عادت الأضواء إلى شركة "توتال" الفرنسية لبنانياً بعد دخولها على خطّ ملف الترسيم للعب دور مساعد وفق تعبير الرئيس اللبناني ميشال عون، وقد شملها العرض الأميركي المُرسَل من قبل الوسيط عاموس هوكشتاين بالسماح لها بمعاودة التنقيب والاستخراج مقابل توفير الضمانات لها، ولا سيما الأمنية منها.
وتشترط "توتال" لبدء عمليات الاستكشاف والتنقيب إنجازا كاملا لاتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، فهي تصرّ بحسب قول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد" على الاستقرار للقيام بنشاطها، خصوصاً الأمني، من هنا تأتي أهمية إنهاء النزاع بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي ووقف التهديدات بالتصعيد العسكري الذي يعرّض الطاقم الفرنسي للخطر.
ويؤكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أنه فور توقيع اتفاق ترسيم الحدود والانتهاء من كافة الإجراءات المتصلة به يمكن لشركة توتال أن تبدأ نشاطها، وهو ما أكدته للمسؤولين اللبنانيين في أكثر من مناسبة.
ووقعت الحكومة اللبنانية عام 2018 عقوداً مع تحالف الشركات "توتال" الفرنسية، "إيني" الإيطالية، و"نوفاتيك" الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9، على أن تبدأ أعمال حفر الآبار الاستكشافية خلال 3 سنوات، وقد تبيّن أن الرقعة 4 جافّة، ودخل الموضوع سجالاً سياسياً لبنانياً حول النتيجة ومن ثم توقفت الأعمال فيه، بينما لم يبدأ الحفر في الرقعة رقم 9.
وفي مايو/أيار 2022، مدّد مجلس الوزراء اللبناني العقد، مرة ثانية بعد أن تقدمت شركة "توتال" بطلب.
وعلى الرغم من الوعود الفرنسية، للمسؤولين اللبنانيين ببدء الشركة الفرنسية أعمالها، بيد أن تأجيل التنقيب في البلوك رقم 9 كان العنوان الأبرز منذ بدء "العلاقة التعاقدية"، آخرها الأعمال التي كانت مقرّرة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك ربطاً بأسباب كثيرة، منها جائحة كورونا، فتلك السياسية، المادية الاقتصادية والأمنية.
ويأتي ذلك، بينما يتهم الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على الشركات لمنعها من القيام بنشاطها في البلوكات اللبنانية غير المتنازع عليها.
بداية، يؤكد الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب لـ"العربي الجديد" أن "الشركات، هي التي تستثمر لكي تحصد حصتها من الإنتاج لتعويض التكاليف التي تكبّدتها، ولكن بما أن نوفاتيك التي تملك نسبة 20 في المائة من التحالف، انسحبت، لينتهي بالتالي دورها مع انتهاء التمديد الأول أي في 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فإن الدولة اللبنانية ستحلّ مكانها، وتحصل على الـ 20%، علماً أنه يمكنها بيع هذه النسبة إلى شركة أخرى، أو يمكنها أن تحتفظ بـ 0.01% من النسبة وتبيع الباقي للشركتين الفرنسية والإيطالية".
ويلفت أيوب إلى أن أياً من البلوكات لم تبدأ فيها أعمال الاستكشاف باستثناء البلوك رقم 4 الذي تبين عدم وجود أي كميات تجارية فيه، مشيراً إلى أنه بالاتفاق الذي يُبحث، فإنه في البلوك رقم 9 هناك حقل محتمل، سُمِّيَ بحقل قانا، وهو ممتد جنوب الخط 23، فإذا أعطي لبنان الخط 23 فهناك جزء منه ممتد تعتبره إسرائيل سيادة إسرائيلية.
تبعاً لذلك، يشير أيوب إلى أن المشكلة تكمن في البلوك رقم 9 وجزء من البلوك 10، باعتبار أن هناك إشكالية أين يبدأ خط الترسيم، هل في قلب البحر أو نقطة رأس الناقورة التي تربط البحر بالبر، والجانب الإسرائيلي يطلب حماية أمنية بالبلوك رقم 10 أي على الحدود تقريباً جنب البرّ، أي خط الطفافات أو العوامات، يمتد من 5 إلى 6 كلم في قلب البحر.
أما الترجيحات بوجود نفط في حقل قانا، فلا يمكن معرفة ذلك إلا عبر الحفر، حسب أيوب، الذي يلفت إلى أن هناك دراسات ثنائية وثلاثية الأبعاد أجريت قبل عشر سنوات، أظهرت أن هناك احتمالا لوجود غاز.
ويضيف أيوب: "هناك 75 في المائة احتمال عدم وجود نفط في حال حفرنا في البلوك 9، و25 في المائة احتمال إيجابي، يعني عند حفر 4 آبار، قد يكون هناك بئر منها فيها اكتشاف تجاري وثلاث آبار جافة".
أما على صعيد تكلفة الاستخراج، فلا أرقام دقيقة كما يقول أيوب الذي يؤكد أن كل بئر يمكن أن تكلف بين 60 و70 مليون دولار، لكن هذا يقتصر على حفر الآبار من دون أن يشمل عملية التطوير، لأنه عملياً يجب إحضار بواخر لتطوير الحقول، قبل أن تأتي باخرة مثل "انرجيان" لتبدأ عملية استخراج الغاز والتي كلّفت بين ربع إلى نصف مليون دولار، وبالتالي تنفق مليارات الدولارات كاستثمارات قبل استخراج الغاز، ولبنانياً نتحدث عن سنوات طويلة لا تقل عن ست سنوات.
ويوضح أيوب أنه لا يمكن معرفة كم سيستفيد لبنان، قبل الحفر وتحديد الكميات لتقدير نسبة الأرباح من الغاز، وأيضاً تبعاً لأسعار النفط عالمياً، والتوزيع الذي سيتم على صعيد الدولة اللبنانية والشركات المتحالفة.
من جهته، يؤكد الخبير الدولي في شؤون الطاقة رودي بارودي لـ"العربي الجديد" أنه من المبكر الحديث عن استفادة لبنان الاقتصادية، وتكلفة الاستخراج قبل بدء عملية الحفر، لكن استناداً إلى نماذج من دراسات جيولوجية هيدروكربونية، وتحليل باطن الأرض الصخرية، يمكن معرفة أن هناك موارد طبيعية غير مكتشفة بعد منها في المياه اللبنانية وشرقي المتوسط.
وأظهرت نتائج مسح أكثر من 60 ألف كيلومتر من الخطوط الزلزالية الثنائية والثلاثية الأبعاد في منطقة حوض شرقي المتوسط، منها لبنان، أن هناك ما يزيد عن 150 احتمالاً لوجود مكامن بترولية. يقول بارودي.
يؤكد الخبير الدولي في شؤون الطاقة رودي بارودي لـ"العربي الجديد" أنه من المبكر الحديث عن استفادة لبنان الاقتصادية، وتكلفة الاستخراج قبل بدء عملية الحفر
وفي وقتٍ يعتبر بارودي أن انسحاب نوفاتيك متوقع وطبيعي في ظل العقوبات الأميركية على الشركة الروسية، يشير إلى أن اتفاق ترسيم الحدود إذا ما سلك طريقه حتى النهاية من شأنه أن يحرك العجلة الاقتصادية بعض الشيء، حتى معنوياً، في ظل معاودة شركات النفط عمليات التنقيب، وفي المقابل تشجيع باقي الشركات العالمية على التقدم إلى عمليات الاستكشاف.
من جانبه، نشر المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة دراسة يشدد فيها على أن المسؤولين اللبنانيين تخلّوا عن ثروة تقدّر بمليارات الدولارات مع اعتماد الخط 23 والتنازل عن الخط 29.
ولفت خليفة إلى أن "الصفحات العشر في العرض الأميركي تترجم بإبقاء الاحتلال لنقطة رأس الناقورة والـ"ب1" والنفق وإبقاء احتلال جزء من المياه الإقليمية لحد الطفافات، وإعطاء حق سيادي لإسرائيل بجزء من حقل قانا، وهذا الحق مدوّن في الأمم المتحدة من خلال الخط 23، وكل كلام عن ضمانات هو كلام بكلام، وإلا فليكتب في الاتفاق أن لبنان له سيادة تامة على حقل قانا.
ولفت خليفة إلى أن توتال قد تكتفي بحفر بئر واحدة، وفقاً للعقد الموقع مع لبنان في البلوك رقم 9 من دون أن تكمل حتى الاستخراج، حينها نكون أعطينا الإذن ببدء الاستخراج من حقل كاريش من دون أن نستخرج من حقل قانا والحق يكون على توتال، سائلاً "هل هذا إنجاز؟". وأكد خليفة أن جمعية الدفاع عن حدود لبنان في البر والبحر ستقوم بواجبها في الحفاظ على مصالح الشعب العليا.