احتجاز الكربون "حل خليجي وسط" للحفاظ على البيئة

31 مارس 2023
دول الخليج تسعى إلى تجنب أضرار التلوث النفطي (Getty)
+ الخط -

اهتمام متصاعد توليه دول الخليج بتقنيات احتجاز الكربون، وسط مساع للترويج لها باعتبارها "حلا وسطا" يقدم حلا لأزمة البيئة والمناخ من جانب، ويضمن لدول النفط استمرار الاستفادة من ثروتها الأحفورية لأطول مدى ممكن من جانب آخر.
وتقوم تقنية احتجاز الكربون على تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون، المضر بالبيئة، بشكل نهائي في الكهوف والتشكيلات الجيولوجية بباطن الأرض، عبر عدة طرق، أهمها وأكثرها انتشارا هو حجز وتخزين الغاز الناتج عن المصانع ومحطات الطاقة، التي تستخدم الوقود الأحفوري "كيميائيا"، وبالتالي منع وصول الغاز الضار إلى الهواء وحماية المناخ.
وتستخدم دول الخليج هذه التقنية لتحويل أزمة الانبعاثات إلى فرصة اقتصادية في إطار مشروعاتها الأخيرة، حيث قامت قطر والإمارات والسعودية بالفعل باحتجاز 3.7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2020، أي نحو 10% من المجموع العالمي، وحسب تقديرات حديثة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي يمكنها بلوغ 60 مليون طن سنويًا بحلول عام 2035، وفق موقع مؤسسة "أوكسفورد بيزنس غروب".
وفي هذا الإطار، تهدف أرامكو إلى التقاط كمية تصل إلى 11 مليون طن سنويًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون أو استعمالها أو تخزينها بحلول عام 2035.

كما تتبنى أدنوك مشروعا لاحتجاز 18 ألف طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون الملتقط من عمليات شركة "فرتيغلوب" النفطية، عبر حقنه في طبقات المياه الجوفية الكربونية بالمناطق البرية في أبوظبي.
ويشير الخبير الاقتصادي علي العبسي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن تقنية احتجاز الكربون تتيح الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري في تشغيل المصانع وتوليد الكهرباء بدون أي تأثيرات ضارة بالمناخ، وبالتالي استمرار هذا النوع من الوقود في لعب دور رئيسي كمصدر طاقة أساسي في الاقتصاد العالمي، واستمرار إنتاجه وتصديره من قبل الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة منه، وعلى رأسها دول الخليج، حسب العبسي.

تحديات التقنية
لكن العديد من علماء المناخ والخبراء في مجال حماية البيئة يحذرون من أن تكاليف احتجاز الكربون العالية يمكن توجيهها إلى تطوير التقنيات المختلفة لمصادر الطاقة المتجددة وحل أزمة الانبعاثات بشكل جذري.
ويدعم هذا التحذير ما أورده الموقع الرسمي لوكالة الطاقة الدولية بشأن التحديات التي تواجه تقنية التقاط الكربون واحتجازه، حيث يشير تقرير صادر عن الوكالة إلى ضرورة زيادة سعة احتجاز ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وحسب التقرير، فإن الفجوة بين حجم الانبعاثات الكربونية وقدرة محطات التقاط الكربون واحتجازه كبيرة للغاية، إذ لم تتم إضافة سعة احتجاز سوى أقل من 3 ملايين طن في جميع أنحاء العالم كل عام منذ عام 2010، ليصبح إجمالي سعة الاحتجاز السنوية 40 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون فقط، بينما يصل حجم انبعاثات الكربون حول العالم إلى 33 مليار طن سنويا.

ويعني ذلك أن تحقيق الحياد الكربوني يتطلب زيادة "السعة السنوية" لمحطات التقاط الكربون واحتجازه بنحو 100 مرة عن مستوياتها الحالية.
ولذا فإن تسريع عملية انتقال الطاقة يعد أولوية، حسبما نقلت مجلة فوربس عن الرئيس التنفيذي لمجموعة وود بي إل سي كين غيلمارتن، مؤكدا أن زيادة محطات احتجاز الكربون أساس مهم في ملف تحول الطاقة وتحقيقه تسارعًا بمعدلات أكبر.

مصلحة خليجية
يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة الكربونية تعود إلى نسبة ثاني أكسيد الكربون الحالية في الغلاف الجوي والتي تزيد عن نسبتها في بداية العصر الصناعي بنحو 47%، ما أدى لارتفاع في درجات الحرارة، ومعاناة العالم من تداعيات هذا الارتفاع، الذي أدى إلى حرارة شديدة في مناطق من العالم أو إلى برودة شديدة في مناطق أخرى، فضلا عن مشكلات الذوبان الجليدي والتصحر.
وتؤشر مشروعات شركتي أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية إلى اهتمام خليجي متصاعد بهذا الشكل من التقنية، بحسب عايش، مشيرا إلى أن الفجوة الضخمة بين قدرة محطات التقاط الكربون وحجم الانبعاثات تعني أن الحاجة ماسة لبناء الكثير من المحطات، ما يقف وراء خطط لإنشاء نحو 200 محطة أخرى حول العالم بقدرة تصل إلى 240 مليون طن سنويا، ويمكنها أن تدخل الخدمة خلال السنوات الخمس القادمة.
ولدول الخليج مصلحة كبيرة في تقنية احتجاز الكربون، لأنها واحدة من الأدوات والوسائل التي تمكنها من الاستمرار بإنتاج وتصدير النفط والغاز، وتسمح لها في الوقت ذاته بالمشاركة في جهود حماية البيئة، حسبما يرى عايش، واصفا تلك التقنية بأنها أشبه بـ"تدوير" لاستخدام النفط والغاز، وبدون أضرار تنجم عنهما، فضلا عن إمكانية "تعدين" ثاني أكسيد الكربون المحتجز في صخور صلبة، ليصبح مصدرا إضافيا للدخل.

المساهمون