.15 مليار شيكل، وزيادة المطالبات بأضرار للمباني والممتلكات.
يبدو أن هدف حكومة الاحتلال الإسرائيلي إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة قرب الحدود مع لبنان، قد لا يتحقق في ظل ضربات حزب الله رداً على العدوان الإسرائيلي، بل وقد يزيد القتال المتأجج، رقعة الأراضي الخربة في الشمال، بفعل الهروب الجماعي للمستوطنين، وتوقف الأنشطة الاقتصادية من زراعة وصناعة وتجارة وسياحة، ما يزيد من أزمات الاقتصاد، وإصابة موازنة الاحتلال بمزيد من العجز.
تبدو ضربات حزب الله الصاروخية هذه المرة أكثر تركيزاً على مناطق حيوية اقتصادياً بالنسبة لإسرائيل، لا سيما حيفا وعكا، حيث تتركز الكثير من الأنشطة الإنتاجية والخدمية الحيوية، ما يصيب الاقتصاد في العمق ليدفع فاتورة باهظة، بسبب "معركة الحساب المفتوح"، وفق وصف نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، يوم الأحد الماضي، خلال مراسم تشييع قائد قوة الرضوان، إبراهيم عقيل الذي اغتاله الاحتلال مع آخرين في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أيام.
يؤكد منتجون في مختلف الأنشطة ومزارعون إسرائيليون، توقف الأعمال تماماً في مناطق واسعة من الشمال منذ تصاعد الضربات بين حزب الله وإسرائيل في الأيام الأخيرة، بينما تعد هذه الفترة بالنسبة لهم بالغة الأهمية حيث كانوا يراهنون عليها لزيادة المبيعات في موسم العطلات والأعياد.
وينعكس الوضع المتأجج كذلك على ديون إسرائيل حيث ارتفعت، أمس الاثنين، تكلفة التأمين على الديون السيادية الإسرائيلية ضد التخلف عن السداد إلى أعلى مستوياتها، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
أصاب الشلل المصانع والشركات من عكا و"وادي يزرعيل" وحيفا، وسط قصف حزب الله. وفي اليومين الأخيرين، ومع تصاعد القتال، اضطر أكثر من 500 ألف من سكان الشمال إلى البقاء في مناطق محمية، بعضهم في مناطق لم تشهد أي إنذار منذ بداية الحرب، مثل حيفا، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، أمس الاثنين.
وأشار التقرير إلى أن أنشطة مثل مصانع النبيذ والعسل ومزارع الفواكه والأسماك، تواجه تحديات صعبة، بينما لا تقدم الحكومة الإسرائيلية المساعدة لها، وفق شمعون بيتون، صاحب شركة "King's Cookies" في عكا لإنتاج وتسويق منتجات المخابز، الذي قال: "يعد موسم العطلات دائماً هو الوقت الأكثر ازدحاماً بالنسبة لنا، ولكن لسوء الحظ يتوقف كلّ شيء".
أوضح شمعون: "تأثرنا بشكل قوي منذ العام الماضي لأن 40% من عملائنا في المنطقة الشمالية لا يستطيعون الحضور إما لأنهم نزحوا أو لأنهم خائفون من مغادرة المنزل.. والآن فجأة وصل السيد نصر الله ويقصف عكا، وهذا يزيد من الصعوبة... في كل مرة نبدأ فيها بالتعافي قليلاً من آثار العام الماضي، ينطلق إنذار جديد ويوقف كلّ شيء".
وأضاف: "أعمل في هذا المجال منذ 18 عاماً، وواجهت العديد من الأزمات، ومنها جائحة كورونا (2020)، لكن ليس بصعوبة هذه الحرب... خلال الجائحة دعمتنا الدولة مالياً، بينما لم تفعل هذه المرة، بخاصة أننا في منطقة لم تُخلَ، لذلك لا أحد يهتم بنا... هذه حرب صعبة للغاية وليست سهلة على الإطلاق".
بعد القصف على عكا، اختار شمعون عدم استئناف العمل، موضحاً أنه أبلغ الموظفين بعدم الحضور لحين التحقق مما يجري. وقال: "صحيح أننا قبل العطلة وهو أمر مرهق، لكن ليس هناك الكثير من الخيارات... المدينة فارغة، والشركات الأخرى جرى إغلاقها أيضاً ما يشعرني بالألم".
خسارة اقتصادية فادحة
بالإضافة إلى الشلل الذي يصيب الأعمال التجارية، يصف أيضاً ألموغ فلور، الرئيس التنفيذي لشركة "ميلوفري"، وهي شركة تطوير مزارع تتخذ من حيفا مقراً لها، صعوبة العمل في الأنشطة الزراعية، موضحاً: "كنا نشعر باهتزاز الأرض ونحن في الملاجئ". وأضاف فلور الذي خدم ضمن جنود الاحتياط العام الماضي أن "الكثيرين لا يزالون يتحصنون بالملاجئ... فقط ربع العمال جاءوا إلى العمل، لذلك لم نتمكن من بدء التعبئة بأكملها، وهو ما ألحق ضرراً كبيراً بكفاءتنا، وهو أمر مخيف حقاً"
وقال: "الأمر صعب للغاية، فقد جرى إلغاء قطف الفاكهة، لأن الصواريخ بدأت تتساقط في منتصف القطف، وهذا يضعنا في تحدٍّ أمام منافسينا الذين يواصلون العمل بشكل مستمر، كما أنه يؤثر بالمعروض، بينما لدينا التزامات تجاه سلاسل التسويق وقاعدة العملاء.. هذه خسارة اقتصادية فادحة".
وأضاف: "منذ السابع من أكتوبر ونحن نتعامل مع الإنذارات في المنطقة الشمالية، من الصعب استقدام العمال ومقاولي العمل إلى المنطقة، العمال يغادروننا بسبب الوضع الأمني المتوتر، كما أن هناك صواريخ تتساقط في المناطق الزراعية، مما يؤخر الحصاد، ويؤخر توريد المواد الخام.. الأمر الآخر هو أن العديد من عمالنا، بمن فيهم أنا، يجري تجنيدهم في الاحتياط، ويقاتلون على جبهات الجنوب والشمال، مما يزيد من صعوبة إدارة الأعمال".
وعلى الرغم من أن حزب الله اللبناني قد لا يبدو في أفضل حالاته، بسبب الأضرار التي لحقت به، بسبب تفجير إسرائيل أجهزة النداء الآلي المحمولة "البيجر" التي تسببت في مقتل 37 شخصاً، وإصابة نحو ثلاثة آلاف آخرين، والغارة التي استهدفت قياديين عسكريين بارزين قبل أيام، على رأسهم قائد قوة الرضوان إبراهيم عقيل، فإن ضربات الحزب تستهدف مناطق وقطاعات مؤلمة لإسرائيل اقتصادياً، بخلاف المواقع العسكرية.
وخلال تشييع القياديين إبراهيم عقيل ومحمود حمد، يوم الأحد الماضي، أعلن نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، أن الحزب دخل مرحلة جديدة عنوانها "معركة الحساب المفتوح"، قائلاً إن إسرائيل "ستموت رعباً" جراء الخطط التي يحضّرها الحزب.
وفي الأثناء، أعلن الحزب أنه استهدف مجمعات صناعية إسرائيلية شمالي حيفا، بما فيها شركة "رافائيل"، وهي واحدة من أكبر ثلاث شركات لصناعة الأسلحة في إسرائيل، ويعمل بها 10 آلاف موظف وعدد كبير من المقاولين من الباطن ومقدمي الخدمات. ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دخلت مصانع رافائيل في جدول عمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، لسد النقص في الأسلحة لدي جيش الاحتلال.
شكوك في عودة المستوطنين إلى الشمال
ويشكك محللون في نجاح خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في إعادة المستوطنين إلى مناطق الشمال التي نزحوا عنها منذ بدء حزب الله عمليات الإسناد للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا سيما أن إسرائيل لم تتمكن بعد من إعادة معظم المستوطنين إلى مناطق الجنوب التي جرى إجلاؤهم منها منذ ما يقرب من عام، في أعقاب عملية طوفان الأقصى، وشنّ الحرب على غزة.
وبسبب هجمات حزب الله الصاروخية، إسناداً لغزة، منذ نحو ما يقرب من عام، أعلن جيش الاحتلال عن تفعيل خطة عاجلة لإجلاء أكثر من 62 ألف مستوطن كانوا يسكنون في 28 مستوطنة في الجليل والجولان في شمال فلسطين المحتلة على مسافة تصل إلى كيلومترين من الحدود مع لبنان، لكن أعداداً أخرى قامت بالنزوح من المستوطنات الأخرى في المنطقة من دون طلب أو تنسيق مع الجيش.
وبعد ثمانية أشهر من الحرب، كشفت صحيفة معاريف عن أن ما يقرب من 100 ألف إسرائيلي من مستوطنات الشمال ما زالوا يعيشون "لاجئين" خارج منازلهم، واضطر معظمهم إلى التوقف عن العمل، ونُقل الأطفال والمراهقون من مؤسساتهم التعليمية إلى مؤسسات تعليمية مؤقتة في بيئة جديدة وغير مألوفة.
وتضغط عمليات النزوح على المرافق والمنشآت الفندقية التي تحولت إلى أماكن إيواء، ما عمق من أزمات قطاع السياحة المتضرر بشدة من الحرب. وترفد السياحة الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 3% من مدخولاته، وتوظف حوالي 200 ألف إسرائيلي بشكل مباشر، وفقاً لوزارة السياحة.
وكان القطاع قد شهد قبل الحرب طفرة استثنائية طوال عام 2023 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث استقبلت إسرائيل أكثر من 3 ملايين سائح، أنفقوا 4.85 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي.
كما تضررت الزراعة والعقارات. وبحسب ما نقل موقع "واللا" الإسرائيلي في نهاية أغسطس/آب الماضي عن تقرير لهيئة الضرائب، جرى تقديم 4378 مطالبة بأضرار للمباني والممتلكات في شمال إسرائيل. وأكد التقرير أن "المدن الحدودية، مثل المطلة، ومنارة، وحناتة، وكريات شمونة، تعاني من أضرار كبيرة". كذلك تسببت الحرائق الناتجة عن سقوط الصواريخ من لبنان في إحراق حوالي 180 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) منذ بداية المواجهات، بحسب هيئة الإطفاء.
وفي السياحة، سجلت مناطق الشمال خسائر بقيمة 1.15 مليار شيكل (307 ملايين دولار) منذ بداية النزاع حتى أغسطس/آب فقط، بينما دفعت هيئة الضرائب تعويضات بقيمة 1.5 مليار شيكل للشركات السياحية. كما تضرر قطاع الزراعة بشكل كبير، إذ قدرت الخسائر غير المباشرة لمزارعي الشمال بحوالي مليار شيكل.
وتضررت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، بما في ذلك بساتين الأفوكادو والكمثرى والتفاح، وكذلك حقول القمح في الجولان. كذلك تضررت مزارع الدجاج المنتج للبيض، حيث تتركز 70% من مزارع إسرائيل في الجليل والجولان، مما أثر في إنتاج البيض واللحوم.
وحذرت تقارير اقتصادية من تسبّب اندلاع حرب شاملة مع حزب الله في تعميق العجز المالي الإسرائيلي، وارتفاع أعباء الديون، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج. ووفق بيانات مالية أوردتها صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، حولت المؤسسات إلى الخارج أموالاً تصل إلى نحو 151 مليار شيكل (40.4 مليار دولار) منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويواصل عجز الموازنة الصعود منذ إبريل/نيسان الماضي، عندما بدأ يرتفع إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي، ليزيد إلى 7.6% في يونيو/حزيران، و8.1% في يوليو/تموز، ثم إلى 8.3% في أغسطس/آب، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية.
وأظهرت بيانات صادرة عن مؤسسة ستاندرد أند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس، أمس الاثنين، أن تكلفة التأمين على الديون السيادية الإسرائيلية ضد التخلف عن السداد بلغت أعلى مستوياتها منذ هجوم "طوفان الأقصى" الذي شنته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبلغت تكلفة عقود مبادلة مخاطر الائتمان لأجل خمس سنوات 149 نقطة أساس مقارنة بمستوى إغلاق، يوم الجمعة الماضي، عند 146 نقطة أساس، وهو السعر الأعلى منذ أكتوبر 2023.
وكلما زاد عدد النقاط، كانت كلفة التأمين على الديون السيادية أعلى، إذ تكون مرتبطة بالوضع السياسي والاقتصادي للبلد مصدّر الديون، وهذا يمهد إلى ارتفاع الفوائد على القروض السيادية الإسرائيلية، بسبب المخاطر المرتفعة.
واتجهت إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، إلى أسواق الدين الدولية لتوفير السيولة النقدية اللازمة لتمويل حربها على غزة، والتوترات في الشمال مع حزب الله. وفي كامل 2023، قالت وزارة المالية الإسرائيلية إن البلاد سجلت ديوناً سيادية جديدة بلغت 160 مليار شيكل (حولي 43 مليار دولار)، من بينها 81 مليار شيكل (21.6 مليار دولار) منذ اندلاع الحرب، مقارنة مع 16.78 مليار دولار في 2022.