تعتزم الحكومة الإيرانية تقليل صادراتها من الغاز المولد للطاقة الكهربائية للعراق بمقدار النصف تقريباً، بسبب عدم دفع تسديد العراق مستحقاتها وتراكمها طوال الأشهر الماضية.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى إن "الجانب الإيراني سيقلل تجهيز وقود الغاز من 5 ملايين متر مكعب إلى 3 ملايين متر مكعب لعدم تسديد الديون المترتبة على شراء الغاز". وأضاف في تصريحاتٍ لمحطة "العراقية" الرسمية، أن "التخفيض سيجعل تجهيز الكهرباء شبه معدوم في بغداد و الفرات الأوسط، وأن قرار تخفيض نسبة تجهيز الغاز الإيراني يأتي بعد أسبوعين من اتخاذ قرار مماثل، وهو خفض نسبة التجهيز من 50 مليون متر مكعب إلى 5 ملايين متر مكعب".
وأفادت مصادر من وزارة الكهرباء العراقية، "العربي الجديد"، أن "تخفيض الغاز الإيراني إلى النصف، سيؤدي إلى إلحاق ضرر بقطاع الكهرباء العراقي الذي يعتمد ثلث طاقته على ما يستورده من الغاز والكهرباء الإيرانيين".
وأضافت أن "محافظات وسط وجنوب العراق ستكون الأكثر تضرراً، ومنها بابل والناصرية والبصرة، التي تعتمد بشكلٍ شبه كلي على الغاز الإيراني، ناهيك عن بغداد، التي تراجعت ساعات تجهيز الكهرباء فيها إلى 4 ساعات في اليوم الواحد".
وكانت إيران قد طالبت الحكومة العراقية بالإسراع في دفع ديون الكهرباء،، حيث تؤكد إيران أنها "بحاجة ماسة إلى أموال مبيعات الكهرباء إلى العراق".
ومنتصف العام الحالي، أعلن وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان، توقيع عقد مدته عامان لتصدير الكهرباء إلى العراق، وذلك خلال زيارته إلى بغداد، ولقائه عدداً من مسؤولي العراق.
وقال في تصريح نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "ارنا"، إن "العقود السابقة لتصدير الكهرباء إلى العراق، کانت مدتها سنة واحدة، لكن هذه المرة، وقعنا عقدا مدته عامان 2020 و2021".
وأضاف وزير الطاقة الايراني، أن "إيران تلقت خلال الزيارة نحو 400 مليون دولار، وهو مبلغ يعادل نصف مستحقاتها من بيع الكهرباء للعراق.
وتزود طهران العراق بالكهرباء بواقع 1200 ميغاوات عبر أربعة خطوط؛ هي خط (خرمشهر - البصرة)، و(كرخة - العمارة)، و(كرمنشاه – ديالى)، و(سربيل زهاب – خانقين).
كما يساهم الغاز المستورد من إيران، بتشغيل محطات كهربائية عراقية ترفد المنظومة بما يقارب من 3300 ميغاوات.
تراكم أزمة الكهرباء
من جهته، قال عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي غالب محمد إن "العراق يحتاج في هذا الوقت إلى 24 ميغاواتا من الكهرباء لتوفير الطاقة إلى العراقيين، ولكنه لا يملك غير 17 ميغاواتا، ولذلك هناك نقص بتوفير الكهرباء في معظم المناطق العراقية، وأن خيار إيران بتقليل صادراتها من الغاز المولد للكهرباء سيشكل أزمة في البلاد".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المشكلة تتجدد في كل فترة، إلا أن بعض المسؤولين في وزارتي النفط والكهرباء يسعون إلى حلها".
ولفت إلى أن "العراق في المرتبة العاشرة عالمياً بامتلاكه الغاز الطبيعي، إلا أنه لا يستفيد منه، لأن وزيري النفط والكهرباء، ليسوا مختصين في مجالهما، فهما يزعمان أنهما مهندسان إلا أنهما في الحقيقة يعملان في المجال السياسي ويريدان أن يحصدا أرباحاً وصفقات مالية ضخمة".
وأكد أن "18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب يحترق سنوياً، دون أن يستفيد العراق منه، وذلك لوجود جهات لا تريد للعراق أن يعتمد على نفسه في توفير احتياجاته".
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي في العراق عبد الرحمن المشهداني، أن "العراق مدين لإيران بأكثر من 4 ترليون دينار عراقي (2.76 مليار دولار تقريبا)، وأن الأزمة المالية إضافة إلى الفساد في الأحزاب التي تتحكم بميزانية البلاد، تمنع تسديد الديون من جهة، وتمنع العراق من تنشيط غازه الطبيعي في جهة أخرى".
ولفت المشهداني في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "ملف الطاقة يعاني من سيطرة الأحزاب والفصائل المسلحة والعصابات عليه، وليس أمام الحكومة العراقية غير تحرير هذا الملف من الجهات النافذة، ومن ثم الاعتماد على مصادر الغاز في العراق من أجل توفير الاحتياجات".
وتواصل واشنطن فرض عقوبات صارمة على قطاع الطاقة الإيراني منذ عام 2018، لكنها منحت العراق سلسلة من الإعفاءات المؤقتة على مدار العامين الماضيين، وهو ما يسمح لبغداد بشراء الغاز من طهران، ودفع ثمن الواردات من طريق إيداع الدينار العراقي عبر المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة، ما يسمحُ لإيران باستخدامه لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.
ويشهد العراق عجزاً في قطاع الطاقة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، رغم امتلاكه احتياطات كبيرة من النفط والغاز، إلا أن سيطرة الأحزاب المتنفذة والفصائل المسلحة الموالية لإيران على قطاع الطاقة، يمنع تنشيط المنتج المحلي من الغاز، ويسمح بطرقٍ مباشرة بفتح المجال أمام إيران لتغطية حاجة العراق من الطاقة.
ووفقاً لتقارير سابقة، فإن بغداد تدفع نحو 1.5 مليار دولار سنوياً لطهران نظير استيراد الكهرباء والغاز، وكانت هذه المشكلة واحدة من أبرز الأسباب التي أدت إلى اندلاع التظاهرات الشعبية خلال السنوات الماضية، وتحديداً في البصرة وبغداد.