سالي حافظ، رامي شرف الدين، بسام شيخ حسين، عبد الله الساعي، مودعون قرّروا استيفاء حقوقهم القانونية بأيديهم، فاقتحموا مصارف لبنانية لـ"تحرير" ودائعهم المصرفية بالقوّة في ظل استمرار البنوك منذ أواخر عام 2019 بحجز دولاراتهم والتحكم بطريقة تسديدها وفق تعاميم مركزية تضرب قيمتها، من دون أن يرفَّ لها جفن حتى للحالات الصحية الطارئة التي تحتاج سحب "مالها الخاص" لتغطية نفقات العلاج الاستشفائية.
هذه الهجمات التي تتكرَّر ضمن فترات زمنية قصيرة، حدث منها، أول من أمس الأربعاء، عمليتا اقتحام في يومٍ واحدٍ، متوقع أن يرتفع منسوبها، ولا سيما في ظل تحليق سعر صرف الدولار مسجلاً مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، حيث تخطى حاجز الـ37 ألف ليرة لبنانية للمرة الأولى منذ بدء الأزمة الاقتصادية، وانعكاسه صعوداً على أسعار غالبية السلع والخدمات، الأساسية، والكمالية، بعد "الدولرة" التي باتت شبه شاملة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول ما ستؤول إليه الأوضاع ميدانياً، ومن ردة فعل المصارف، التي ترفع في الفترة الأخيرة من منسوب "إضراباتها".
تشديد الإجراءات الأمنية
في السياق، يقول مصدرٌ في جمعية المصارف لـ"العربي الجديد" إنه حتى الساعة لا قرار بالإضراب أو إقفال البنوك، لكن هناك بعض الفروع بدأت تزيد من إجراءاتها الأمنية تحسّباً لأي عملية اقتحام، خصوصاً أنها تترافق مع تكسير وتخريب وتهديد بالحرق وباستخدام السلاح، مشيراً إلى أن الكثير من المصارف تصل إليها نداءات من الموظفين بتأمين الحماية القصوى لهم، نظراً لأنهم قلقون على وضعهم ومن تفاقم وتطوّر الأمور.
ويلفت المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن البنوك تنظر في الحالات الصحية الطارئة ولكنها تطلب في المقابل بعض المستندات للتأكد من صحة كلام المودع وهذا أمرٌ طبيعي، مكرراً تشديده على حق المودع بسحب وديعته، لكن في المقابل، المسؤولية لا تقع على المصارف، بل على الدولة والمنظومة السياسية، فالبنوك والمودعون في الخندق نفسه.
ولا يخفي المصدر تخوفه من أن تلجأ جهات سياسية إلى تحريك الشارع بوجه المصارف في هذه الفترة مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي وانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
من جهتها، تقول "رانيا" وهي موظفة في أحد البنوك في بيروت لـ"العربي الجديد" إن إدارة فرع المصرف حيث تعمل زادت من إجراءاتها الأمنية، في ظل مخاوف موجودة من أن تتكرّر عمليات الاقتحام، والاعتداء على المصارف.
وأضافت: إننا نشعر كموظفين بوجع المودع سواء اليوم أو حتى إبان "انتفاضة 17 تشرين"، يوم كثرت التحركات ضد المصارف، ولكننا مثله طاولتنا الأزمة والإجراءات القاسية، ومعاناتنا هي نفسها، من هنا أهمية عدم وضعنا في الخانة نفسها مع كبار المصرفيين، ورؤساء البنوك.
وتلفت رانيا إلى "أننا نعلم أن المودع ولو كان مسلّحاً لن يتعرّض لنا بأي أذى، ولكننا أصبحنا نعيش حالة خوف، ورعب عند كل عملية اقتحام، التي قد تتطور في أية لحظة في حال تدخل طرف ثالث على سبيل المثال، نحن لدينا أولاد وعائلات باتوا محاصرين بالقلق من جراء ما يحدث واحتمال أن نصاب بمكروه".
استرداد الحقوق بالقوة
تقول عضو "رابطة المودعين" المحامية دينا أبو زور لـ"العربي الجديد" إن "عمليات استيفاء الحق بالذات وتحصيل المدخرات باليد حتماً ستتحوّل إلى ظاهرة، والدليل أننا يوم الأربعاء كنا أمام عمليتين، واحدة في بنك "لبنان والمهجر" في بيروت، والثانية في "بنك ميد" في عاليه – جبل لبنان، وذلك في ظل استمرار السياسات المعتمدة من قبل السلطات السياسية والمصرفية وبعض الجهات القضائية التي تصرّ على محاباة النظام المصرفي الفاسد وحماية الظالم والمعتدي على المودع المظلوم".
وتلفت أبو زور إلى أن القانون يُدرج هذه الحالات ضمن خانة استيفاء الحق بالذات، وبالتالي، تصنَّف جنحة لا جناية، باعتبار أن الشخص لجأ إلى هذا الفعل بعدما احتجزت المصارف أمواله ولا تزال منذ 3 سنوات ترفض إعادتها له، من هنا نرفض اعتبار المودع مجرما.
وتشير إلى أنه "إما نكون أمام دولة مؤسسات وقانون وهذا ما نريده، أو شريعة غاب بحيث إن كل شخص يستوفي حقّه بيده، وهو ما يجب ألا نصل إليه، من هنا على الجهات المعنية سياسياً ومصرفياً أن تتحرك وتتخذ الإجراءات الضرورية لإقرار خطة التعافي والقوانين الإصلاحية المطلوبة للنهوض اقتصادياً والخروج من دوامة تحكمها استنسابية المصارف وتعاميم تصدر بالمفرّق عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة".
وتشدد أبو زور على أن المعالجات الاقتصادية لا يمكن فصلها عن تلك القانونية، إذ إن خطة التعافي تتطلب إقرار قوانين إصلاحية للسير بها، ولإنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وتؤكد رابطة المودعين أن الوقت الآن هو للانكباب فوراً لوضع خطة تعاف شاملة وإقرار سلة قوانين مرتبطة بها مثل توحيد سعر الصرف، رفع كامل السرية المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف، والدين العام، وصياغة قانون كابيتال كونترول علمي وتقني وعادل وشفاف، لا ينطوي بأي شكل من الأشكال على إبراء ذمة المصارف من جرائمها.
حالات إنسانية
بدوره، لا يستبعد رئيس لجنة حماية المودعين في نقابة المحامين كريم ضاهر أن تتحوّل هذه العمليات إلى ظاهرة، خصوصاً أن الأشخاص الذين أقدموا على استيفاء الحق بالذات نجحوا بخطوتهم وحصّلوا ودائعهم أو جزءا منها، وتم توقيفهم لفترة وجيزة قبل إخلاء سبيلهم، كما حصدوا تعاطف الناس خصوصاً أن بعض العمليات ارتبطت بحالات إنسانية صحية طارئة حرّكت الرأي العام، ما صعّب الأمور أكثر على السلطات الأمنية والقضائية وحال دون اتخاذ تدابير بحقهم.
ويوضح ضاهر أن المودعين لجأوا إلى هذه الأساليب مع استمرار المصارف منذ 3 سنوات بحجز ودائعهم وأموالهم، وذهبوا إلى القضاء ولم يتحرك أو تحرك ومن ثم توقفت الدعاوى في الاستئناف أو التمييز، وبالتالي فقدوا الأمل من تحصيل حقوقهم.
ويضيف: من هنا لا يمكن وضع تصرفهم في خانة الجرم، لأنهم لم يقدموا على السرقة فالمبلغ الذي تحصلوا عليه بعد الاقتحام هو مالهم، والمستندات الموقعة من المصرف تثبت أنها تعود لهم وسحبت من حساباتهم، عدا عن أن القوانين المصرفية تلزم المصارف بإرجاع الوديعة بالعملة التي تم ايداعها بها.
لكن في المقابل، يقول ضاهر: "قد يلاحق هؤلاء الأشخاص من بوابة احتجاز الرهائن والموظفين، أو العنف والتهديد، فهذه أفعال جرمية يمكن تحديد عناصرها، لكن حتى الساعة لم يتم الملاحقة على أساسها، باعتبار أن السلطات الأمنية والجهات المعنية تستشعر بإمكان حصول ردة فعل وانتفاضة عارمة على الساحة، ورأينا حتى في قضية سالي، كيف تم دعم الموقوفين في القضية، من قبل ناشطين اعتصموا اعتراضاً على التوقيف".
انطلاقاً من هذه المشهد، يشدد ضاهر على أنه يجب دق ناقوس الخطر، واتخاذ المسؤولين تدابير سريعة لازمة، تطمئن المودعين على مصير أموالهم، وذلك لا يكون إلا بتغيير الحوكمة، فالحل لن يأتي عن طريق الأشخاص المسؤولين عن الانهيار، سياسيين كانوا أم مصرفيين، ولا يمكن إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية في ظل المنظومة نفسها، مركزاً أيضاً على التغيير الذي يجب أن يطاول السلطة القضائية المتقاعسة بدورها، إذ من غير المسموح أن تتخذ قرارات تظهر فيها تحت رحمة السلطة السياسية.
القوانين الإصلاحية
ويؤكد رئيس لجنة حماية المودعين في نقابة المحامين أن القوانين الإصلاحية يجب أن تطبق للخروج من الأزمة، والبدء بمحاسبة مرتكبي الأخطاء الجسيمة والجرائم التي أدت إلى الانهيار، وبالتالي، التركيز على قانون الإثراء غير المشروع، رفع السرية المصرفية، التحقيق بالعمليات المشبوهة، تطبيق القوانين المصرفية، إعادة هيكلة المصارف بشكل فعلي، وتحديد المسؤوليات بما يطمئن المودع الذي يجب أقله تأمين شبكة اجتماعية له تعوّضه عن الخسائر التي يتكبّدها من جراء حجز المصارف لودائعه.
ولا يرى ضاهر أن من مصلحة المصارف اتخاذ قرار بإقفال أبوابها رداً على عمليات الاقتحام، إذ إنها واقعة في مشكلة كبيرة، وفي حال أقدمت على هذه الخطوة، ستثبت نوعاً ما أنها عاجزة عن متابعة أعمالها وأنها متوقفة عن الدفع، خصوصاً أنها تقفل ربطاً بمطالبة الناس بأموالهم، وهو ما يدفعهم لتحصيلها بالقوة، من هنا تكون قد أثبتت للقضاء وعلى الملأ أنها عاجزة كمصارف عن القيام بأعمالها وهذه يمكن أن نتخذها قرينة في الدعاوى وإجراءاتنا القضائية.
ويشير ضاهر إلى أن هناك صعوبة حتماً في ردّ الودائع للناس بالمدى المنظور، لكن أقله يمكن طمأنة المودع بأنه سيستعيد وديعته، من خلال تغيير الحوكمة وكل الوجوه المسؤولة عن الانهيار، مشدداً على أنه لم يعد هناك أي هامش للتسوية.
يؤكد رئيس لجنة حماية المودعين في نقابة المحامين أن القوانين الإصلاحية يجب أن تطبق للخروج من الأزمة، والبدء بمحاسبة مرتكبي الأخطاء الجسيمة والجرائم التي أدت إلى الانهيار
وكانت الهيئات الاقتصادية وجمعية تجار بيروت، تقدمت بخطة مالية جديدة، إلى الرئيس ميشال عون، وذلك بهدف إعادة نحو 74% من أموال المودعين على مراحل، على أن تتحمل الدولة جزءا من الخسائر.
وأشار عون في بيان للرئاسة، يوم الثلاثاء الماضي، إلى "تأييده الجهود والحلول المنطقية" لمعالجة الأزمة الراهنة، لافتًا إلى أنه طالب بالتدقيق المالي الجنائي "للبحث عن الحقيقة". وستساهم الدولة في إعادة جزء من الأموال عبر شركة قابضة، حسبما لفت رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس.
وأضاف "إذا سارت الأمور حسبما هو مخطط لها، فيمكن للمودع اللبناني أن يستعيد 74% من أمواله". وقد تم تقدير رقم الودائع الدولارية الموجودة حاليا في المصارف، بعد حسم مبلغ التسليفات إلى القطاع الخاص منها، بحوالي 84 مليار دولار، حسبما أشار رئيس جمعية تجار بيروت.
ويشير رئيس المجلس الوطني للاقتصاديين اللبنانيين، صلاح عسيران، إلى أنه بموجب الخطة "ستخرج الدولة من عملية الهيكلة بنسبة الدين إلى الناتج الإجمالي بحوالي 50%" ما سيسمح لها بالعودة في المستقبل الى أسواق التمويل الدولية متعددة الأطراف لتحفيز اقتصادها".