بات سوق العمل في إسرائيل بمثابة لغم كبير، إذ تتزايد التحذيرات من الاتجار بالبشر، وسط المحاولات المستميتة للأنشطة الاقتصادية، لاسيما قطاع البناء، لاستقدام عشرات آلاف العمال الأجانب بدلاً من العمال الفلسطينيين الذين تم إيقافهم عن العمل في الداخل المحتل والأجانب الذين فروا إلى بلدانهم عقب اندلاع الحرب، في الوقت الذي تظهر البيانات أن الطبقات العمالية الموجودة حالياً تدفع ثمناً باهظاً للحرب، إذ يواجه 80% منهم صعوبات اقتصادية، واضطر 46% إلى تخفيض نفقاتهم.
وتجاهلت وزارة الإسكان في حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحذير وزارة العدل من أن استقدام العمالة الأجنبية عبر الشركات الخاصة من شأنه أن يزيد من خطر الاتجار بالبشر، ما قد يضر ترتيب إسرائيل في المراقبة الأميركية، ويعرّضها لعقوبات اقتصادية، وفق تقرير لصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية.
وتعمل حكومة الاحتلال على استقدام 35 ألف عامل أجنبي عبر مؤسسات خاصة، 15 ألفاً منهم مخصصون للقطاع الصناعي والبقية للبناء. وفي أعقاب منع سلطات الاحتلال ما يقرب من 100 ألف عامل فلسطيني من العمل في شركات البناء الإسرائيلية، تم اتخاذ قرار في نوفمبر/تشرين الأول 2023 بزيادة حصة العمال الأجانب من 30 ألفاً إلى 50 ألفاً.
ووافقت الحكومة الإسرائيلية، قبل أيام، على خطة وزارتي المالية والإسكان لإسعاف صناعة العقارات، وتضمنت المسودة الأولية قراراً بالسماح بدخول 10 آلاف أجنبي سيأتون عبر وساطة شركات خاصة، وليس الاتفاقات الثنائية بين الحكومة والدول المصدرة للعمالة، بينما عارضت وزارة العدل هذه المبادرة بشدة، مؤكدة أنها تزيد من خطر استغلال العمال.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أنه قبل الحرب كان سوق العمل يشهد انتهاكات بالأساس بحق العمال، إذ أدت ظاهرة قيام العمال بدفع رسوم وساطة باهظة لشركات التوظيف في بلدهم الأصلي إلى انتهاك حقوقهم ومواجهة ديون أدت إلى سجنهم لسنوات.
وهددت مولدوفا، التي وقّعت اتفاقية ثنائية مع إسرائيل، بإلغائها عندما اكتشفت أن هناك محاولة لتوظيف العمال في بلدها من خلال شركات خاصة. وقد سُمع هذا الاستياء أيضاً في سريلانكا وأوزبكستان، وفق "كالكاليست".
وبخلاف قطاع البناء الذي يشهد الأزمة الأكبر على صعيد نقص العمالة، فإن وزارة الاقتصاد بدأت صياغة مقترح قرار يسمح لـ 15 ألف عامل أجنبي بالانضمام إلى الصناعة بمساعدة شركات خاصة ودون اتفاقيات ثنائية أيضا، وذلك بعد منع حوالي 15 ألف فلسطيني من العمل في المصانع.
وعلى عكس العقارات، لم تهتم حكومة الاحتلال حتى الآن بتعزيز الاتفاقيات الثنائية لتوظيف العمال الصناعيين، وتخشى وزارة الاقتصاد من أن تستغرق العملية الدبلوماسية لتوقيع الاتفاقيات مع الدول الأجنبية وقتًا طويلاً مما يؤدي إلى تعميق الأزمة.
وتأتي التحذيرات الإسرائيلية نفسها من الاتجار في البشر عبر بوابة استقدام العمالة الأجنبية وتعرّضهم لانتهاكات، في الوقت الذي بات العمال الإسرائيليون أنفسهم يشعرون بثقل الأزمات التي يتعرضون لها، بفعل استمرار الحرب وتداعياتها على مستويات المعيشة.
وفي تقرير منفصل لـ"كالكاليست"، تواجه معظم العمالة الإسرائيلية صعوبات اقتصادية منذ اندلاع الحرب، التي تسببت في تخفيض النفقات بالنسبة لـ 46% منهم، وفق استطلاع أجرته منصة التوظيف "AllJobs".
وبحسب الاستطلاع، فإن 67% من العمال يعتقدون أن أخذ سلفة من رواتبهم يساعدهم على التعامل مع الصعوبات الاقتصادية، مشيرا إلى أن الغالبية العظمى من العمال في إسرائيل بنسبة 80% يواجهون صعوبات اقتصادية. وأقر 39% أن الصعوبة تنبع مباشرة من الحرب الحالية، وشهد 37% أن الصعوبة جاءت في الأشهر القليلة الماضية. وأشار 29% إلى أنهم يتعاملون مع الصعوبة الاقتصادية منذ عدة سنوات.
ويجري التعبير عن الآثار الاقتصادية لدى الجميع بطريقة مختلفة. البعض يعزفون عن شراء الكماليات، ولكن البعض الآخر ليس لديه خيار ويجب عليه تقليص الضروريات مثل الطعام والفواتير والنفقات الجارية.
وقال 46% من أفراد العينة إنهم خفضوا النفقات بشكل عام. وذكر 11% أنهم خفضوا النفقات الكبيرة مثل السيارات، وأشار 31% إلى أنهم خفضوا النفقات الكمالية، مثل المطاعم والمقاهي والأزياء والملابس والترفيه.
وذكر 12% من المستطلعين أنهم اضطروا إلى تقليص الإنفاق على الطعام والفواتير، وهي مسألة مثيرة للقلق. كما يتم التعبير عن الصعوبة الاقتصادية عبر تأجيل سداد الالتزامات والمدفوعات.
وتتزايد الأعباء المعيشية في ظل استمرار الحرب، حيث تكشف البيانات عن ثقب في جيوب الإسرائيليين، حيث ارتفع الإنفاق في المتاجر بمقدار 370 شيكل شهرياً (حوالي 100 دولار)، لكل أسرة منذ بدء الحرب.
ووفق بيانات شركة "Stornext" لاستشارات الأعمال، فإن ارتفاع الأسعار أدى إلى إنفاق المستهلكين 3.3 مليارات شيكل (900 مليون دولار) أكثر على الأطعمة والمشروبات وأدوات النظافة ومنتجات التنظيف في عام 2023 مقارنة بعام 2022.
ويعاني السوق الإسرائيلي الآن من نقص في السلع وارتفاع أسعارها في ذات الوقت، حيث أدت الهجمات على السفن في البحر الأحمر من قبل الحوثيين إلى ارتفاع تكاليف الشحن، كما أن ضعف الشيكل مقابل الدولار جعل الاستيراد أكثر تكلفة للتجار الإسرائيليين.
وارتفعت أسعار شحن الحاويات التجارية إلى الموانئ الإسرائيلية من 1500 دولار إلى 7200 دولار، كما يمتنع العديد من شركات الشحن عن الرسو في الموانئ الإسرائيلية، بسبب كلف التأمين العالية أو امتناع شركات التأمين العالمية عن إصدار وثائق تأمين لها، كما تضاعفت مواعيد التسليم، حسب ما نقلت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية أخيراً عن مستوردين.