استمع إلى الملخص
- تتضمن الاستراتيجية إلغاء السعر الرسمي لسوق "نيما" وترك تحديده للسوق، مما قد يؤدي لارتفاع الأسعار. تستفيد الحكومة من الفارق بين أسعار الصرف، لكن السوق الموازي يظل نشطاً، وإصلاح البنى المصرفية وإلغاء العقوبات ضروريان لتحسين الاقتصاد.
- يعاني المواطن الإيراني من ظروف اقتصادية صعبة بسبب العقوبات الأميركية منذ 2018، حيث يعتبر الغلاء والتضخم أبرز القضايا، وفقاً لمسح حديث.
في خطوة لوقف الهبوط القياسي اليومي لقيمة الريال الإيراني أمام الدولار، بدأت الحكومة الإيرانية يوم السبت تطبيق استراتيجية جديدة ترمي إلى توحيد أسعار الدولار المختلفة في الأسواق المحلية، تاركة تحديد السعر إلى سوق "نيما" الحكومي، ليتحدد حسب آلية العرض والطلب بين الموردين والمصدرين في السوق، غير أن خبراء إيرانيين يبدون تشاؤماً في نتيجة هذه الخطوة للحد من تدهور الريال، في ظل استمرار العقوبات الأميركية والتوترات الإقليمية، والمخاوف من تشديد الإدارة الأميركية المقبلة ضغوطها على إيران وغياب أفق واضح للاقتصاد في هذه البيئة غير المستقرة.
وتقول الخبيرة الاقتصادية الإيرانية كتايون ملكي لـ"العربي الجديد" إنه بحسب الآلية الجديدة سيعرض المصدرون في إيران عملاتهم الصعبة في السوق ويقدم الموردون طلبات الشراء، وهنا يتحدد السعر توافقياً بينهم، مشيرة إلى أنّ الحكومة تتبع هذه الاستراتيجية لتوحيد سعر الصرف في السوق.
وعن أسباب وأهداف الاستراتيجية الجديدة للحكومة الإيرانية، تؤكد ملكي أن الفارق الكبير بين سعري الصرف الحكومي والموازي الحر خلال العامين الأخيرين قد أضر بكثير من الشركات المصدرة فقد توقف كثير منها عن النشاط لكون صادراتها أصبحت بلا مبرر اقتصادي، وكانت الحكومة تجبرها على عرض العملات في السوق الحكومية، بينما كانت هذه الشركات تضطر لشراء المواد الخام بأسعار حرة.
وتوضح الخبيرة الإيرانية أن إلزام المصدرين في إيران بعرض عوائد صادراتهم بالعملة الصعبة بالسعر الحكومي دفع البعض إلى وقف نشاطه التصديري، ما تسبب في تراجع الصادرات، مؤكدة أنّ أهم أسباب استراتيجية توحيد سعر الصرف هو زيادة الصادرات والإنتاج في البلد.
وفي السياق، تحدد في سوق "نيما" سعر صرف 596478 للدولار الواحد في تعاملات يوم السبت بين المصدرين والموردين، لكن هبطت قيمة الريال في السوق الموازي الحر إلى 750 ألف ريال مقابل كل دولار لأول مرة. وبحسب وكالة إرنا الإيرانية الحكومية، فإنه قد عرض 76 مليون دولار خلال مداولات السوق، يوم السبت، وتم شراء 39.5 مليون دولار منها حسب السعر المتفق عليه بين موردين ومصدرين.
ويقول الخبير الاقتصادي الإيراني، إيرج يوسفي، لـ"العربي الجديد" إن هناك ثلاثة أسعار للدولار في إيران، الأول هو السعر الحكومي الذي يعادل في العام المالي الحالي 285 ألف ريال لكل دولار، ويتوقع أن يرتفع في العام المالي المقبل إلى 385 ألف ريال، مشيراً إلى أنّ هذا السعر يخصص لاستيراد الذُّرة وحبوب الصويا الزيتية وكعكة الزيت وبعض الأدوية العلاجية.
ولفت يوسفي إلى أن السعر الثاني هو سعر سوق "نيما" الذي ألغته الحكومة في إيران وفق قرار البنك المركزي تحديده رسمياً، محيلة ذلك إلى تفاعلات السوق بين المصدرين والموردين. وأضاف أنّ هذا السعر يخصص لاستيراد سلع مثل الزيوت والسكر ومعدلات طبية والسيارات وقطع غيار السيارات وسلع أخرى، مشيراً إلى أنه بعد تحرير السعر في هذا السوق ستشهد الأسواق الإيرانية ارتفاعاً في الأسعار خلال الفترة المقبلة، موضحاً أنّ هذه الاستراتيجية الجديدة مردها انتشار الريعية والفساد، واستغلال جهات مصدرة وموردة الفارق الكبير بين سعر هذا السوق والسعر في السوق الحر للتكسب غير القانوني.
وأكد أن الحكومة بعد تنفيذ هذه الاستراتيجية ستكون هي المستفيدة من ذلك، إذ سيعود إلى حسابها هذا الفارق الذي يتراوح بين 200 إلى 230 ألف ريال، لافتاً إلى أن أكثر من 80% من الصادرات الإيرانية حكومية أو شبه حكومية، وموضحاً أنّ الحكومة لجأت إلى هذه الخطوة بعد امتناعها عن زيادة أسعار الوقود وغيره نتيجة الخشية من تداعيات ذلك.
وأوضح الخبير الإيراني أنّ السعر الثالث للصرف هو سعر السوق الموازي الحر الذي تخطى يوم السبت حاجز 750 ألفاً قبل أن يتراجع قليلاً يوم الأحد، مشيراً إلى أن ما سيحسن الوضع الاقتصادي في البلد هو إصلاح البنى المصرفية، وإخراج الدولة من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية "الفاتف"، وإلغاء العقوبات، ونسج علاقات دبلوماسية وودية مع العالم.
من جهته، يقول الخبير الإيراني محسن جندقي، إنّ السياسة الجديدة للبنك المركزي ووزارة الاقتصاد الإيرانيين "لها دور قليل في تحديد سعر الدولار، لكنّ دورها محوري في كبح السوق" مشيراً في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنّ هذه السياسة ستلغي "الريعية" التي كان يستفيد منها كثير من المضاربين، و"هذا أقل مكسب لتنظيم موارد النقد الأجنبي" وموضحاً أنّ القرار الحكومي الجديد "لم يكن هناك مفر منه، رغم أنه لا يلعب دوراً كبيراً في كبح سعر الصرف"، ومضيفاً أنه سيمكّن الحكومة من السيطرة على مواردها بالنقد الأجنبي.
لكن مع ذلك، سيواصل السوق الموازي نشاطه، وفق جندقي، الذي أكد أن سعر الصرف "يُكبح جماحه من خلال إنعاش الإنتاج، واجتذاب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الصادرات، واحتواء التضخم"، لافتاً إلى أنّ الفريق الاقتصادي الحكومي الجديد يزيد الأمل ببلورة اقتصاد منتج على المديين المتوسط والبعيد.
ويعيش المواطن الإيراني ظروفاً اقتصادية صعبة منذ ما يقارب ست سنوات نتيجة أزمات اقتصادية متراكمة فاقمتها العقوبات الأميركية المفروضة على البلد من عام 2018، إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وزادت المخاوف في الآونة الأخيرة بسبب مزيد من التدهور الاقتصادي في ظل ارتفاع منسوب التوترات في المنطقة، والتي تُشكّل إيران طرفاً فيها.
واستهدفت هذه العقوبات، مفاصل الاقتصاد الإيراني، خاصة موارد تحصيل النقد الأجنبي مثل الصادرات النفطية التي تشكل شريان هذا الاقتصاد. ورغم أن البلد يتمكن من بيع كميات من النفط تقدر بأكثر من مليون برميل، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في إعادة العوائد بالنقد الأجنبي، بسبب تعرّض القطاع المصرفي لعقوبات شاملة أيضاً، وهو ما يدفعه للجوء إلى المقاضاة في بيع النفط أحياناً.
ويتصدر الاقتصاد وأزماته اهتمامات المواطنين الإيرانيين، وفق نتائج مسح أجري خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وشمل عينة من 15 ألفاً و878 إيرانياً. وفي الاستطلاع بشأن أهم قضية في البلد، قال 81.9% من المستطلعة آراؤهم إنها الغلاء والتضخم، واحتلت البطالة المركز الثاني بـ47.9%.