اتجاه صعودي لأسعار النفط في 2023 رغم خطط واشنطن تحجيم "أوبك" وخنق روسيا

22 ديسمبر 2022
وكالة الطاقة تتوقع ارتفاع الطلب على النفط العام المقبل (فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من انخفاض أسعار النفط في الأشهر الأخيرة من 2022 بنحو كبير مقارنة بمستوياتها في وقت سابق من هذا العام، إلا أن توقعات العديد من بنوك الاستثمار العالمية ومنتجي النفط، تميل نحو تسجيل الأسعار صعوداً لافتا في 2023، لتلامس 110 دولارات للبرميل، على الرغم من العقوبات الغربية التي استهدفت خنق موارد روسيا، وكذلك ضغوط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتحجيم تحالف "أوبك+".

ولعل التوجهات الاستثمارية لأباطرة المال الأميركيين أنفسهم تعزز توقعات بقاء النفط والغاز في دائرة الاهتمام في ظل المكاسب الكبيرة التي يتوقع استمرارها على الرغم من التقارير التي تشير إلى احتمال تباطؤ الطلب العالمي، بفعل المخاوف من ركود أسواق الولايات المتحدة وأوروبا مع استمرار نهج رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المرتفع.

بينما كانت البنوك الأميركية الكبرى هي الاستثمار المفضل للملياردير الأميركي المخضرم وارن بافيت، الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي، المدرجة في بورصة نيويورك على مدار عقود طويلة، إلا أنه يتجه نحو تعزيز وضعه الاستثماري في شركات الطاقة التي حول بوصلته إليها خلال العامين الماضيين، وفق تقرير لموقع أويل برايس الأميركي.

مخاطر محتملة

يؤكد بافيت أنه يحب الاستثمار في البنوك، لكنه يلفت إلى أن العائد مقارنة بالمخاطر المحتملة لا يروق له، فهو قلق من تضرر نشاط الإقراض بالتضخم المرتفع الذي يؤدي حتماً إلى تراجع النشاط الاستثماري في الولايات المتحدة بينما تغري الأرباح التي تسجلها شركات الطاقة المستثمرين.

وتصدّرت شركة إكسون موبيل أرباح شركات النفط الكبرى خلال الأشهر الـ3 المنتهية في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ تفوقت على أرباح شركات الطاقة الأوروبية العملاقة أمثال شل وتوتال إنرجي.

وحققت الشركة الأميركية أرباحاً قوية بلغت 19.66 مليار دولار خلال الربع الثالث من هذا العام، بزيادة تتجاوز 190% على أساس سنوي، مقارنة مع 6.75 مليارات دولار في الربع نفسه من عام 2021. ومع أرباح الربع الثالث القوية، سجلت إكسون موبيل 43 مليار دولار في الأشهر الـ 9 الأولى من العام الجاري، بارتفاع قدره 19% عن المدة نفسها من عام 2008، وهي المدة التي شهدت تداول أسعار النفط عند مستوى قياسي بلغ 140 دولاراً للبرميل.

كما حققت شركة شيفرون الأميركية ثاني أعلى أرباح فصلية على الإطلاق، مسجلة 11.23 مليار دولار في الربع الثالث، مقابل 6.11 مليارات دولار في نفس الفترة من 2021، بزيادة نسبتها 84%، إذ استفادت الشركة من تضاعف مبيعات المنتجات المكررة.

ووفقاً لتقرير حديث صادر عن مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، ستستقر أرباح الصناعة بشكل عام في عام 2023، على الرغم من أنها ستأتي أقل قليلاً من المستويات التي وصلت إليها القمم الأخيرة.

وفي حين انخفضت أسعار النفط والغاز في الأشهر الأخيرة عن المستويات المرتفعة التي سجلتها في وقت سابق من هذا العام، إلا أنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه خلال العامين الماضيين، ومن ثم الحماس سيستمر في أسواق الطاقة.

مكاسب قوية للشركات

يقول ديفيد روزنبرغ، مؤسس شركة الأبحاث المستقلة Rosenberg Research & Associates Inc، إن المكاسب القوية للشركات من الأسباب الرئيسية وراء استمرار تدفق المستثمرين على أسهم النفط، وذلك على الرغم من إخفاق أسعار الخام في تحقيق أي مكاسب كبيرة خلال الشهرين الماضيين.

وفي الولايات المتحدة، تتحرك السلطات إلى إعادة بناء احتياطي البترول الاستراتيجي، ما يرفع الطلب على الخام في الأشهر المقبلة، كما يأتي تعهد الصين بإعادة تنشيط الاستهلاك بتخفيف قيود مواجهة كورونا، ليزيد من توقعات انتعاش الطلب ويرفع الأسعار، فضلا عن احتمال أن تأتي خطوة الغرب فرض سقف على سعر الخام الروسي بنتائج عكسية وفق محللين، إذ يتوقع أن تحد روسيا من الإمدادات للحفاظ على الأسعار عند مستويات مرتفعة.

قالت ربيكا بابين، متعاملة في الطاقة في شركة "سي آي بي سي" لإدارة الثروات الخاصة في الولايات المتحدة لوكالة بلومبيرغ، إن السوق تميل نحو الشراء بعد أنباء إعادة فتح الاقتصاد في الصين.

كما نقلت صحيفة وول ستريت الأميركية عن أمريتا سين، مديرة الأبحاث في "إنرجي أسبكتس" قولها إن "الطلب المرتفع الذي ستشهده الصين بعد رفع الإجراءات، قد يكون هائلاً، وقد يؤدي إلى تأرجح الطلب، وكذلك الأسعار لتدور في حدود تتراوح بين 95 دولاراً و130 دولاراً للبرميل.

إضافة إلى ذلك، أثبتت تدفقات النفط من روسيا مرونتها وقوتها حتى الآن، إذ لم يترتب على سقف الأسعار الذي فرضته مجموعة الدول السبع والدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أي اضطرابات هامة في الأسعار، حيث أشارت تقارير إلى تراجع صادرات الخام الروسي إلى خارج رابطة الدول المستقلة (مكونة من 12 جمهورية سوفييتية سابقة) في وقت سابق من الشهر الجاري.

فقد ذكرت صحيفة كوميرسانت الروسية اليومية، أمس الأربعاء، نقلا عن مصادر مطلعة لم تحدد هويتها، أن صادرات النفط الروسية تراجعت 11% بين مطلع و20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مقارنة بالشهر السابق، لتبلغ نحو 560 ألف طن يومياً (4.1 ملايين برميل).

زيادة محتملة من الصين

في الأثناء، قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في توقعاتها لعام 2023 الصادرة في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الطلب على النفط سينمو بمقدار 2.25 مليون برميل يومياً على مدى العام المقبل ليسجل 101.8 مليون برميل يومياً، مع زيادة محتملة من الصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم.

كما رفعت وكالة الطاقة الدولية، قبل أسبوع، تقديراتها للطلب على النفط في العام المقبل إلى زيادة بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً إلى 101.6 مليون برميل يومياً. وجاءت تلك التقديرات على أساس تنبؤ بأن الطلب الصيني على النفط سيتعافى العام المقبل بعد انكماش بمقدار 400 ألف برميل يوميا في 2022.

وفي السياق، توقع بنك "غولدمان ساكس" الأميركي، قبل أسابيع، أن ترتفع أسعار النفط إلى مستوى 115 دولاراً للبرميل في بداية العام المقبل، وذلك مع بدء سريان قرار الاتحاد الأوروبي حظر استيراد النفط الروسي. ودخل قرار دول مجموعة السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي وأستراليا، تحديد سقف لسعر النفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل، حيز التنفيذ في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري.

ويسمح الاتفاق بشحن النفط الروسي إلى دول طرف ثالث (غير مشاركة في تحالف العقوبات ضد روسيا) باستخدام ناقلات مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وتوفير خدمات التأمين لها، فقط إذا جرى شراء الشحنة بالسعر المتفق عليه أو أقل منه.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويهدف تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، إلى تقليص عائدات روسيا، مع ضمان أن تستمر موسكو بمدّ السوق العالمية بالخام للحفاظ أيضاً على توازن السوق.

لكن، ثمة وجهات نظر مغايرة، إذ قال لين بوكيانغ، مدير المركز الصيني لأبحاث اقتصاديات الطاقة في جامعة شيامن، في تصريحات لصحيفة غلوبال تايمز الصينية، مطلع الشهر الجاري، إنه بدلاً من تصور تأثير مهدئ على أسعار الطاقة من خلال وضع سقف للنفط الروسي، يتعين على الدول الأوروبية أن تستعد لفواتير طاقة أكثر تكلفة، مضيفا أنه "من غير المرجح أن تستسلم موسكو للتفويض بسعر مخفض في المستقبل المنظور".

تزايد صادرات روسيا نحو آسيا

وروسيا هي ثاني مصدّر للنفط الخام في العالم، بعد السعودية، إذ تستحوذ على حصة تبلغ نسبتها 11% من السوق الدولية. وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ذكرت وكالة بلومبيرغ، أن وتيرة تحول صادرات روسيا من النفط الخام إلى آسيا تزايدت في الأشهر الأخيرة، إذ يتجه ثلثا النفط الخام المنقول عبر ناقلات في الموانئ الروسية الآن إلى آسيا، بينما كانت النسبة تقل عن 50% قبل اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا. كما أشارت تقارير متخصصة في تتبع صفقات ناقلات النفط إلى أن روسيا أقدمت على تشكيل أسطول من الناقلات الخاص بها لتشغيله وتوفير التأمين له أيضاً.

وقال بنك "أوف أميركا" إن سعر خام برنت القياسي قد يرتفع بشكل سريع ليتجاوز مستوى 90 دولاراً للبرميل، فيما توقع بنك "يو بي إس" السويسري أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل في العام المقبل، مع خفض روسيا لإنتاجها من الخام وتعافي الطلب من جانب الصين.

بينما جاءت توقعات بنك مورغان ستانلي الأميركي أعلى من سابقيه، إذ أشار إلى احتمال بلوغها نحو 110 دولارات للبرميل بحلول منتصف 2023، بدعم من ارتفاع الطلب واستمرار شح المعروض من الخام.

المساهمون