استفادت الدول المنتجة للنفط والغاز من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وقفزات أسعار الطاقة، حيث اتجهت دول أوروبا إلى إيجاد بدائل للاستيراد من موسكو، ونحو دول أخرى منتجة للطاقة، ومنها قطر، التي سجلت صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، ارتفاعاً قياسياً خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، تجاوز من حيث القيمة نسبة 107%، ووصل إلى 43.5 مليار ريال (11.9 مليار دولار)، مقابل 21 مليار ريال قبل عام.
وأدى ذلك إلى رفع فائض قطر التجاري الشهري إلى نحو 34.2 مليار ريال، كذلك تجاوزت صادرات الوقود القطري شديد التبريد في نهاية إبريل حاجز الـ7.5 ملايين طن متري، متخطية الولايات المتحدة، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".
وتصدرت الهند قائمة مستوردي الغاز القطري بأكثر من 886 ألف طن، تليها باكستان بـ599 ألفاً، وكوريا الجنوبية بـ526 ألفاً، والمملكة المتحدة بـ408.6 آلاف، والصين بـ390 ألفاً، وإيطاليا بـ341 ألفاً.
ويرى خبراء اقتصاد ونفط أن الارتفاع القياسي للصادرات النفطية القطرية، يعود في المقام الأول لزيادة أسعار النفط عالمياً من جراء الحرب الروسية على أوكرانيا المستمرة منذ أربعة أشهر، وبلوغها مستويات تاريخية تجاوزت 120 دولاراً للبرميل، إلى جانب الزيادة في صادرات قطر من النفط الخام والمكثفات بما يتخطى المليون برميل في اليوم في إبريل، وهو الرقم الأعلى خلال ثلاث سنوات.
وأرجع المحلل الاقتصادي، محمد حمدان، في حديث مع "العربي الجديد"، القفزة النوعية في صادرات قطر من الطاقة إلى ثلاثة عوامل: الأول ارتفاع الطلب على الطاقة أوروبياً، وخاصة الغاز الطبيعي المسال، والثاني زيادة الأسعار جراء العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، إلى جانب توجس دول الاتحاد الأوروبي من الغاز والنفط الروسيين، ما أتاح مجالاً للدول المصدرة، وخاصة الخليجية، للعب دور في تدفق كميات إضافية من الغاز إلى القارة العجوز.
ويلفت حمدان إلى أن بيانات جهاز التخطيط والإحصاء في قطر للتجارة الخارجية في إبريل، تسجل لأول مرة بريطانيا ضمن الدول الأربع التي تشكل مقصداً رئيساً لصادرات الغاز الطبيعي المسال القطري، وهذا يعزى إلى زيادة الصادرات القطرية إلى محطة "ساوث هوك" للغاز المسال في بريطانيا، ويتوقع زيادة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي بعد جولة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال مايو/ أيار الماضي التي شملت كلاً من إسبانيا وألمانيا وبريطانيا وسلوفينيا وفرنسا ودافوس في سويسرا، وستشهد تدفقات زائدة من الغاز القطري لأوروبا، وسيكون هناك انعكاس إيجابي على حصيلة الصادرات وموازنة قطر واحتياطاتها من النقد الأجنبي.
ومنذ شرعت موسكو بقرع طبول الحرب لغزو أوكرانيا مطلع العام الجاري، بدأت دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد بنسبة تقدَّر بـ 40% على الغاز الروسي، بالبحث عن بدائل، واتجهت البوصلة إلى قطر، كأهم الدول المصدرة للغاز المسال في العالم. وتحولت الدوحة خلال الشهور الماضية إلى وجهة رئيسية لكبار المسؤولين الغربيين والأوروبيين الباحثين عن الغاز الطبيعي المسال والمتطلعين إلى إبرام عقود طاقة طويلة الأجل.
وأعطت أزمة الطاقة العالمية الحالية، قطر مساحة ثقة وأمان وسوق ائتمان مالي مستقر للاستثمارات بعد نزوح السيولة من عدد من دول أوروبا وروسيا، وتسعى دول عديدة في العالم، وخصوصاً الأوروبية، للحصول على إمدادات غاز بديلة.
وفي أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، زار نائب المستشار الألماني روبرت هابيك، الدوحة، وقال حينها إن ألمانيا وقطر اتفقتا على "شراكة طويلة الأمد" في مجال الطاقة للمساعدة في خفض الاعتماد على الغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا. وكشفت شركة قطر للطاقة عن اتفاق مع الجانب الألماني لاستئناف المناقشات ومواصلتها حول إمدادات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل من قطر إلى ألمانيا بين الشركات التجارية الخاصة بالطرفين.
وبدأ السباق الدولي الغربي والأوروبي غير المسبوق لاستبدال الغاز الروسي بالغاز القطري ودول أخرى، والعمل على التخلص من الشروط التي تعرقل رحلة الإمدادات الغازية البديلة للطاقة الروسية، ليس من ناحية قلة العرض، بل في صعوبة الخضوع للشروط القطرية بعد التخلص من العقود الروسية، إذ برزت مخاطر يجتهد القادة الأوروبيون في حلها.
وهنا بدأت قطر كراعٍ أساسي، وكأحد حلول مشاكل البديل النفطي والغازي حول العالم، تحجز مكانة دولية لها، بالإضافة إلى حجزها مكاناً آمنا كسوق مالية ائتمانية ذات اقتصاد مستقر، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الاقتصادية، رائد المصري.
أعطت أزمة الطاقة العالمية الحالية، قطر مساحة ثقة وأمان وسوق ائتمان مالي مستقر للاستثمارات بعد نزوح السيولة من عدد من دول أوروبا وروسيا
أوضح المصري في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التداعيات الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا تعني أن مكانةَ قطر كأكبرِ مُصدر للغاز الطبيعي المُسال سيجري ترسيخها بشكلٍ أكبر، إذ تتطلّع أوروبا إلى استبدال الغاز الروسي لتبدأ رحلة الطاقة الإنتاجية المُوسعة لقطر العمل، بحسب معهد بروكنغز في الدوحة.
لكن هل يشكل الغاز القطري بديلاً إذا توقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا؟ يقول الباحث في مركز الشرق للسياسات، سعد الشارع، لـ "العربي الجديد"، إنه بحسب المنطق الهندسي يمكن ذلك، غير أنه يحتاج إلى فترة زمنية ليست بالقليلة.
وأشار إلى أن تكاليفه المادية باهظة، كذلك فإن "الدوحة لا تريد خلق توتر سياسي مع موسكو، فربما تعتبر السياسة الروسية بدء تعويض أوروبا عن الإمدادات الغازية الروسية، تغييراً في السياسة القطرية تجاه موسكو".
وأوضح أن قطر تسعى دائماً إلى الاستقرار، وخاصة أنها مقبلة على استحقاق عالمي في نهاية العام الجاري يتمثل باستضافتها أول بطولة لكرة القدم في المنطقة (مونديال 2022)، وبالتالي لا تريد تغيير سياستها تجاه الدول اقتصادياً، كذلك إن أمد الحرب غير معروف، فقد تتوقف في مرحلة معينة، وبالتالي يعود البحث مع روسيا لمعاودة ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، لذلك لم تحاول قطر فتح هذا الباب إلا في ما يتعلق بزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي.
ومن جانبه، يرى الخبير المتخصص بالطاقة، شوقي مهدي، أنه لا يمكن في الوقت الراهن القول إن قطر أو غيرها تستطيع سد العجز في الصادرات الروسية من الغاز نحو أوروبا، لافتاً إلى ما ذكره وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد بن شريده الكعبي، في تصريحات سابقة، عن مشروع قطري أميركي، هو "غولدن باس"، لتصدير الغاز الطبيعي المسال في تكساس، ويجري تطويره كمنصة لتصدير الغاز الطبيعي المسال بسعة تصل إلى نحو 16 مليون طن سنوياً، وستوجَّه هذه الصادرات نحو أوروبا خلال عام 2024.
وأضاف أن ذلك يعنى أنه على المدى المتوسط، يمكن دولة قطر ومنتجين من الجزائر والولايات المتحدة وغيرهم أن يحدثوا فرقاً في الغاز المتدفق نحو أوروبا وليس في المدى القريب.
ولا تتجاوز قدرة قطر على تزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز حالياً سوى كمية 60 ألف متر مكعب يومياً، فيما يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى قرابة مليار متر مكعب في اليوم، والسبب في ذلك يعود إلى أن أكثر من 90% من صادرات الغاز القطرية تذهب إلى شرق آسيا وجنوبها بعقود طويلة الأجل، بحسب صحيفة "دير شبيغل" الألمانية.
وخلال الشهرين الأخيرين حُوِّلَت وجهة بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال من شرق آسيا نحو أوروبا، بعد سعي ومحاولة أميركية لإقناع كوريا الجنوبية واليابان بهذا الأمر، لكون الكميات التي تنتجها قطر جرى التعاقد على بيعها سلفاً لدول، من بينها الصين المتعطشة للطاقة.