أثار الانهيار المفاجئ لمصرف "سيليكون فالي" في أميركا مخاوف واسعة في الصناعة المصرفية وصناعة التقنية حول العالم، بعد سنوات من الاستقرار المصرفي في أعقاب أزمة المال في 2008 التي هددت بإفلاس المصارف الكبرى.
وعلى الرغم من تطمينات خبراء المال من أن تأثير انهيار المصرف المتخصص في قطاع التقنية سيكون محدوداً وربما يقتصر تأثيره على الشركات الصغيرة والناشئة ولن تكون له تداعيات كارثية على المصارف الكبرى في العالم، لكن انهيار البنك يعد أكبر فشل منذ انهيار "ليمان براذرز" الذي أشعل فتيل أزمة 2008، كما أثار تساؤلات حول نقاط الضعف الكامنة في القطاع المصرفي التي كانت وراء الانهيار، وربما تسلط الضوء على مشكلات في البنوك الأخرى.
ويرى خبراء أن محنة انهيار البنك قد تؤدي إلى فقدان الثقة في الصناعة المصرفية لدى المودعين، وتقود إلى تشديد اللوائح المصرفية الخاصة بكفاية رأس المال والاحتياطات، وكذلك إلى زرع الشكوك وسط المستثمرين بشأن الصحة المالية للبنوك الصغرى التي كان ينظر لها أنها تتمتع برأس مال كاف بعد أن أجبر المنظمون البنوك التجارية في أميركا المصارف على الاحتفاظ بمزيد من رأس المال لتغطية التزاماتها تجاه العملاء.
خلق انهيار البنك الأميركي حالة من القلق لدى مؤسسي الشركات الناشئة حول قدرتهم على دفع الرواتب
وفي قطاع التكنولوجيا، خلق انهيار البنك حالة من القلق لدى مؤسسي الشركات الناشئة حول قدرتهم على دفع الرواتب، بعدما قام المودعون بسحب نحو 42 مليار دولار دفعة واحدة يوم الخميس الماضي، ومن المرتقب أن تنعكس أصداء الانهيار في العديد من الدول مثل كندا وبريطانيا، وسط ترقب في القطاع المصرفي، وتحذيرات من خبراء اقتصاديين مثل محمد العريان بأن تأخر معالجة الأزمة قد ينتج عنه عواقب وخيمة للنظام المالي العالمية.
في هذا الصدد، قالت الخبيرة المصرفية الأميركية، شيلا بير التي كانت تترأس المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع خلال أزمة المال العالمية، حسب رويترز، إن مراقبي البنوك يرجحون الآن أن يوجهوا انتباههم إلى البنوك الأخرى التي قد يكون لديها كميات كبيرة من الودائع غير المؤمنة ولديها خسائر غير محققة، وهما عاملان ساهما في الانهيار السريع لبنك "سيليكون فالي".
وقالت رئيسة قسم المال والأسواق في شركة الاستثمار "هارغريفس لانسداون" الأميركية، سوزانا ستريتر إن "المحادثات العاجلة بشأن عمليات الاستحواذ المحتملة للبنك ستكون جارية، مع تعرض المنظمين لضغوط للتفاوض بشأن خطط الإنقاذ لتجنب المزيد من التداعيات الضارة".
لكن رغم المخاطر على النظام المصرفي، يقول خبراء إن أي آثار مضاعفة في بقية القطاع المصرفي قد تكون محدودة، لأن المؤسسات المصرفية الأكبر حجمًا لديها محافظ أكثر تنوعًا وقائمة كبيرة من العملاء، ولا تعتمد فقط على الشركات الناشئة مثلما هو الحال لبنك "سيليكون فالي".
في ذات الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة "نيو كونستركتس لأبحاث الاستثمار"، ديفيد ترينر لرويترز: "لا نعتقد أن هناك مخاطر عدوى لبقية القطاع المصرفي... قاعدة الودائع من البنوك الكبرى أكثر تنوعًا بكثير من سيليكون فالي، كما أن البنوك الكبرى تتمتع بوضع مالي جيد".
رغم المخاطر على النظام المصرفي، يقول خبراء إن أي آثار مضاعفة في بقية القطاع المصرفي قد تكون محدودة
وقال كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة ألبيون المالية، جيسون وير، إن الروابط مع النظام المصرفي العام محدودة، ولكن "هذا الوضع ربما تكون له آثار على بنوك إقليمية محدودة مع بعض الانكشاف المباشر".
وقالت مصادر تنظيمية وصناعية، إن تلك القواعد السهلة بالنسبة للبنوك الإقليمية من المرجح أن تخضع لمزيد من التدقيق حيث تسعى هيئات الرقابة لضمان أن يكون لديها حماية كافية لمواجهة ضغوط مماثلة في القطاع المصرفي.
وغردت السيناتور الأميركية الديمقراطية إليزابيث وارن، وهي ناقدة مصرفية بارزة، أن فشل البنك "يؤكد الحاجة إلى قواعد قوية لحماية النظام المالي". ويمكن أن يكون أحد المجالات التي يتم التركيز عليها بشكل خاص، هو البنوك الإقليمية الأكبر، التي شهدت بعض التخفيف من القواعد في ظل إدارة ترامب.
وقال منظمو إجراءات مصرفية في نيويورك في أكتوبر / تشرين الأول إنهم يدرسون متطلبات جديدة على البنوك الإقليمية الكبيرة، بما في ذلك الاحتفاظ بمزيد من الديون طويلة الأجل لمواجهة الخسائر.
وقال رئيس استراتيجيات الإيداع الأميركية في مجموعة نومورا المصرفية اليابانية، غريغ هيرتريش: "يبدو أن المكان الأول الذي سيبحث فيه السوق هو البنوك الإقليمية التي ليس لديها تنويع في القروض".
وفي ذات الشأن، قالت مصادر في الصناعة المصرفية، إن هناك مطلبًا آخر يمكن أن يحظى بمزيد من الاهتمام، وهو توسيع البنوك المطلوبة لحساب القيمة السوقية للأوراق المالية المحتفظ بها.
رئيس مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية، مارتن غروينبيرغ، حذر المصرفيين، من أن الشركات تواجه مستويات أعلى من الخسائر غير المحقق
وينطبق هذا الشرط حاليًا فقط على البنوك التي لديها أصول تزيد عن 250 مليار دولار، ولكن يمكن أن تنمو لتشمل شركات أخرى.
وحذّر رئيس مجلس إدارة مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية، مارتن غروينبيرغ، المصرفيين المجتمعين في واشنطن يوم الاثنين الماضي، من أن الشركات تواجه مستويات أعلى من الخسائر غير المحققة، حيث أدت الزيادات السريعة في أسعار الفائدة الأميركية إلى انخفاض قيمة الأوراق المالية طويلة الأجل.