استفادة العراق من تحويلات المغتربين محدودة

03 سبتمبر 2021
المبالغ الداخلة بالعملة الصعبة لا تمثل رقماً مهماً في المعادلة المالية (فرانس برس)
+ الخط -

لا يبدو العراق واحداً من البلدان التي تستفيد كثيراً من مبالغ التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون والعاملون في قطاعات متفرقة في الخارج، إذ تفيد مصادر حكومية بأن كمية المبالغ الداخلة للبلاد بالعملة الصعبة (الدولار) لا تمثل رقما بالمعادلة المالية والاقتصادية العراقية لضآلتها، على عكس دول عربية أخرى، مثلت لها التحويلات من المغتربين أحد جدران الصد أمام تهاوي احتياطيات النقد الأجنبي في ظل تهاوي الإيرادات، بسبب تراجع أسعار النفط، وانتكاس أنشطة السياحة بفعل جائحة كورونا، وتراجع الاستثمارات الأجنبية والخدمات وصادرات الطاقة.

وحسب الأرقام الصادرة عن البنك الدولي وعدد من البنوك المركزية العربية، فقد شهدت تحويلات المغتربين زيادة خلال فترة جائحة كورونا، وحدث ذلك في مصر وتونس والمغرب ولبنان والسودان والجزائر وغيرها، لكن هذا الأمر لا ينطبق على العراق، رغم أن ميزانية عام 2021 التي قدرت بنحو 130 تريليون دينار عراقي (89.65 مليار دولار) تعاني من معدل عجز يبلغ 28.7 تريليون دينار عراقي (19.79 مليار دولار).

وأكد مصدران متخصصان في الشؤون المالية، وهما مقربان من رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، أن "العراق لا يعتمد على الأموال الوافدة من الخارج، وتحديداً الحوالات الشخصية، ومنها أموال المغتربين التي تصل إلى أهلهم وذويهم، لأنها ليست مبالغ كبيرة من جهة، وتصرف عادة في الأسواق، الأمر الذي يدعم السوق العراقية بشكلٍ طفيف، ولا يملك العراق تصورا واضحا لحجم هذه الدفعات من جهة أخرى، لأنها متذبذبة، حتى وإن تم حصرها في مدة زمنية وهي فترة جائحة كورونا، لكن الجهات الرقابية والمتخصصة في إحصاء العملة الصعبة الوافدة تنظر بعين الاعتبار إلى الدفعات المالية التي تطلقها المنظمات الدولية، كونها مبالغ ضخمة، وخصوصاً ما يصل إلى أيدي الصحافيين والحقوقيين والعاملين في مجالات المجتمع المدني".

وأوضح المصدران، لـ"العربي الجديد"، أن "الداخل من الدولار من الممكن أن يمثل أهمية كبيرة بالنسبة لاقتصاد العراق، لكن ما يتم تسريبه عبر ما يُعرف بـ(مزاد العملة) في البنك المركزي، وشراء التجار والمصارف للدولار بأسعار أقل من التداول المحلي المعتمد، يسهم في تقليل استفادة الدولة من العملة الوافدة، ناهيك بعمليات الفساد المالي وتهريب الدولار إلى الخارج عبر سياسيين ومصارف محلية".

وذكر أحد المصدرين أن "المشكلة العراقية أساسا في تسرب الدولار إلى الخارج تحت عناوين مختلفة، أما التحويلات التي تدخل العراق فهي لا تمثل رقما مهما، وتكاد لا تتجاوز 100 مليون دولار سنويا، وتشمل تحويلات شخصية أو عائلية ومرتبات موظفين وعاملين في الصحافة والمنظمات الأجنبية، والشركات العاملة بالعراق، وجوانب أخرى".

من جهتها، بيَّنت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي ندى شاكر جودت، أن "أي مبلغ بالدولار الأميركي يصل إلى العراق هو مكسب لميزانية العراق والقدرة الشرائية للعراقيين، بالتالي فإن زيادة الدولار المتداول في البلاد تعد واحدة من أهم أدوات التطور الاقتصادي، لكن بشرط أن تكون ضمن السيطرة الحكومية، لأن تحوّل الدولار إلى أداة شرائية دائمة في البلاد سيُضعف الدينار العراقي أكثر من انخفاض قيمته الحالية".

واستكملت حديثها مع "العربي الجديد"، بقولها إن "العراق يعاني من سياسة مالية يشوبها الكثير من الأخطاء، من ضمنها الانخفاض في قيمة الدينار، الذي لم يعد مبرراً، خصوصاً بعد استقرار أسعار النفط في البلاد، إذ لا بد من إعادة الأمور إلى طبيعتها السابقة، وإرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل تفشي فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفها الفيروس".

أما علي فاضل، وهو محاسب في شركة للتحويل المالي ببغداد، فقد لفت إلى أن "التحويلات المالية في العراق خلال اشتداد جائحة كورونا خلال الأشهر الماضية لم تكن من خارج العراق إلى الداخل، بل العكس، فقد بلغت معدلات تحويل الدولار من العراق إلى بلدان عدة، منها أوروبية وأخرى عربية، مثل ألمانيا وفنلندا وفرنسا، إضافة إلى سورية ومصر ولبنان، وتتراوح مبالغ الحوالات الفردية للشخص الواحد إلى تلك الدول من 300 دولار أميركي إلى 1000 دولار أميركي، وبواقع مئات التحويلات اليومية من جميع فروع الشركة".

وأوضح فاضل، لـ"العربي الجديد"، أن "الدولار يتسرب منذ سنوات من العراق إلى الخارج، لكن معظم البنوك العراقية تؤكد أن الوارد من الدولار هو الأكثر، ومعظمها خاصة بمرتبات ومتعلقات تجارية".

بدورها، أشارت الخبيرة في شؤون الاقتصاد والأعمال ببغداد، سلام سميسم، إلى أن "العراق من البلدان التي لا تعول على التحويلات الخارجية، سواء من المغتربين أو العاملين في دول الخليج والاتحاد الأوروبي وأميركا، وهو عكس بلدان مثل مصر والأردن، التي ترفد دولارات الحوالات ميزانياتها المالية، وتسعى من خلالها إلى تطوير اقتصاداتها، كما أن بعض الدول تضع بنداً في الموازنات الخاصة بها تتعلق بالحوالات والعملة الصعبة التي تصل من الخارج من أجل دفع عجلة ميزان المدفوعات في هذه البلدان، والعراق على عكس هذا التفكير بشكل شبه كامل".

وبيّنت سميسم، لـ"العربي الجديد"، أن "الطرف الوحيد الذي يستفيد حالياً من التحويلات المالية من الخارج هو شركات التحويل العراقية، أو الأجنبية التي تمتلك فروعاً في العراق، كونها رفعت العمولات الخاصة بالتحويلات بعد انخفاض قيمة الدينار العراقي، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار".

المساهمون