تخطط سلطات تونس لتوسيع دائرة إقراض الأفراد والأسر عبر توفير مصادر تمويل جديدة عن طريق صناديق الخدمة الاجتماعية بينما تتباطأ قدرة التونسيين على النفاذ إلى القروض المصرفية نتيجة سعر الفائدة المرتفع وأزمة السيولة.
وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أخيراً، أن صندوقي الخدمة الاجتماعية، وهما الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق الضمان الاجتماعي، سيشرعان في غضون شهر فبراير/ شباط في منح قروض بنسبة فائدة ستحدد لاحقا بمقتضى أمر حكومي.
وأوضح الوزير التونسي في تصريحات إعلامية أن "قرار زيادة قيمة القروض المخصصة ناتج عن الإصلاحات المنفذة لتخفيف العجز عن صناديق الضمان الاجتماعي التي تسلك طريقها نحو التعافي".
وتوجد في تونس ثلاثة صناديق اجتماعية، هي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، اللذين يديران مساهمات الأجراء في القطاعين الحكومي والخاص ويؤمنان نظام المنافع العائلية وصرف تعويضات المتقاعدين، بينما يؤمن صندوق التأمين على المرض إدارة أنظمة التأمين على المرض ونظم إصلاح الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع العام والخاص، وأيضاً تقديم منح العلاج والولادة.
وتعوّل شرائح واسعة من التونسيين الذين يشكون من شح السيولة وضغوط الإنفاق على الحلول الجديدة للإقراض، بينما يحذر خبراء اقتصاديون من مخاطر الدفع بالأسر نحو الاستدانة عبر التسهيلات المالية المتوقع تقديمها.
وقال خبير الضمان الاجتماعي بدر الدين السماوي إن حجم القروض المتوقع إسنادها من قبل صندوق الضمان الاجتماعي (يدير مساهمات القطاع الخاص)، سيكون في حدود 90 مليون دينار، مرجحا أن ينتفع بالقروض نحو 6 آلاف منخرط في الصندوق. (الدولار = 3.16 دنانير).
وتوقع السماوي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يكون حجم الأموال المرصودة للقروض من قبل صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية الذي يدير مساهمات موظفي القطاع الحكومي أقل، باعتبار أن عدد موظفي القطاع الحكومي أقل من العاملين في القطاع الخاص، وتابع: "تحاول الصناديق الاجتماعية استثمار العائد المالي المحصل من زيادة نسبة المساهمات المطبقة منذ سنة 2018 في إقراض منخرطيها لتوفير عائد مالي أفضل".
وأشار المتحدث إلى أن نسبة الفائدة التي ستوظف على القروض ستكون أقل من النسب المعتمدة من قبل المصارف التجارية، وهو ما سيحفز التونسيين على الإقبال على هذه التمويلات هربا من الفائدة البنكية.
وأضاف: "تحاول الصناديق الاجتماعية استعادة دورها الذي مارسته سابقاً في توفير قروض بنسب فائدة منخفضة"، مشيرا إلى أن الصناديق قلصت دورها في الإقراض نتيجة الأزمة المالية التي مرت بها في السنوات الأخيرة.
وانعكس الركود وتباطؤ النمو في الكثير من القطاعات الإنتاجية، خصوصا وسط ضغوط جائحة كورونا على وضعيات الصناديق بعدما باتت ترزح تحت مشكلات مالية مزمنة، إلى درجة أن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن دخولها في إفلاس غير معلن.
واعتبر بدر الدين السماوي أن الصناديق الاجتماعية لا تستطيع أن تسحب البساط من تحت أقدام البنوك إلا إذا كانت أسعار الفائدة على القروض أقل من تلك التي تطبقها الأخيرة.
وتسبب رفع البنك المركزي التونسي نسبة الفائدة الرئيسية إلى 8 في المائة في ارتفاع كلفة القروض المصرفية تزامنا مع أزمة تراجع القدرة الإنفاقية لشريحة واسعة من التونسيين نتيجة الغلاء وقفزات الأسعار.
وكشفت بيانات أصدرها البنك المركزي أن قيمة زيادة قروض التونسيين خلال الفترة الممتدة ما بين سبتمبر/ أيلول 2022 وسبتمبر 2023 لم تتجاوز 0.7 مليار دينار فقط، أي ما يعادل 22 مليون دولار.
وتبرز أرقام البنك المركزي أن معدل الزيادة في قروض التونسيين خلال سنوات 2019 و2020 و2021 كان يزيد عن 1.2 مليار دينار سنوياً.
ويرى الخبير المالي خالد النوري أن توفير مصادر إقراض جديدة للتونسيين لا يمكن أن يعوّض دور المصارف نظرا للإمكانيات المحدودة للصناديق وضعف المبالغ المرصودة للإقراض.
وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن 90 مليون دينار، أي نحو 30 مليون دولار، المزمع تخصيصها للقروض من صندوق الضمان الاجتماعي لا تمثل إلا نحو 0.4 في المائة من مجموع التمويلات التي حصل عليها التونسيون من البنوك والتي تزيد عن 30 مليار دينار.
واعتبر الخبير المالي أن تنويع مصادر الإقراض مهم لتنويع العرض أمام طالبي القروض، ولا سيما في ظل إمكانيات توفير موارد تسدد على المدى الطويل بنسبة فائدة أقل من النسبة المعتمدة من المصارف التجارية.
وأشار في سياق متصل إلى أن القروض الطويلة ومتوسطة المدى ستخصص لتمويل شراء المساكن، وتصل مدة السداد إلى 20 عاما بنسب فائدة ثابتة.
وفي آخر تقرير نشره المعهد التونسي للاستهلاك، فإن مصادر ديون الأسر التونسية متأتية أساسا من البنوك بنسبة 57 في المائة، وترتفع هذه النسبة إلى 60 في المائة في بعض الأحيان للعديد من العائلات.