سببت الحرب الروسية على أوكرانيا والتهديد بوقف إمدادات الغاز من موسكو مشاكل هائلة، ووضعت الاقتصادات الألمانية والأوروبية في حالة تأهب.
ولسدّ هذه الفجوة، باتت الآمال معقودة على الغاز الطبيعي المسال لتعويض جزء من عمليات التسليم التي تورّدها روسيا، الذي وفقاً للمنطق، ومن الناحية النظرية، يمكن استيراده بسهولة من طريق السفن من دول بعيدة.
لكن من الناحية العملية، غالباً ما يتبين أن الآمال مبالغ فيها، ولا سيما أن الأسعارآخذة في الارتفاع، والطلب تصاعدي والعرض نادر.
وتسعى ألمانيا وأوروبا، ضمن خططهما الطموحة، لاستبدال حوالى 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء أوروبا في السنوات المقبلة.
طلب مرتفع
من جانبها، قالت روث لياو من شركة أبحاث السوق "إيسيس" والخبيرة في تقييم أسعارالغاز والنفط، إن الطلب المرتفع حالياً يواجه نقصاً في المعروض العالمي وشكوكاً بشأن إمدادات الغاز الطبيعي الروسي.
وأضافت في تصريحات لصحيفة "هاندلسبلات"، أن ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. فمثلاً، خلال الأيام الأخيرة من الشهرالماضي، بلغت تكلفة ميغاواط ساعة من الغاز الطبيعي المسال أقل بقليل من 121 يورو.
ووفقاً لبورصة "داس" الهولندية، ارتفعت الأسعار في غضون أسبوع واحد فقط بنسبة 60% تقريباً، ويضاف إلى ذلك تكاليف تحويل الغازالطبيعي وتوزيعه.
علاوة على ذلك، أشارت لياو إلى أن السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال متوترة للغاية بسبب نقص الاستثمارات في السنوات الأخيرة وارتفاع الطلب الحالي، ولكونه يجب أولاً تسييل الغازالطبيعي، ومن ثم نقله من طريق السفن، وهذا ما يترجم بأن يصبح سعره أغلى من الغاز الطبيعي المستورد عبر خطوط الأنابيب، وأن أحد الأسباب التي جعلت الاتحاد الأوروبي يفضل على وجه الخصوص دائماً الغاز المستورد من روسيا، الذي بلغت نسبته 40% أوروبياً، وفي المانيا عند 55% حتى عام 2021.
وبحسب لياو، من المتوقع أن تستورد موانئ الغاز الطبيعي المسال في شمال غرب أوروبا 45 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال هذا العام، بزيادة بلغت 92 بالمائة عن العام الماضي.
لكن نظراً للطلب العالمي المتزايد بشكل كبير، يتوقع الخبراء في شركة إيسيس للأبحاث أن يكون هناك نقص بأكثر من أربعة ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال هذا العام لتغطية الطلب العالمي.
تراجع أميركي
وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يؤدي فقدان الإنتاج في الولايات المتحدة إلى تفاقم الوضع أكثر، حيث أدى انفجار في منشأة فري بورت للغاز الطبيعي المسال في تكساس أوائل يونيو/حزيران الماضي إلى إغلاق إحدى محطات التصدير الرئيسية للاتحاد الأوروبي.
ويمرّ حوالى 15% من جميع الصادرات عبر المصنع الواقع في جنوب غرب البلاد.
وعلى إثر ذلك، أعلنت المنشأة أن الأمر سيستغرق على الأرجح حتى نهاية العام قبل أن تعود المنشأة لتكون جاهزة للعمل مرة أخرى.
والولايات المتحدة حالياً أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، وتعمل قيود التسليم على تقليل العرض المنخفض بالفعل في جميع أنحاء العالم.
وفي خضم ذلك، رأت لياو أنه إذا ما ساء الوضع، فقد يقترب سعر الغاز الطبيعي المسال من أعلى مستوياته القياسية، ولا سيما أن دولاً مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية تستعد الآن أيضاً لفصل الشتاء، وبالتالي زيادة وارداتها.
وفي السياق، توقع كبير محللي الغاز الطبيعي في "ريستاد إنرجي" كوشال راميش، أن تكون أسعار الغاز الطبيعي في البورصة الهولندية والتجارة الآسيوية خلال فصل الشتاء أعلى بكثير من أسعارها الحالية.
تنافس آسيوي أوروبي
أما في أوروبا، فان الأمر مختلف، وكان هناك عدم يقين بشأن تمويل المشاريع الأحفورية بهدف إزالة الكربون والتحول إلى الطاقات المتجددة. إلا أنه مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، بدأت الدول الأوروبية تبحث عن بدائل. وتجري الاستعدادات على قدم وساق منذ أربعة أشهر حتى الآن دون الوصول إلى بر الأمان، ما يوحي بأن يكون الاستقلال عن الغاز الروسي مكلفاً للقارة العجوز.
وفي هذا الإطار، فإن ألمانيا مثلاً، بعد التردد في استخدام محطات الغاز الطبيعي المسال لتزويد الطاقة، من المقرر أن تبدأ بتشغيل الأنظمة الأولى مطلع العام.
ووفق وزيرالاقتصاد روبرت هابيك، إن اثنتين على الأقل من المحطات العائمة الأربع المخطط لها في مدينتي فيلهمسهافن وبرونسبوتيل من المفترض أن تكون جاهزة للتشغيل بحلول نهاية العام، لكن رغم ذلك فإن المؤشرات كافة تفيد بأن ذلك لن يكون كافياً، وقد يصار إلى تقليص الإنتاج أو إغلاق عدد من القطاعات غير الرئيسية، إذا ما برز الكثير من سيناريوهات الفشل مع انخفاض كميات الغاز بشكل كبير.
تجدر الإشارة إلى أنّ من المتوقع أن يصل 7.5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً عبر محطة فيلهمسهافن، أي بحوالي 8.5% من متطلبات الغاز السنوية لألمانيا.