إليك سيناريوهات سياسات الليرة والفائدة في ولاية أردوغان الجديدة

30 مايو 2023
ترقب الفريق الاقتصادي الجديد (Getty)
+ الخط -

في حين تشهد الليرة التركية اليوم تراجعاً قياسياً اليوم إلى 20.3544 مقابل الدولار، وسط مخاوف بشأن احتياجات التمويل الخارجي، ارتفعت الأسهم، إذ يراهن المستثمرون على أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الجديدة يمكن أن تقود البلاد نحو سياسات اقتصادية أكثر تقليدية. 

فقد صعد مؤشر بورصة إسطنبول للبنوك، وهو مقياس يتتبع أسهم المقرضين الأتراك، بنسبة 9.6% وكان تداوله أعلى بنسبة 9.3% اعتباراً من الساعة 11:15 صباحاً في إسطنبول، في طريقه لتحقيق أفضل أداء يومي له منذ 11 مايو/ أيار الماضي. كذلك ارتفع مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 3.5%. 

فما هي التوقعات المطروحة حول سياسات أردوغان النقدية في ولايته الجديدة؟

يلاحق المستثمرون في تركيا الأخبار والأحداث بشكل كثيف خلال هذه الفترة، خاصة بعدما التقى أردوغان محمد شيمشك وزير المالية السابق الصديق للسوق في العاصمة أنقرة يوم الاثنين، وذلك قبيل إعلان الرئيس تشكيل حكومة جديدة يوم الجمعة.

أثار الاجتماع التوقعات بأن شيمشك قد يعود إلى إدارة أردوغان ويساعد في توجيه الاقتصاد نحو سياسات اقتصادية أكثر تقليدية، بما يخالف الاتجاه الذي اتبعه أردوغان خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة.

تشكيل فريق اقتصادي جديد

يعني التحول في صنع السياسة الاقتصادية أن الخطوات الحكومية لدعم العملة سيتم تقليصها، كما قال أنريك ليتشمان، رئيس إستراتيجية العملة في كومرزبنك آي جي.

وتابع في حديث مع "بلومبيرغ": "هناك خطر ألا يتم دعم الليرة بنفس القدر في المستقبل، وأن ضغط الانخفاض الذي تراكم خلال الأشهر الماضية قد ينطلق". 

من المقرر أن تتكبّد سندات تركيا السيادية بالدولار أسوأ الخسائر الشهرية في الأسواق الناشئة. فقدت الأوراق النقدية 5.8% هذا الشهر، مقارنة بمتوسط خسارة 1.6% للسندات الدولارية في الأسواق الناشئة، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ.

ووعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفريق يتمتع "بمصداقية دولية" لإدارة الشؤون المالية للبلاد. بالنظر إلى تأثيره على كل شيء من أسعار الفائدة إلى البنية التحتية، فإن مقدار التغييرات لا يزال غير واضح مع تزايد ضغط السوق.

والسؤال الرئيسي بالنسبة للعالم الخارجي هو ما إذا كان المزيد من أردوغان يعني المزيد من الشيء نفسه أو ما إذا كانت تركيا ستتحول نحو سياسات أكثر انسجاماً مع الاقتصاد العالمي وحلفائه في الناتو.

يأتي ذلك فيما مددت الليرة هبوطها إلى أدنى مستوياتها القياسية بعد فوزه في جولة الإعادة يوم الأحد ليكمل انتصاراً لم تتوقعه استطلاعات الرأي قبل أسابيع قليلة. وتراجعت الليرة 1% أخرى في وقت سابق اليوم الثلاثاء إلى 20.31 للدولار.

القضية الرئيسية التي يتتبعها المستثمرون هي التمويل الخارجي لتركيا، حيث استنفدت الدولة احتياطياتها من العملات الأجنبية، مع استحقاق أكثر من 200 مليار دولار من مدفوعات الديون.

هناك أيضاً احتمال لمزيد من التوتر مع الحكومات الغربية، إذ تواصل تركيا تأكيد استقلالها في الشرق مقابل صراع القوى الغربية على كل شيء من التجارة إلى الحرب في أوكرانيا. 

قال أنتوني سكينر، رئيس الأبحاث في شركة الاستشارات العالمية مارلو غلوبال لـ "بلومبيرغ": "على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها تركيا، فمن غير المرجح أن يفوض أردوغان المسؤوليات، قد يعين مسؤولاً أو اثنين من كبار المسؤولين الذين يستسيغهم السوق، لكن من الواضح من سيستمر في اتخاذ القرارات".

وقالت مصادر "بلومبيرغ" إن شيمشك، 56 عاماً، وهو استراتيجي سابق في ميريل لينش، طلب الاستقلالية التي تسمح له بإعادة الأوضاع المالية للبلاد إلى مسارها الصحيح.

وقال المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين في حديث تلفزيوني يوم الاثنين إن شيمشك "سيواصل المساهمة في السياسات المتعلقة بالاقتصاد" بغض النظر عما إذا كان قد أصبح جزءاً من حكومة جديدة. 

والقوة التي يطالب بها شيمشك تتعلق في الغالب بالسياسة النقدية، إذ أحدث تواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم مع شيمشك موجات بالفعل في وسائل الإعلام الوطنية.

وقالت صحيفة صباح الموالية للحكومة إن أردوغان كان يخطط لإعادة الحرس القديم لإدارة الاقتصاد التركي. سيشارك الوزيران السابقان جودت يلماز ولطفي إلفان في الإدارة الاقتصادية الجديدة في عهد شيمشك، وفقاً لأحد المعلقين السياسيين البارزين.

تغييرات في السياسات؟

نما الاقتصاد التركي 5.6% العام الماضي، وهو أحد أسرع المعدلات في مجموعة العشرين. ومع ذلك، بلغ التضخم 86%. وواصل البنك المركزي خفض تكلفة الاقتراض. الأسعار ترتفع بنصف تلك الوتيرة الآن، لكنها لا تزال أكثر من أي مكان آخر في مجموعة العشرين باستثناء الأرجنتين.

لقد اعتاد المستثمرون على مزيج لا يمكن التنبؤ به من اللوائح والتدخلات التي دفعت الكثيرين إلى التخلص من الأوراق المالية التركية. انخفض إجمالي الحيازات الأجنبية من الأسهم والسندات بنحو 85%، أو ما يقرب من 130 مليار دولار، منذ عام 2013.

ويهدف أردوغان وحزبه العدالة والتنمية إلى استعادة السيطرة على أكبر المدن إسطنبول وأنقرة من المعارضة. وهذا يجعل من غير المحتمل إجراء تخفيضات في الإنفاق الحكومي أو إجراءات تقشف أخرى، وفقاً لخبراء اقتصاديين.

وقال أوزغور أونلوهيسارجيكلي، رئيس صندوق مارشال الألماني في أنقرة لـ "بلومبيرغ"، إن ذلك سيؤثر بدوره على السياسة الخارجية لأن تركيا كانت تعتمد على أموال من روسيا ودول الخليج للمساعدة في دعم الليرة. وقال "إن ضمان بقاء الدعم من هذه الدول يمثل أولوية في الفترة المقبلة".

واعتبرت صحيفة "بوليتيكو" أن هناك تحدياً واحداً ليس تحت سيطرة أردوغان بالكامل وهو اقتصاد تركيا، إذ عانت تركيا من ارتفاع معدلات التضخم ومن ضعف العملة، وتتمثل إحدى المشكلات الكبيرة في ما إذا كانت تركيا ستسمح لليرة بالضعف أكثر الآن بعد انتهاء الانتخابات أو ستضطر الأسواق إلى القيام بذلك. 

والسؤال الأهم هو ما إذا كان أردوغان سيعود إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية أم أنه سيستمر بدلاً من ذلك في مزيجه الحالي من الإنفاق الكبير ومقاومة ارتفاع أسعار الفائدة. يقول العديد من الاقتصاديين إن هذا المزيج غير مستدام ويخاطر بحدوث أزمة في أعقاب الانتخابات.

محورية الليرة

قال مراد آيسر، المستشار السابق للبنك المركزي التركي في غلوبال سورس ماركت حالياً، لـ "بوليتيكو"، إنه لا يرى عودة سريعة إلى سياسات السوق وإن القضية الأكثر إلحاحاً هي الليرة التركية.

وتابع: "الاحتياطيات السائلة الحقيقية باستثناء الذهب والمقايضات الرسمية وما إلى ذلك انخفضت الآن إلى ما بين 20 مليار دولار و25 مليار دولار، وكان لا بد من تشديد السيولة بالليرة التركية بشكل كبير ووصلت الضوابط على الطلب على العملات الأجنبية إلى مستويات غير مستدامة".

لكن أردوغان في خطاب النصر الذي ألقاه في أنقرة، وعد بالإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة، وهو ما قال إنه سيقلل التضخم.

ويشرح تقرير لـ "فايننشال تايمز" اليوم أن العديد من الاقتصاديين يجادلون بأن سياسات أردوغان المتمثلة في انخفاض أسعار الفائدة والتدابير الطارئة لدعم الليرة لا يمكن أن تستمر. وقال ليام بيتش، من كابيتال إيكونوميكس في لندن: "لا يمكن لتركيا أن تستمر في معدلات فائدة منخفضة للغاية، وسياسة مالية فضفاضة للغاية، وتحرق جميع أنواع احتياطيات العملات الأجنبية".

تشير البيانات الرسمية إلى أن الاحتياطيات، بما في ذلك العملات الأجنبية والذهب، أعلى بقليل من 101 مليار دولار. ومع ذلك، فإن صافي الاحتياطيات، وهو رقم يستبعد الالتزامات، هو في الواقع صفر، وهو سلبي للغاية عند استبعاد عشرات المليارات من الدولارات من الأموال المقترضة من النظام المصرفي المحلي، وفقاً لـ "جي بي مورغان".

وقال كليمنس غراف، الخبير الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس في لندن لـ"فايننشال تايمز"، إن الاحتياطيات الآن "قريبة من المستويات عندما زادت تقلبات الليرة بشكل حاد في السابق".

وزاد أردوغان مجموعة واسعة من النفقات في الفترة التي سبقت الانتخابات، بما في ذلك منح المستهلكين شهراً من الغاز المجاني. كما تقوم الحكومة بجهود إعادة بناء ضخمة في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير/ شباط، وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص ودمر آلاف المباني. قال الاقتصاديون إن الإنفاق الجديد قد يؤدي إلى موجة جديدة من التضخم.

دعم خارجي

كما يشعر المستثمرون بالقلق بشأن ما يعادل 121 مليار دولار قام الأتراك بوضعها في حسابات توفير خاصة تدفع على نفقة الحكومة إذا انخفضت قيمة الليرة.

أدى هذا الإجراء إلى إبطاء معدل شراء الأتراك العملات الأجنبية، لكن نور الدين النبطي، وزير المالية، قال إن الحسابات كلفت البلاد حوالي 95.3 مليار ليرة تركية (4.7 مليارات دولار) منذ طرحها في عام 2021.

قد يزداد الضرر على المالية العامة بسرعة إذا انخفضت الليرة بشكل أسرع في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، يرى المحللون أن أردوغان قد يكون قادراً على الاعتماد على تمويل جديد من الحلفاء في الشرق الأوسط وروسيا.

وقال وولف بيكولي، من شركة تينيو الاستشارية، إن أردوغان سيحصل على الأرجح على دفعة قصيرة الأجل من عائدات السياحة الصيفية التي تميل إلى تخفيف الضغوط على الموارد المالية للبلاد.

المساهمون