استمع إلى الملخص
- **تحديات العمال وأجورهم**: رغم زيادة الاستثمارات، لم تتحسن أوضاع العمال المادية، حيث يتقاضون رواتب منخفضة بالليرة التركية لا تتعدى 3000 ليرة، مما لا يكفي لتغطية تكاليف المعيشة.
- **نقد الاستثمارات الحالية**: الخبير الاقتصادي حيان حبابة يرى أن الاستثمارات الحالية غير مدروسة وتفتقر للمرونة، واصفاً إياها بـ"الجهل الاستثماري" نظراً للمخاطر العالية في بيئة غير مستقرة.
ظهرت حركة استثمارية في الآونة الأخيرة في إدلب شمال غربي سورية، كإنشاء المولات التجارية والمسابح العائلية والمطاعم والمعامل، مدفوعة بالهدوء النسبي من الناحية السياسية والأمنية، لا سيما بعد استجرار الكهرباء للمنطقة، وإنشاء مدينة صناعية في باب الهوى شمال إدلب. وجاءت هذه الحركة الاستثمارية بعد اتفاقية مارس/ آذار 2020، حين توصل كل من الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب.
وفي الوقت الذي زاد فيه الاستثمار برؤوس أموال كبيرة في إدلب، لم يترجم ذلك بخفض الأسعار أو زيادة أجور شريحة واسعة من العمال الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة التركية، والتي لم تتعد بأحسن أحوالها 3000 ليرة تركية ،أي أقل من 100 دولار فقط.
وقال أيوب الشيخ خيرو، وهو عامل ميكانيك في إحدى ورش تصليح السيارات في مدينة باب الهوى الصناعية، إن تلك المشاريع الاستثمارية رغم ضخامتها إلا أنها لم تحقق المأمول منها في تحسين أوضاع العمال المادية بزيادة الأجور. وأضاف أنه يتقاضى راتباً شهرياً يقدّر بـ2900 ليرة تركية مقابل عمل مرهق طوال الشهر، ما لا يكفي ثمناً للخبز وبعض الخضار لأسرته القابعة في مخيمات سرمدا شمال إدلب، وخاصة بعد انقطاع الدعم الأممي عن مخيمهم.
شكاوى عمال إدلب
من جانبه، لم يوفق محمد الخطيب في فرصة عمل ملائمة حتى الآن رغم حيازته لشهادة في الهندسة المعلوماتية، رغم أنه استبشر خيراً حين وجد أن المشاريع الاستثمارية زادت في المنطقة، غير أن الرواتب المحددة فيها لم ترق ليس لأحلامه المستقبلية وحسب، وإنما للحد الأدنى من التكاليف اليومية. وأشار إلى أن تلك المشاريع تخدم بالدرجة الأولى أصحابها وتزيد ثرواتهم، بينما لا تبقي للعمال إلا الفتات، وهو ما اعتبره "استغلالا واضحا لحاجة العامل أو الخريج الجامعي للحصول على فرصة عمل مقابل أي راتب يعرض عليه في مواجهة الغلاء وقلة مصادر الدخل".
أما حياة الدعبول التي تبيع الألبسة في إحدى المولات التجارية الضخمة في مدينة الدانا تقول إن من يراها تعمل داخل تلك المولات الضخمة يعتقد أنها تتقاضى أجراً لائقاً، بينما في الأصل لا يتعدى راتبها الشهري الـ1500 ليرة تركية، أي أقل من 50 دولاراً مقابل أكثر من 12 ساعة عمل. وأشارت إلى أنها مضطرة للقبول بالراتب القليل من أجل مساعدة زوجها في الإنفاق على العائلة، خاصة أن أجرته في أحد محلات بيع المواد الغذائية لا تتعدى مع أجرتها الـ150 دولاراً، بينما تحتاج العائلة الواحدة إلى ما لا يقل عن 400 دولار من أجل تأمين الحد المقبول من مستلزماتها الأساسية.
من جهة أخرى، قال التاجر فؤاد الحسين، صاحب أحد مصانع الخيوط في إدلب، إنه قرر الاستثمار رغم المخاطر المتوقعة لتأمين موارد تغني السوق المحلية بدل الموارد التركية المنافسة، وهو يطمح للحد من الاستيراد وخفض الأسعار وتأمين فرص عمل لشريحة واسعة من الشباب. ولا ينكر الحسين أن أجور العمال مازالت منخفضة، والسبب كما يبرره هو تأمين أكبر قدر ممكن للعاطلين عن العمل، فبدل تعيين عامل واحد بأجر 300 دولار، يتم تعيين ثلاث عمال للوظيفة ذاتها عبر التعاون والمناوبة، فيما بينهم براتب يعادل 100 دولار لكل فرد منهم.
استثمارات غير مدروسة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حيان حبابة لـ"العربي الجديد" إن الاستثمارات الناشئة في إدلب ليست ضخمة إذا قورنت بالكثافة السكانية الكبيرة. وأوضح أن "لهذه الاستثمارات إيجابيات عدة، لكنها ما زالت دون المأمول منها على المستوى الاقتصادي، فهي ليست استثمارات معيارية، لأنها غير مدروسة وليست موجهة توجيها صحيحاً بما يتناسب مع المنطقة، نظراً لكمية رؤوس الأموال المستثمرة في تلك المشاريع".
ورأى حبابة أن "تلك الأموال لو استثمرت في مشاريع متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر كانت أكثر نفعاً، بحيث لا تحتاج بطبيعتها إلى رؤوس أموال ضخمة وتتميز بمرونتها في مواجهة المخاطر، وهي أساس التنمية الاقتصادية المستدامة، وفوائدها تعود على الفرد والمجتمع، عكس المشاريع الكبيرة التي تحمل هدفا رئيسيا بتعظيم ثروة صاحب الاستثمار بشكل مباشر، مع وجود فوائد غير مباشرة على المجتمع".
ووصف حبابة هذا النوع من الاستثمارات في بيئة ما تزال غير مستقرة بـ"الجهل الاستثماري" الذي يدفعهم باتجاه استثمار الأموال الطائلة في مشاريع نسبة المخاطرة فيها عالية جداً، سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، وتكمن الخطورة في "زيادة مديونية تلك المشاريع التي هي بالأساس أصولها الثابتة كبيرة جداً على حساب أصولها المتداولة".
ولا يظن حبابة أن "أصحاب تلك الاستثمارات يعولون على نسبة أرباح طائلة، ولكنهم يقدمون على تلك المشاريع كالمولات وغيرها بسبب قلة الاستثمارات الأخرى أو بالأحرى جهلهم بها على مستوى الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والتجارة، وهذا يدل على عدم الاعتماد على دراسات الجدوى، سواء الاقتصادية أو المالية أو التقنية".