استمع إلى الملخص
- يرتبط تخفيض الفائدة في الخليج بالدولار، مما يؤثر على أسعار النفط وميزانيات الدول، وقد يؤدي إلى زيادة طفيفة في التضخم وجذب الاستثمارات الغربية.
- يساهم تخفيض الفائدة في تحفيز الاقتصاد عبر تقليل تكلفة الاقتراض، لكن الاعتماد الكبير على النفط يبرز الحاجة لتنويع مصادر الدخل لتحقيق مرونة اقتصادية.
بعد خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، قلّصت البنوك المركزية في دول الخليج أسعار الفائدة على نحو متزامن، ما قدم استجابة سريعة خاصة من جانب الإمارات والسعودية، الأمر الذي يجعل دول مجلس التعاون على مفترق طرق بين احتمالات زيادة التضخم وأهدافها لزيادة نسبة النمو.
وخفض مصرف الإمارات المركزي سعر الأساس لتسهيلات الإيداع من 5.40% إلى 4.90%، بينما خفض البنك المركزي السعودي معدل اتفاقية إعادة الشراء إلى 5.50%، بحسب بيانين رسميين، ما عكس ارتباط عملات دول الخليج بالدولار. وقدم ذلك مؤشراً على أن قرار تخفيض سعر الفائدة سيعزز السيولة في الأسواق الخليجية ويشجع على زيادة الاقتراض والاستثمار، ما يعزز النشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية، بحسب تقديرات خبراء وكالة "فيتش" في سبتمبر/أيلول الماضي.
ومع ذلك، هناك بعض المخاطر المحتملة المرتبطة بهذا الخفض، إذ تعتمد اقتصادات الخليج كثيراً على عائدات النفط، وإذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض، فقد تواجه هذه الاقتصادات تحديات جديدة رغم انخفاض تكاليف الاقتراض، وفقاً لما أورده تقرير نشره "أرابيان غلف بيزنس إنسايت".
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يؤثر مباشرة بالمسار النقدي في دول الخليج، إذ ترتبط عملات دول الخليج بشكل وثيق بسعر صرف الدولار، ويعود ذلك إلى اعتماد جزء كبير من اقتصادها على تصدير النفط، ونتيجة لهذا الارتباط تتأثر أسعار النفط وميزانيات الدول الخليجية وحتى أسعار الفائدة فيها مباشرة بالولايات المتحدة، كما يشير درويش. ويتوقع أن يؤدي هذا الانخفاض إلى زيادة طفيفة في نسبة التضخم، التي تراوح حالياً بين 1.5% و2% في مختلف دول الخليج، مع وجود اختلافات طفيفة بين تلك الدول.
وقد ينعكس انخفاض أسعار الفائدة إيجاباً على السيولة في الأسواق الخليجية، حيث سيتيح للمستثمرين الغربيين فرصة الاستدانة بتكلفة أقل واستثمار الأموال في دول الخليج، بحسب درويش، مشيراً إلى زيادة ملحوظة بحجم الاستثمارات الغربية في دول الخليج أخيراً، خصوصاً من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا؛ نتيجة الاستقرار والعائد المرتفع، ولا سيما في القطاعات غير النفطية.
تخفيض تلقائي للفائدة في الخليج
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تخفيض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يؤدي إلى تخفيض مماثل في البنوك المركزية الخليجية تلقائياً، وذلك لارتباط العملات الخليجية بالدولار ارتباطاً وثيقاً، باستثناء الدينار الكويتي، لافتاً إلى أن هذا الارتباط يظهر حتى في سلة العملات التي تعتمدها بعض الدول الخليجية. فتخفيض سعر الفائدة يؤدي إلى انخفاض تكلفة الاقتراض، ما يحفز الاقتصاد ويشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على العمل.
كذلك يحفز عموم المواطنين في الخليج على استهلاك السلع الاستهلاكية مثل السيارات والأجهزة المنزلية والعقارات، بحسب يوسف، مضيفاً أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زيادة السيولة في اقتصادات دول مجلس التعاون، حيث يقترض الناس من البنوك التي تمتلك فائضًا في السيولة.
ومن شأن تخفيض سعر الفائدة أن يؤدي أيضاً إلى تحريك الاقتصاد بشكل إيجابي على منوال اقتصادات ناجحة مثل اليابان، التي تعتمد على سعر فائدة منخفض جداً، وأحياناً يصل إلى الصفر أو حتى إلى قيم سالبة، بحسب يوسف، الذي يشير في هذا الصدد إلى الفترة التي سبقت أزمة عام 2008، حيث كان العالم يشهد نمواً اقتصادياً كبيراً وانتشاراً للمشاريع الاستثمارية في مختلف أنحاء العالم.
ويوضح يوسف أن رفع سعر الفائدة يؤدي على المدى الطويل إلى تدمير الاقتصاد وإلحاق الضرر بالمقترضين والمقرضين على حد سواء، فعلى الرغم من أن البنوك قد تحقق بعض الأرباح "الورقية"، إلا أن ذلك يؤدي إلى انخفاض في فرص العمل وتراجع في القدرة الشرائية للمستهلكين، ما يعني خسائر اقتصادية "حقيقية". كذلك إن ارتفاع أسعار الفائدة من شأنه أن يجعل المواطنين غير قادرين على شراء المنازل أو السيارات أو السلع المعمرة، ما يؤدي إلى تقليل الإنتاج وتسريح العمال، بحسب يوسف، الذي يشير إلى أن الكويت تمثل حالة خاصة في هذا السياق باعتبار أن اقتصادها ليس مرتبطاً بالاقتصاد الأميركي بنسبة 100%، بل تراوح نسبة هذا الارتباط بين 70% و75%، حسب تقديره.
ويمنح هذا الوضع الكويت مساحة أكبر من المرونة في التعامل مع التغيرات الاقتصادية العالمية، بحسب يوسف، الذي يدعو دول الخليج إلى تنويع ارتباط عملاتها بسلة من العملات العالمية، بما فيها الفرنك السويسري واليوان الصيني واليورو والجنيه الإسترليني، لتحقيق مزيد من المرونة الاقتصادية. ويخلص يوسف إلى تأكيد أهمية تنويع مصادر الدخل في دول الخليج خلال العشرين سنة القادمة، للخروج من التبعية للبترودولار.
وأشار إلى التغيرات الإيجابية التي حدثت في بعض الدول، مثل اعتماد قطر على الغاز، وتركيز السعودية على السياحة والتعدين، وتركيز الكويت على الاستثمارات السيادية الخارجية، مؤكداً أهمية هذه الخطوات في تعزيز قوة الاقتصادات الخليجية ومرونتها.