يكافح الائتلاف الحاكم الذي يضم أحزاب "الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" و"الليبرالي الحر"، لتمرير موازنة ألمانيا للعام 2024، من منطلق مراعاة فرملة الديون المنصوص عنها في الدستور والامتثال لها، في ظل مستويات مرتفعة من التضخم وانكماش الاقتصاد الألماني في الربعين الماضيين، إضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض عدة مرات، وهو ما يفاقم العجز المالي ويشكل تحديا مفصليا.
كل ذلك، دفع لوضع الإنفاق الحكومي على المحك وتحديد الأولويات وسط اعتراض للوزراء الفيدراليين خلال المفاوضات التي ظلت مجمدة لأشهر، رغم الاعتراف بأن الديون المرتفعة تؤدي إلى عدم الاستقرار.
وهذا الواقع دفع بوزير المالية الاتحادي المنتمي إلى "الليبرالي الحر" كريستيان ليندنر، في مقابلة مع "ميركور" نُشرت الاثنين الفائت، إلى القول: "إننا أمام أصعب مناقشة للموازنة منذ العام 2010، حيث استفادت حكومات الائتلاف الكبير السابقة من أسعار الفائدة المنخفضة، وتم إهمال الجيش وتعزيز تقديمات الدعم الاجتماعي من دون تمويل مستدام، ومن ثم تم رفع فرامل الديون بسبب وباء كورونا".
واشار إلى أنه أبلغ نهاية مايو/ أيار الماضي، الوزارات بالحد الأقصى للأموال التي يمكن إنفاقها، في إشارة إلى أنه على الوزراء أن يتعلموا التعامل مع أموال دافعي الضرائب.
وبحسب "شبيغل"، فإن حزمة التخفيضات والتقشف التي سيعتمدها الوزير وستتأثر بها 12 وزارة، يمكن أن توفر 3.7 مليارات يورو، بينها مثلا وزارة النقل التي مطلوب أن تحد من مصاريفها بما يزيد عن المليار يورو، تليها وزارة الأبحاث بقيمة 533 مليونا، ووزارة الاقتصاد 387 مليونا، والداخلية 378 مليونا، والتطوير والتنمية 329 مليونا، والدفاع، التي ظلت ميزانيتها عند 50 مليار يورو عام 2023 ويتعين عليها تحقيق وفورات في الإعداد المالي لميزانية 2024 بهدف الاستثمار في الجيش الألماني "البوندسفير" وسط ظل التحولات الأمنية الاستراتيجية التي تعيشها أوروبا، وقد تستفيد من زيادة قدرها 1.7 مليار يورو مقارنة بهذا العام.
ونقلت "ِبيغل" عن مصادر وزارة المالية أن الوزير يريد زيادة الديون الجديدة بشكل كبير في الميزانية الفيدرالية لعام 2024، وعلى ما يبدو سيكون العجز بأكثر من 17 مليار يورو لأن الاقتصاد يزداد غموضا، بعدما كان التخطيط لاقتراض صاف قدره 12.3 مليار يورو، فيما من المقرر عقد آخر اجتماع عادي لمجلس الوزراء في 5 يوليو/ تموز، وفقا لليندنر، فإنه سيتم تمرير الميزانية قبل العطلة الصيفية على أن يصادق عليها البوندستاغ بداية ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
أما مسببات الفجوة التمويلية في ميزانية العام المقبل فتعود إلى تداعيات كورونا والإنفاق الإضافي وفي مقدمته الإعانات المرتفعة للأطفال، والتي بحسب ما أوردت شبكة "إيه آر دي" أنها قد تتجاوز 12 مليار يورو إضافية كل عام، إلى زيادة الدعم المالي لتحديث "البوندسفير"، ناهيك عن مساندة المواطنين المستفيدين من صناديق الدعم الاجتماعي والتقاعد، فضلا عن الإعفاءات الضريبية.
وبحسب ليندنر، يجب تعويض التكاليف الإضافية الناجمة عن اتفاقية المفاوضة الجماعية لأجور القطاع العام وأسعار الفائدة المرتفعة، مستبعدا الزيادة الضريبية لرفع الإيرادات، وقال إن حسابات الميزانية لن تنجح إلا إذا امتنع بعض الوزراء عن تعزيز الإنفاق.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن إحداث التوازن يتطلب استقرار الوضع الأمني عبر وقف حرب أوكرانيا، حيث من المتوقع، بحسب وكالة الأنباء الألمانية، أن تناهز 30.8 مليار يورو على الأقل. وبشكل عام، ثمة توقعات بأن تكون العائدات بحدود 962.2 مليار يورو، في حين أن من بين الأسباب الرئيسية، بحسب الوكالة نفسها، هو تعديل التضخم في ضريبة الدخل.
وهنا، يعتقد الوزير ليندنر أنه قد يُعاد حوالي 34 مليار يورو سنويا للأفراد والشركات، وفترة التقدير تغطي السنوات حتى العام 2027، الأمر الذي حتم تخفيض التوقعات بمتوسط 30 مليارا عن الإيرادات السابقة من الضرائب.
وبحسب التقديرات سيكون في العام المقبل لدى الحكومة حوالي 377.3 مليار يورو تحت تصرفها، وأقل بحوالي 17 إلى 20 مليارا عن الميزانية المطلوبة لعام 2024.