ارتفعت تكاليف الطاقة في أوروبا إلى نحو تريليون دولار كأحد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث بدأت أعمق أزمة طاقة في القارة العجوز منذ عقود.
ووفقاً لتقرير في وكالة "بلومبيرغ" يوم الأحد، فإن الأزمة مرشحة للاستمرار من شح مصادر الطاقة وارتفاع للأسعار حتى عام 2026 عندما يبدأ توافد غاز مسال إضافي من قطر والولايات المتحدة.
ووقعت شركتا قطر للطاقة وكونوكو فيليبس الشهر الماضي اتفاقات بيع وشراء لتزويد ألمانيا بالغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال.
وأعلنت ألمانيا، شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، افتتاح أول رصيف لوصول الغاز الطبيعي المسال في مدينة فيلهمسهافن الألمانية، والذي يعد واحداً من أربع محطات يتم إنشاؤها تعويضاً عن نقص إمدادات الطاقة من روسيا.
ووفقاً لتقرير مركز أبحاث بروغيل "Bruegel" في بروكسل، فإن الحكومات الأوروبية أنفقت أكثر من 700 مليار يورو حتى الآن دعماً للشركات والمواطنين لامتصاص أزمة ارتفاع أسعار الطاقة، متوقعاً استمرار الأزمة لسنوات، مما يزيد الضغط على ميزانيات الحكومات.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة ودخول الاقتصادات الأوروبية في حالة ركود، فإن الدعم الذي خفف من حدة الضربة التي لحقت بملايين الأسر والشركات يبدو بشكل متزايد أنه لا يمكن تحمّله.
وقال الخبير المالي مارتن ديفينش إن القدرة المالية للحكومات مستنفدة بالفعل، فحوالي نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها ديون تتجاوز حد الكتلة البالغ 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأدى الاندفاع الأوروبي لملء الخزانات بالغاز الطبيعي خلال الصيف الماضي إلى تخفيف حدة أزمة توافر الطاقة، لكن بأسعار شبه قياسية، وما سيزيد الأمر صعوبة هو توقعات الشتاء الأكثر برودة في أوروبا، ما سيؤدي للضغط على المخزونات.
وصدرت تحذيرات في ألمانيا الأسبوع الماضي، من عدم توفير كميات كافية من الغاز، وطُلب من الشركات والمستهلكين ترشيد الاستهلاك.
وتمكن الاتحاد الأوروبي من كبح الطلب على الغاز بمقدار 50 مليار متر مكعب هذا العام، لكن المنطقة لا تزال تواجه فجوة محتملة بين الطلب والعرض قدرها 27 مليار متر مكعب في عام 2023، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ويفترض ذلك الاحتمال انخفاض الإمدادات الروسية إلى الصفر وعودة واردات الغاز الطبيعي المسال الصينية إلى مستويات عام 2021.
ولتجنب النقص، حددت المفوضية الأوروبية الحد الأدنى من الأهداف للمخزونات، إذ إنه بحلول أول فبراير/ شباط يجب أن تكون الخزانات ممتلئة بنسبة 45% على الأقل لتجنب نضوبها بحلول نهاية موسم التدفئة.
أما إذا كان الشتاء معتدلاً، فإن الهدف هو ترك مستويات التخزين عند 55% بحلول ذلك الوقت، إذ وصلت واردات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا إلى مستويات قياسية، ويتم افتتاح محطات عائمة جديدة في ألمانيا لاستقبال الوقود.
وساعد الشراء المدعوم من الحكومات الأوروبية على جذب شحنات الغاز بعيداً عن الصين، لكن الطقس الأكثر برودة في آسيا والانتعاش الاقتصادي القوي المحتمل، بعد أنّ خففت بكين قيود كوفيد، قد يجعلان ذلك أكثر صعوبة.
ومن المرجح أن تكون واردات الغاز الصينية أعلى بنسبة 7% في عام 2023 مقارنة بهذا العام، وفقاً لمعهد اقتصاديات الطاقة التابع لمؤسسة الصين الوطنية البحرية للنفط.
وبدأت الصين في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال للعام المقبل، مما يضعها في منافسة مباشرة مع أوروبا لشحنات الغاز.
كذلك الصين ليست مشكلة أوروبا الوحيدة، فهناك دول آسيوية أخرى تتجه لشراء المزيد من الغاز، إذ تفكر اليابان، أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم هذا العام، في إنشاء احتياطي استراتيجي، إذ تتطلع الحكومة أيضاً إلى دعم المشتريات.
وبلغ متوسط العقود الآجلة للغاز الأوروبي حوالي 135 يورو لكل ميغاواط / ساعة هذا العام بعد أن بلغت ذروتها عند 345 يورو في يوليو.
ووفقاً لجيمي راش، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في "بلومبيرغ إيكونوميكس"، فإن الأسعار إذا عاودت الارتفاع إلى 210 يورو، فقد تصل تكاليف الاستيراد إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي.
وقد يؤدي ذلك إلى دفع الركود الضحل المتوقع إلى انكماش عميق، ومن المرجح أن تضطر الحكومات إلى تقليص برامج الدعم.
وقال الخبير الاقتصادي بيت كريستيانسن إن "طبيعة الدعم الحكومي ستتغير من نهج عاجل وشامل إلى إجراءات أكثر استهدافاً"، مضيفاً أن "أرقام الدعم للطاقة ستكون أقل، لكنها ستظل موجودة خلال هذه الفترة".
وبالنسبة لألمانيا، التي تعتمد على الطاقة بأسعار معقولة لصنع منتجات من السيارات إلى المواد الكيميائية، فإن التكاليف المرتفعة تعني فقدان قدرتها التنافسية للولايات المتحدة والصين. وهذا يضغط على إدارة المستشار أولاف شولتز للحفاظ على دعم الاقتصاد.