أكد المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن أن إعادة مصفاة بيجي النفطية للعمل سيكون له فوائد هامة للاقتصاد العراقي، مشيراً إلى أن العراق يخسر سنوياً ما لا يقل عن 5 مليارات دولار جراء استيراده للمشتقات النفطية رغم امتلاكه ثاني أكبر احتياطي للنفط في منظمة "أوبك".
وأورد تقرير للمركز، اليوم الأربعاء، بإشراف مدير البحوث الاقتصادية، صادق الركابي، أن العراق يمتلك قدرات لتكرير 1116 مليون برميل يومياً، في حين أن إنتاجه الحالي لا يتجاوز الـ950 ألف برميل يومياً، مشيراً إلى أن عودة مصفاة بيجي للعمل من شأنها رفع قدرات العراق التكريرية إلى مستوى 1260 مليون برميل يومياً، ما يسد حاجة البلاد الاستهلاكية من المنتجات النفطية، ويغني بغداد عن استيرادها.
وينفق العراق سنوياً نحو 3.5 مليارات دولار لشراء البنزين والديزل، إذ يستهلك 32 مليون لتر بنزين يومياً، ما يشكل ضغطاً على موازنة البلاد التي تحتاج هذه الأموال في مشروعات ضخمة بمجال البنى التحتية، مثل طريق التنمية بكلفة 17 مليار دولار، وميناء الفاو الكبير بكلفة 4.6 مليارات دولار، بحسب التقرير، الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه.
توقيت مناسب
وعن توقيت إعادة مصفاة بيجي للعمل، ذكر التقرير أنه جاء بالتزامن مع رفض تركيا لتصدير نفط كردستان عبر أنبوب كركوك-جيهان، البالغ نحو 450 ألف برميل يومياً، ما فسره مراقبون على أنه رد فعل على قرار محكمة باريس الدولية، القاضي بدفع أنقرة 1.5 مليار دولار تعويضاً لبغداد جراء تصدير تركيا نفط إقليم كردستان دون موافقة الحكومة العراقية.
لكن تركيا ترفض هذا الادعاء، وتلقي باللوم على "الظروف القاهرة" التي أدت لتضرر الأنبوب العراقي التركي عقب زلزال فبراير/ شباط هذا العام.
ويبرز التقرير أن القرار التركي تسبب بخسارة العراق أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً، بالإضافة إلى تعليق عمل معظم شركات النفط الأجنبية العاملة في كردستان لعدم قدرتها على الإنتاج في ظل توقف الصادرات.
كما طلبت أنقرة من بغداد اعتبار حزب "العمال الكردستاني" منظمة إرهابية، ما اعتُبر "استخداماً للنفط كورقة ضغط سياسي"، بحسب التقرير، الذي أشار إلى أن تركيا أبدت امتعاضها من اتفاق مقايضة النفط العراقي بالغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، لا سيما وأن قرابة 100 ألف برميل ستصدر يومياً من حقول كركوك بموجب هذا الاتفاق، ما يعني خسارة تركيا أجور نقل وتخزين وتحميل تلك الكميات، التي كان يفترض أن تصدر عبر موانئها.
الموقف التفاوضي
ووفق تقدير المركز العالمي للدراسات التنموية، فإن استمرار تركيا بتعليق صادرات نفط كردستان سيجعل من مصفاة بيجي الحل الأمثل، فالقدرة التكريرية للمصفاة، البالغة 310 ألف برميل يومياً، يمكن الاستفادة منها في الاستهلاك المحلي.
وتتسلم بغداد حالياً 85 ألف برميل يومياً من نفط إقليم كردستان ليتم تكريرها في المصافي العراقية مع خطط لزيادة الكميات إلى 150 ألف برميل يومياً، ويعزز ذلك من موقف العراق التفاوضي مع تركيا، التي تحاول فرض شروطها فيما يتعلق بخفض رسوم المرور أو التنازل عن تعويضات المحكمة الدولية.
كما تقلل زيادة قدرات العراق التكريرية اعتماد البلاد على المشتقات النفطية من إيران أيضاً، وتجنب العراقيين مزيداً من الضغوط الاقتصادية المتعلقة بارتفاع التضخم والأسعار الأساسية المرتبطة بالوقود والنقل، بحسب تقدير المركز العالمي للدراسات التنموية.
ويلفت الركابي، في هذا الصدد، إلى أن العراق يستورد الغاز الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية، ما يعرضه لخطر العقوبات الأميركية التي يتم استثناؤه منها سنوياً، لذا فإن استقلال العراق واكتفاءه من ناحية المشتقات النفطية سيكون مصدر ترحيب دولي، وسيضاف إلى خطوات العراق لتعزيز استقلاله في ملف الطاقة.
أما على صعيد التزامات العراق الدولية، فإن عودة مصفاة بيجي ستعزز من قدرة العراق على الالتزام باتفاق خفض الانتاج في تكتل "أوبك+"، حيث أعلن العراق عن خفض طوعي يصل الى 210 آلاف برميل يومياً، كما ستمكن العراق من تحويل الكميات المخفضة في الاستهلاك المحلي دون أن يتسبب بمزيد من الضغط على أسعار النفط العالمية جراء زيادة الإنتاج، بحسب الركابي.
يذكر أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أعلن، في وقت سابق، عن استعادة معدات وأجهزة سرقت من مصفاة بيجي، خلال سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي عليه عام 2015، موضحاً أن أحد المواطنين أعاد نسبة كبيرة من معدات المصفاة التي تعتبر أساسية لإعادة العمل فيها، والتي يكلف طلبها من الخارج ملايين الدولارات، ويستغرق تصنيعها سنوات عديدة.